السلطة تطلب من عدة دول السماح لها بالتحقيق مع مشتبهين في تسريب الوثائق

الفلسطينيون رفعوا صور عباس في الضفة.. وأمير قطر في غزة.. وفتح تتهم «الجزيرة» بتنفيذ «مخطط أطراف إقليمية وعربية»

فلسطينيون من حركة فتح يضعون صورتين لقائدي حماس (مشعل والزهار) على الأرض ورسمت عليهما آثار أحذية مع عبارة تقول «الرجاء تعقيم الأحذية بعد الدعس»، خلال مظاهرة في نابلس أمس (أ.ب)
TT

لم يجد غالبية الفلسطينيين جديدا مهما فيما بثته قناة «الجزيرة» القطرية في الأيام القليلة الماضية، من وثائق تطرقت إلى المفاوضات والتنسيق الأمني والحرب على غزة، فهم يعيشون تفاصيل المفاوضات أولا بأول، وتفاصيل التنسيق الأمني اليومي، وما سبق وما دار وما تبع الحرب الإسرائيلية على غزة، ومن بعدها قضية تأجيل ومتابعة تقرير غولدستون.

ومع ذلك، تنوي السلطة مقاضاة القناة القطرية، على ما بثته، متهمة إياها بشن حرب تصل إلى مستوى «محاولة التصفية السياسية للسلطة الفلسطينية ورموزها»، من خلال محاولة ضرب علاقة السلطة بشعبها في الداخل والخارج أيضا، وبالدول العربية الأقرب لها عبر بث الوثائق السرية المسربة. فيما اتهمت اللجنة المركزية لحركة فتح أمس قناة «الجزيرة» بتنفيذ «مؤامرة خططت لها أطراف عربية وإقليمية» ضد الشعب الفلسطيني وقيادته.

وينشغل مسؤولو السلطة في معرفة كيف تسربت الوثائق ومن أين؟، ورغم أن معظم هذه الوثائق سحبت كما يبدو من حواسيب مكتب دائرة شؤون المفاوضات التي يديرها ويرأسها، الدكتور صائب عريقات، فإن وثائق أخرى تتحدث عن تفاصيل أمنية لم تكن يوما في مكتب عريقات.

وأكدت مصادر فلسطينية مسؤولة لـ«الشرق الأوسط» أن الشبهات الرئيسية تحوم حول 3 أشخاص، وهم، عضو سابق في الاستخبارات البريطانية (بريطاني الجنسية)، وموظف أمني سابق في جهاز أمني أميركي (أميركي الجنسية)، ويعمل في «الجزيرة الإنجليزية»، وفلسطيني يعمل الآن في قصر أمير قطر، (فرنسي الجنسية)، وجميعهم عملوا في دائرة شؤون المفاوضات مع عريقات. ورفض عريقات اتهامهم صراحة وقال لـ«الشرق الأوسط» إن التحقيق جار وإن المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وتحاول السلطة الوصول إلى هؤلاء للتحقيق معهم، وطلبت السلطة مساعدة في ذلك من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من أجل إخضاع الـ3 وهم من مواطني هذه الدول للتحقيق في قضية تسريب الوثائق إلى قناة «الجزيرة». كما طلب عريقات على الهواء مباشرة في لقاء في القناة القطرية نفسها من أمير قطر، تسليم مدير قناة «الجزيرة» وضاح خنفر الذي يحمل الجنسية الفلسطينية من أجل التحقيق معه حول «الكيفية والطريقة التي جرى بها تسريب هذه الوثائق».

وقال المجلس الوطني الفلسطيني أمس، إن ما قام به بعض الموظفين في دائرة شؤون المفاوضات جريمة وعمل انتقامي ضد الدائرة، متهما «الجزيرة» بتزييف وتحريف تلك الوثائق غير الرسمية. واعتبرت اللجنة السياسية في المجلس الوطني، «وهو أعلى مرجعية لمنظمة التحرير في حال انعقاده» أن اللقاءات التي أجرتها «الجزيرة» مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن وغيره من المسؤولين الفلسطينيين قبل نشر هذه الوثائق بيوم واحد «ما هي إلا كمين نصب من أجل الإمعان في التشويه للموقف الفلسطيني، خاصة أن الجزيرة أعدت لهذا الأمر منذ ثلاثة أشهر، وظهر ذلك جليا من جموع المعلقين السياسيين الذين أحضرتهم الجزيرة وكلهم ضد السلطة الوطنية الفلسطينية، في الوقت الذي لم تفسح فيه المجال للمسؤولين الفلسطينيين لإيضاح حقيقة تلك الوثائق».

وقال المجلس الوطني: «إن حملة قناة الجزيرة ومن يقف خلفها وفي هذا التوقيت تعتبر طعنة من الخلف لتشغل القيادة الفلسطينية عن التحرك على المستوى الدولي من أجل الحصول على اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية، وهذا ما أفرح (رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين) نتنياهو و(وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور) ليبرمان لأنهما وجدا في هذه الحملة المساعد الأكبر لهما على محاولة اغتيال الموقف السياسي للرئيس محمود عباس، حيث أجمعت المصادر السياسية على أن نتنياهو يعتبر الرئيس أبو مازن خطرا على دولة إسرائيل ولا بد من التخلص منه».

وأضاف المجلس الوطني: «إن الأجواء السائدة الآن تشبه إلى حد كبير الأجواء التي سادت بعد مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000 عندما وقف الشهيد الراحل أبو عمار ورفض أي تنازل يتعلق بالقدس واللاجئين والحدود، مما أدى في نهاية الأمر إلى اغتياله جسديا من قبل إسرائيل وبمباركة من أميركا، والآن يستهدفون الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية بعد أن صمدت أمام كل الضغوط وأعلنت وصممت على عدم التفاوض في ظل استمرار الاستيطان».

من جهتها اتهمت اللجنة المركزية لحركة فتح أمس قناة «الجزيرة» بتنفيذ «مؤامرة خططت لها أطراف عربية وإقليمية» ضد الشعب الفلسطيني وقيادته بعد بثها الوثائق السرية. وأدانت اللجنة المركزية في بيان إثر اجتماع لها في رام الله برئاسة الرئيس محمود عباس «بشدة الحملة المغرضة، ذات الأهداف المشبوهة التي تشنها قناة الجزيرة ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية الفلسطينية».

وأضافت: «إن التوقيت الذي تقوم فيه الجزيرة بحبك هذه المسرحية والتزوير الواضح والمفضوح هو جري وراء وهم لتمزيق الصف الوطني الفلسطيني، ودعم الانقلاب على الشرعية في قطاع غزة» في إشارة إلى سيطرة حركة حماس على القطاع في عام 2007.

وتنديدا بما بثته «الجزيرة»، خرجت أمس عدة مظاهرات في شوارع الضفة الغربية، نظمتها حركة فتح، تأييدا ومبايعة للرئيس الفلسطيني، وهو ما قابله مظاهرات في غزة نظمتها حركة حماس دعت فيها إلى محاكمة الرئيس الفلسطيني، ورفعت خلالها صور أمير قطر التي أحرقت في الضفة. وهتف المتظاهرون في نابلس: «لا تهتم يا عباس الجزيرة راح تنداس.. الجزيرة إسرائيلية شوف القواعد الأميركية»، كما رفعوا شعارات: «لا لكل المحاولات التي تعزز الانقسام الفلسطيني».

أما في غزة، فدعا المتظاهرون إلى تشكيل محاكم شعبية لمن «فرطوا في حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني». ورفع المتظاهرون في مسيرة دعت لها حركة حماس صور أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وابنه محمد، كما رفعوا صورا مناوئة للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض وبعض شخصيات السلطة الفلسطينية.

ودعا القيادي بحماس د. صلاح البردويل إلى تشكيل محاكم شعبية لمحاكمة من قال إنهم فرطوا في حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني إلى جانب المحاكم النظامية قائلا: «إن الشعب الفلسطيني مطالب بأن يهب هبة واحدة لعزل المفاوض الفلسطيني».