بسبب النزاع مع البرلمان.. كرزاي أضحى وحيدا

حتى حلفاؤه تخلوا عنه

TT

عندما أشرفت مأدبة الغداء الطويلة التي أقيمت لأعضاء البرلمان الأفغاني الجديد على الانتهاء، اتضح خلال تقديم الشاي والفاكهة أن الرئيس حميد كرزاي فقد أغلبيته التي تمتع بها في السابق وقدرته على المناورة.

فعندما وقف الرئيس ليتحدث أنصت النواب بأدب لكنه لم يغير من موقفه. كان النواب يرغبون منه في أن يفتتح البرلمان في اليوم التالي. لكن حتى البشتون، المجموعة العرقية التي ينتمي إليها الرئيس، والحلفاء التقليديون للرئيس الذين حضروا الاجتماع لم يوافقوا على قراره الذي أعلنه قبل أيام بتأجيل افتتاح الهيئة التشريعية لمدة شهر.

لكن اليوم لم يكد يوشك على الانتهاء حتى تراجع كرزاي، يوافق على تدشين البرلمان الذي افتتح بعد شهر من المناقشات الحامية حول شرعية الانتخابات التي أجريت خريف العام الماضي.

هذا التحول وسلسلة الحسابات الخاطئة التي أدت إلى ذلك جعلت كرزاي زعيما أقل نفوذا وأكثر عزلة، بحسب آراء بعض نواب البرلمان ودبلوماسيين غربيين. ويرون أن النتيجة الوحيدة المؤكدة بداية فترة أكثر خطورة في علاقات كرزاي مع سماسرة القوة في أفغانستان.

أغضب كرزاي مرشحي البرلمان الخاسرين الذين شجعهم هو على رفع قضايا التزوير والذين تخلى عنهم إلى حد كبير. كما أغضب الأعضاء الذين فازوا بعضوية البرلمان عندما أبدى رغبة واضحة في تأجيل وربما حتى إلغاء انتخابهم. ثم عاد مرة أخرى ليغضب داعميه الغربيين الذين يرون فيه بالفعل شريكا صعبا ولا يمكن التنبؤ بنياته.

ويقول مير والي، المرشح من إقليم هلمند الذي خسر في انتخابات الإعادة والشخصية البارزة في الإقليم: «لم يتبق أحد ليدعم كرزاي، ولا أعتقد أن أيا من أعضاء البرلمان الجديد سيدعمه».

ربما يكون تصريح والي حاسما إلى حد بعيد، لكنه يستند إلى وجهة نظر أن كرزاي أصبح وحيدا بصورة متزايدة خلال الشهور الـ16 الماضية منذ الانتخابات الرئاسية في عام 2009، التي أجبر فيها على الإعادة من قبل دبلوماسيين غربيين، إضافة إلى مناصريه من الأفغان.

كرزاي الذي كان ينظر إليه من قبل على أنه واضع سياسات رائع، قادر على الدوام على إيجاد سبيل لتوفيق المصالح المتناقضة والهروب من أي مأزق، بدأ في الاعتماد بصورة أكبر على مجموعة من المستشارين، بل وأخطأت حساباته في الكثير من المواقف. ويرى الكثير من الدبلوماسيين والمحللين الغربيين الذين يرون في كرزاي سياسيا مخادعا أن حساباته الخاطئة هذه المرة ربما تكون خطأ مستشاريه.

يقول مارتن بيجلرت، المدير المشارك لشبكة تحليل أفغانستان والمراقب للشأن الأفغاني منذ زمن: «إنه يواجه مأزقا بالفعل». فسماسرة القوة من الأفغان والدبلوماسيون يلقون باللائمة على الحلقة الضيقة لمستشاريه. ويقول قيس قاضي نصر أحمد، عضو البرلمان من إقليم هيرات الذي كان أحد زعماء الجهاد ضد السوفيات: «يواجه كرزاي عددا كبيرا من الأصوات المعارضة في الوقت الراهن عندما بدأ في اتخاذ القرارات بمفرده. فلم يستشر عددا كبيرا من الأفراد عندما اتخذ القرارات الخاصة بهذه الانتخابات».

ويقول دبلوماسي غربي في كابل حضر الاتفاقات المسبقة للعملية الانتخابية: «كان هذا هو الحال في السابق قبل القيام بأي خطوة، لكن الرئيس يقدم بذلك على الانتحار، باعتماده على ثلة من المستشارين التي قد تختلف، خاصة إذا كانوا من مجموعات مختلفة، لكنهم ليسوا كذلك».

ويضيف بيجلرت: «إن ما يعنيه ذلك يصعب إيصاله للأفغان الذين ينظرون إلى الرئيس كملك، قادر في النهاية على الفصل في كل الأمور، لكن إذا لم يكن بيد كرزاي القرار - ومن الواضح أنه لم يعد قادرا في هذه الحالة - فإن ذلك يؤشر إلى أمر أكثر عمقا بشأن منصبه».

وعبر خلافه مع الغرب في الشهور الخمسة الأخيرة، استخدم الرئيس التهديد بطرد شركات الأمن الخاصة بصورة فورية من البلاد في صورة للتعبير عن استيائه. وأثار القضية مرة أخرى في خطابه إلى البرلمان الجديد يوم الأربعاء.

خلال النقاش بشأن الانتخابات هناك شكوك قليلة بأن تدخلا من مؤسسات غربية ودولية تقوده الأمم المتحدة أجبر كرزاي والبرلمان على التوصل إلى اتفاق. وافق كرزاي على افتتاح البرلمان بصورة سريعة لأن الغرب عزز من قبضة البرلمان عبر الإشارة إلى أن الدبلوماسيين سيحضرون الجلسة الافتتاحية للبرلمان، بغض النظر عن حضور الرئيس أو عدمه.

وقال كرزاي: «لقد واجهنا بعض المشكلات الخطيرة في إقامة هذه الانتخابات وحماية أصوات الناخبين ومنع التدخل الأجنبي».

ويرى الكثير من الدبلوماسيين أن تدخلهم لصالح البرلمان لم يكن بالضرورة النتيجة الأفضل، لأنه من المتوقع أن يتطلع البرلمان إليهم لتعزيز كرزاي. ويرى رانجين دادفار سبانتا، مستشار كرزاي للأمن القومي، أن النتيجة الوحيدة للتدخل الغربي لدعم البرلمان في مواجهة الرئيس هي شعور الكثير داخل القصر الرئاسي بالعزلة. وقال سبانتا: «يشعر مستشارو الرئاسة بأن الأوروبيين والأمم المتحدة، عدا الولايات المتحدة، شجعوا البرلمان عبر إخبارهم بأنه حتى وإن لم يكن هناك اتفاق مع الرئيس، يمكنهم عقد جلسة البرلمان وسيحظون بدعم المؤسسات الدولية».

وأضاف: «دعني أسألك، هل يعقل في حالة كهذه بالهند أن تقوم سفارات الدول الأخرى بالتدخل بهذه القوة في الانتخابات؟!».

* خدمة «نيويورك تايمز»