الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل: لا ننوي الاستيلاء على السلطة

عبد السلام جراد لـ«الشرق الأوسط»: رئيس الوزراء أطلعني على قائمة الحكومة الجديدة

عبد السلام جراد
TT

اختلفت آراء الشارع التونسي خلال الفترة الماضية حول الدور الذي لعبه الاتحاد العام التونسي للشغل (العمل) سواء في تأطير الاحتجاجات الاجتماعية أو في الدفع بها نحو مطالبة الحكومة المؤقتة بتلبية مطالب الجماهير المحتجة. وتباينت تقييمات التونسيين حول مدى دخول الاتحاد كطرف في المعادلة السياسية التونسية، كما اختلف المحللون حول جدوى دفع الاتحاد الأوضاع السياسية والأمنية في تونس إلى حد يهدد بالفوضى وبالفراغ السياسي الذي قد يفتح الباب أمام الجيش التونسي من ثكناته وسيطرته على السلطة. «الشرق الأوسط» التقت عبد السلام جراد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل وأجرت معه هذا الحوار.

* قرار المشاركة في الحكومة المؤقتة في لحظة ما بعد الإطاحة بابن علي، ثم التراجع عن القرار والتخلي عن مبدأ المشاركة في تلك الحكومة جعل الشارع السياسي التونسي لا يفهم حقيقة موقف المنظمة النقابية، هل لكم أن توضحوا هذه النقطة؟

- الحقيقة أن كل المنتمين للاتحاد كانوا مثل من كان نائما وصحا في لحظة ما ووجد نفسه في واقع مختلف. نحن يوم 14 يناير لم نكن على بينة مما ستسير إليه الأمور ولكن حقيقة جديدة عرفتها تونس يوم 15 يناير قلبت لدينا كل الحسابات والمعطيات ولا يمكننا القول بان الاتحاد كان مستعدا لتلك اللحظة. المعروف أن (الثورة) في تونس انطلقت دون تنظيم من احد والاتحاد العام التونسي للشغل لم يدع في أية لحظة من اللحظات انه من قام بها. ولكننا تفاعلنا معها ودافعنا عن مبادئها. وقلنا منذ البداية لا بد من تكوين حكومة ائتلافية لتصريف الأمور. لا بد من تشاور عميق مع كل الأحزاب السياسية دون إقصاء كمما قبلنا مبدأ المشاركة بعد مشاورات مطولة ولكن عبر خبراء من المنظمة العمالية لهم الخبرة والقدرة والكفاءة وليس بمسؤولين نقابيين، وقدمنا ضمن الحكومة المؤقتة ثلاثة أسماء شملت حسين الديماسي وزير التكوين المهني والتشغيل، وعبد الجليل البدوي الوزير لدى الوزير الأول، وأنور بن قدور كاتب الدولة لدى وزير النقل والتجهيز. وكان شرطنا على الحكومة المؤقتة آنذاك أن تكون الحكومة خالية تمام من الوجوه السابقة من نظام بن علي باعتبار ملفاتهم السياسية ومشاركتهم النظام السابق في العديد من مظالمه. والأشخاص الذين تم التحفظ على وجودهم في الحكومة لا يحكي عنهم الاتحاد كأشخاص لأنه لا يتهم أحدا ولا يتجنى على احد والمؤسسات المختصة وحدها هي التي ستقدم الحجج القانونية ضد المخالفين.

* ولكنكم عدتم وسحبتم ممثليكم الثلاثة.. لماذا، ما الذي حدث بالضبط؟

- لأننا حين اتصلنا بالوزير الأول محمد الغنوشي قدمنا له بيانا حول بعض المطالب التي يراها الاتحاد ضرورية من بينها التأكيد على ضرورة سن قانون العفو التشريعي العام، وفصل الدولة عن الأحزاب والدعوة لحكومة برلمانية بعيدا عن النظام الرئاسي الذي قاسى منه التونسيون الأمرين، هذا إلى جانب إطلاق سراح كل سجناء الرأي والسجناء السياسيين. وقلنا للوزير الأول إن العبرة اليوم في تونس ليست في تكوين الحكومة ولكن في مضامينها البعيدة وفي أهدافها وفي اللجان المختصة التي ستنفذ شعارات الثورة ومبادئها. وطالبنا بعمق التشاور في الوضع السياسي قبل الإعلان عن تركيبة الحكومة المؤقتة بصيغتها الأولى. وبعد يومين من الإطاحة بالرئيس السابق تم الإعلان عن أعضاء الحكومة الجديدة ولم ندر كيف تمت العملية رغم اننا طلبنا من الوزير الأول تأجيل الإعلان عن الحكومة لمدة 48 ساعة حتى تتم الهيئة الإدارية للاتحاد مشاوراتها. ولكن تم التمسك بالإعلان عن الحكومة فأجبرنا حينها على سحب خبراء الاتحاد من الحكومة.

* وماذا عن قضية تطبيق الفصل 56 و57 من الدستور التونسي وكيف قرأ الاتحاد الرسالة المضمنة في كلا الفصلين؟

- الاتحاد العام التونسي للشغل كان واضحا في موقفه من هذه القضية فهو منذ البداية طالب الوزير الأول بالذهاب مباشرة إلى الفصل 57 من الدستور وعدم ترك الباب مواربا أمام رجوع ذاك الدكتاتور. وبعد ساعات من الإطاحة بابن علي تدخل الاتحاد لتأطير الشارع والضغط عبر المسيرات والمظاهرات والإضرابات الجهوية لتلبية مطالب المحتجين في الحرية والديمقراطية وقطع الطريق أمام فلول النظام السابق. وكنا نفكر في الإعلان عن إضراب عام في تونس ولكن المصلحة العامة للبلاد والخوف من إدخالها في حالة عجز تام هو الذي جعلنا نتراجع في قرارنا. لقد اجبر الاتحاد الحكومة المؤقتة على الاستجابة لنداءات الشعب وتم المرور إلى الفصل 57 للدستور وإعلان فؤاد االمبزع رئيس مجلس النواب (البرلمان) رئيسا مؤقتا للبلاد مثلما ينص على ذلك الدستور التونسي.

* ومن هم أعضاء الحكومة المؤقتة الذين كان لديكم ضدهم احتراز ضمن التركيبة الأولى للحكومة؟

- الاتحاد كان ضد كل رموز العهد السابق وضغط طوال الفترة الماضية في هذا الاتجاه. في البداية كان لنا احتراز صريح على كل من محمد جغام الذي عين وزيرا للتجارة والسياحة ومنصر الرويسي وزير الشؤون الاجتماعية وكلاهما من أهم رموز عهد بن علي، ولكن القائمة اتسعت بعد ذلك تحت ضغط الشارع والاتحاد جزء من نبض الشارع التونسي. وكان للاتحاد كر وفر في هذا الاتجاه ووصل الأمر ببعض الأطراف إلى توجيه الخيانة العظمى لأعضاء الاتحاد وهي نفس التهم التي وجهت لنا في أحداث سنة 1978 (إضرابات عمت البلاد بدعوة من الاتحاد) وأحداث سنة 1985 (ما بعد ثورة الخبز) واتهمونا بمحاولة الاستيلاء على السلطة، ولكننا دافعنا عن وجهة نظرنا بشراسة وتمادت المفاوضات مع الحكومة المؤقتة ووزيرها محمد الغنوشي إلى غاية يوم الأربعاء 26 يناير (كانون الثاني) وتوصلنا إلى حل متمثل في تركيبة الحكومة المؤقتة الجديدة.

* وهل انتم راضون عن التركيبة الحكومية الجديدة؟

- لا يمكن اعتبارها بمثابة الحل الأمثل ولكن استعراض العصا الغليظة ضد الاتحاد منذ اليوم الأول من سقوط نظام بن علي ومواجهتنا بميليشيات استعملت ضد أعضاء الاتحاد العصي والهراوات والحجارة جعلنا نتنازل قليلا ونعتبر التركيبة الجديدة يمكن أن تقدم الحلول الممكنة لمواصلة مسيرة الثورة خلال الفترة القادمة.

* وهل لديكم معلومات كافية حول أعضاء الحكومة الجديدة، فالبعض منهم غير معروف على الساحة السياسية؟

- تواصلت نقاشات الهيئة المديرة للاتحاد إلى حدود الساعة السادسة والنصف من مساء يوم الخميس وقبلنا بصيغة بقاء وزيرين فحسب من التكنوقراط في الحكومة وهما عفيف شلبي وزير الصناعة ومحمد النوري الجويني وزير التخطيط والتنمية الجهوية وعرضنا الأمر على الهياكل وطلبنا إرجاء الإعلان عن الحكومة واتصلت من جديد بالوزير الأول وتحادثنا لمدة عشرين دقيقة للتأكيد على أن تغيير الحكومة سيتم بالفعل حتى يجد الاتحاد نفسه في مواجهة مع قواعده الأساسية. وقد صوت 74 عضوا من أعضاء الهيئة المديرة للاتحاد مع الصيغة الجديدة للحكومة والإبقاء على عنصرين فقط من التركيبة القديمة مع تعزيز حضور الاتحاد في اللجان المختصة، وصوت 7 أعضاء ضد تركيبة الحكومة الجديدة. وقد ناداني الوزير الأول محمد الغنوشي مساء الخميس وأطلعني على قائمة الأسماء ولا ادعي أنني اعرف تاريخهم السياسي بالكامل ولكن من الواضح بالنسبة لي إنهم ليسوا من الأسماء المعروفة في النظام السابق.

* هناك من يقول بان الاتحاد لا يرغب في هدوء الأوضاع في تونس ويبحث عن الفوضى للبراءة من جرائم فساد وسوء إدارة في داخله، ما قولك في هذه الاتهامات؟

- نقول إن كل وثائق الاتحاد على ذمة المحققين التونسيين والمنظمة العمالية ولأول مرة منذ شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من سنة 2000 عين مراقب حسابات من الخارج وهو مستعد لكل شكل من أشكال المحاسبة وستثبت اللجان المختصة الوضع الذي عليه كل المؤسسات التونسية ومن بينها الاتحاد. بعض التونسيين خلطوا بين اسمي واسم تونسي آخر لقبه جراد ونسبوا لي مجموعة من المشاريع الاقتصادية والجارية أنا بريء منها.

* ولماذا تصرون الآن على عدم المشاركة في الحكومة، وهل تؤيدون نية بعث حزب عمالي كما راج في تونس خلال الفترة الماضية؟

- الاتحاد سيكون صمام أمان وسيشارك في كل اللجان المختصة حتى لا يضيع دم الشهداء هدرا وسيكون المترجم الأمين لمطالب المعتصمين في ساحة القصبة لمدة خمس ليال قارسة البرودة. نحن نقول إن الاتحاد لا ينوي أبدا الوصول إلى الحكم. الحكم مرفوض بالنسبة لنا ونحن نرفض رفضا قاطعا أن يكون لنا حزب عمالي، فالاتحاد يشمل كل الحساسيات والأحزاب وهو فضاء للتعبير الديمقراطي نريد الحفاظ عليه خارج دائرة الحسابات السياسية.

* وماذا عن مصير المعتصمين بساحة الحكومة بالقصبة؟

- لا بد من الإشارة إلى أن الاتحاد ليس له ضلع في تنظيم ذاك الاعتصام فهذه إرادة تلقائية. ولكن البعض من المعتصمين اتصلوا بي شخصيا وعرضوا علي مشاكلهم من افتكاك للأراضي إلى الأوضاع الاجتماعية الصعبة للغاية. نحن نحيي هؤلاء المعتصمين ونحيي ثباتهم على المبادئ والمواقف ولكننا طلبنا منهم بعد التغييرات الجذرية على تركيبة الحكومة أن ينتخبوا خمسة منهم يمثلونهم وأعربت عن استعدادي للدخول بهم إلى مكتب الوزير الأول والدفاع عن مصالحهم. الوزير الأول من خلال اتصالي به وعرض هذا الحل عليه أعرب عن تفهمه ووعد بحل المشاكل العاجلة على أن يتم النظر لاحقا في بقية ملفاتهم وسيكون الاتحاد العام التونسي للشغل ضامنا لهم في تلك الحلول إزاء الحكومة المؤقتة. الحافلات ستحمل المعتصمين إلى منازلهم بسيدي بوزيد والرقاب ومنزل بوزيان على أن يلتزم بالدفاع عن مطالبهم المشروعة.

* هل لديكم إحساس أن الشارع التونسي أو قسم منه على الأقل قد ظلمكم؟

- نحن عملنا على ضمان عدم الالتفاف على الثورة وقبلنا بالحد الأدنى المضمون ولكننا مع ذلك نعتذر للشعب التونسي عن عدم تحقيق كل مطالبه دفعة واحدة، فالمعروف أن الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني ليست مطالبة بتقديم حلول للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية ولكن الاتحاد حينما تحرق مؤسسة أو يسحب مستثمر أجنبي أمواله من تونس فهو يعلم تمام العلم أن عمال تلك المؤسسات سيرابطون في ساحة محمد علي أمام مقر الاتحاد ويطالبون بحلول لمشاكلهم. لهذا نحن لم نوافق على الفراغ السياسي في البلاد دون أن نفرط في مطالب الثورة، وحاولنا قدر الإمكان إرجاع التونسيين إلى ديارهم وطمأنتهم حول المستقبل حتى لا تزداد أعداد العاطلين وتتعكر الأوضاع من جديد.