مصادر في النجف: عصائب أهل الحق تخترق أتباع الصدر وتبسط سيطرتها

وزير سابق يكشف لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل وساطته بتكليف من المالكي لدى الجماعة

سلام المالكي («الشرق الأوسط»)
TT

نفى القيادي السابق في التيار الصدري، سلام المالكي، ان يكون قياديا أو عضوا في منظمة «عصائب اهل الحق« المنشقة عن «جيش المهدي« التابع لمقتدى الصدر أو المتحدث الرسمي باسمها، موضحا « لم اكن المتحدث الرسمي باسم منظمة عصائب اهل الحق وانما كنت وسيطا بين المنظمة والحكومة لفتح باب الحوار ولغرض المصالحة الوطنية»، من غير ان يخفي تعاطفه مع المنظمة المسلحة قائلا «نعم انا متعاطف معهم، بل اؤيدهم ومقتنع بعملهم كونها منظمة مقاومة للاحتلال ولم تشهر السلاح بوجه العراقيين، وقياداتها اخوة لي حيث كنا سوية قياديين في التيار الصدري».

وكشف المالكي، الذي كان قد شغل منصب وزير النقل في حكومة ابراهيم الجعفري، ل«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من منزله في مدبنة البصرة عن ان «نوري المالكي، رئيس الحكومة العراقية، كان قد طلب مني عام 2009 التوسط لفتح الحوار بين حكومته ومنظمة عصائب اهل الحق التي ارتبط بعلاقات وثيقة مع قيادييها وخاصة الشيخ قيس الخزعلي لغرض اشراكهم في العملية السياسية مقابل الحصول على دعم العصائب»، منوها إلى ان «نوري المالكي نفسه، وهو جاري في المنطقة الخضراء التي ما يزال لي بيت فيها، طلب مني فتح الحوار بينه وبين العصائب، وقال لي (تحدث مع الجماعة)، وقيادة العصائب رحبت بالمبادرة حيث دار الحوار مع قياديي العصائب الشيخ اكرم الكعبي، الذي كان يدير العصائب في غياب الخزعلي، ومحمد الطبطبائي كون الخزعلي كان في المعتقل ولكنه كان على اطلاع تام على ما يجري من حوار واتفاقات سواء عبر الهاتف أو من خلال المقابلات مع عائلته، بل ان وفدا من الحكومة كان قد زار الخزعلي في معتقله للاتفاق معه واطلاعه على مجريات الحوار والاطمئنان على وضعه هناك»، مع ايضاح يفيد بان «قيادة العصائب ثلاثية وتتكون من الخزعلي والكعبي والطبطبائي».

واضاف القيادي السابق في التيار الصدري قائلا «بالفعل بادرت إلى مفاتحة قيادات العصائب لفتح حوار مع رئيس الوزراء وكانت هناك شروط وعلى ثلاثة محاور، سياسية وامنية وقضية المعتقلين. وفي ما يتعلق بالجانب السياسي كان الشرط ان يتبادل الطرفان (العصائب والحكومة) التعهدات بأن يتعهد المالكي بالاعتراف رسميا بمنظمة عصائب اهل الحق كونها جهة مقاومة، وان تتعهد العصائب بدعم الحكومة (المالكي). وفي الجانب الامني شددت العصائب على اهمية انسحاب القوات الأميركية وان لا تشارك هذه القوات في العمليات الامنية. أما بالنسبة للمعتقلين فقد طلبنا اطلاق سراح جميع المعتقلين من التيار الصدري والعصائب الذين ثبت عدم تورطهم في عمليات ارهابية ضد العراقيين، وهذا ما تم بالفعل اذ تم اطلاق سراح 1500 معتقل غالبيتهم من جيش المهدي والعصائب»، منبها إلى ان«العصائب بدورهم دعموا الحكومة والعملية السياسية لكنهم رفضوا طلب المالكي بالمشاركة في الانتخابات التشريعية وقالوا هذا ليس الوقت المناسب، وربما بعد الانسحاب الأميركي من العراق، لا سيما وان «نوري المالكي مؤمن بان العصائب منظمة لمقاومة المحتل ولم تتلطخ ايديها بدم العراقيين، كما ان المالكي كان قد اشاد لعدة مرات بالشيخ الخزعلي لتقديمه خدمات تدعم الوضع الامني».

واوضح سلام المالكي انه لا تربطه اية علاقة قرابة أو مصاهرة مع رئيس الوزراء «سوى تشابه الالقاب فبني مالك عشائر كبيرة ومنها افخاذ عديدة، فانا اصلا من البصرة وما زلت اقيم فيها بينما الاخ ابو اسراء (نوري المالكي) من الفرات الأوسط، ولا تربطنا سوى علاقة الصداقة».

وأشار سلام المالكي إلى ان «صفقة اطلاق سراح الرهينة البريطاني بيتر مور في ديسمبر (كانون الاول) 2007 تمت بذات التعهدات التي جرت بين العصائب والحكومة، اذ تم في نفس الوقت اطلاق سراح الخزعلي من المعتقل الذي تسلمته الحكومة من القوات الأميركية والواقع قرب مطار بغداد الدولي». يذكر ان عصائب الحق كانت قد اختطفت خمسة بريطانيين بينهم خبراء في الكومبيوتر من داخل وزارة المالية وسط بغداد في مايو (أيار) 2007 بتواطؤ من مسؤولين حكوميين وأمنيين واحتجزتهم في أراض إيرانية قرب البصرة حسبما اكدت مصادر امنية وقتذاك.

وتحدث القيادي السابق في التيار الصدري عن تشكيل منظمة عصائب اهل الحق، قائلا «هذه المنظمة ولدت من رحم جيش المهدي الذي كان تحت قيادة السيد مقتدى الصدر، حيث كانت هناك عدة كتائب وبواقع كتيبة لكل محافظة، فمثلا كانت كتيبة (ابو الفضل العباس) في محافظة ميسان، و (موسى الكاظم) في بغداد، و (الامام العسكري) في سامراء، اما كتيبة (الامام علي) فكانت في النجف. وفي نهاية عام 2006 حدث خلاف بين الصدر والخزعلي الذي كان قياديا بارزا في التيار الصدري فانشق عن التيار ومعه هذه الكتائب وشكل مع قياديين آخرين منظمة عصائب اهل الحق»، موضحا ان«اسم المنظمة مشتق من رواية شيعية تقول بان الامام المهدي المنتظر عندما سيظهر سيكون معه جيش مكون من عدة كتائب بينها (كتائب اهل الحق من العراق) و (ابدال اهل الشام)من سورية».

وقلل المالكي من اهمية التهديدات التي قيل ان العصائب اطلقتها بحق الصدر، وقال«نعم هناك اختلافات كبيرة في وجهات النظر بين الاثنين، لكني لا اعتقد بانها تصل حد التهديد، ثم ان السيد مقتدى كان قد زار الخزعلي عندما اطلق سراحه، ورد الخزعلي الزيارة وقابل الصدر».

وحسب سلام المالكي فان الخزعلي «في نهاية الثلاثينات من عمره، ويصعب الوصول اليه بسبب الاوضاع الامنية»، نافيا علمه بمصادر دعم وتمويل عصائب اهل الحق، وقال«منذ اشهر طويلة لم التق بالشيخ الخزعلي بالرغم من علاقتنا القوية، فعندما اطلق سراحه استضفته في بيتي بالمنطقة الخضراء، لكني اليوم مبتعد عن العملية السياسية لانني غير مقتنع بها ولهذا لم اترشح للانتخابات الاخيرة رغم الحاح بعض القيادات السياسية، فانا وزير متقاعد، بل انا اصغر وزير متقاعد (عمره 36 سنة)، وكنت اول نائب في العراق يستقيل من البرلمان عام 2007 بالرغم من اني كنت قريبا جدا من مصدر صناعة القرار السياسي».

إلى ذلك اكد مصدر، كان في السابق ناشطا جدا في جيش المهدي في مدينة النجف، ان «الخلافات بين الخزعلي والصدر عميقة جدا لاسباب كثيرة اهمها ان العصائب ضمت اليها غالبية اعضاء جيش المهدي ولم تعد تابعة للتيار الصدري، وان السيطرة في النجف حاليا للعصائب وليس لجيش المهدي أو كتائب اليوم الموعود الذي شكله الصدر ولا حتى للتيار الصدري ذاته»، مشيرا إلى ان«انصار العصائب يتمركزون في المناطق الفقيرة بالنجف مثل منطقة (الرحمة) القريبة من المقابر، مما دفع بالصدر إلى مهاجمتهم ببيان قال فيه (هؤلاء ليسوا من اتباعي، كما ان غالبية سكنة مدينة الصدر ممن كانوا يتبعون جيش المهدي هم اليوم مع العصائب».

وقال المصدر، الذي رفض نشر اسمه لاسباب امنية، ل«الشرق الأوسط» عبر الهاتف ان «طبيعة التداخلات بين جيش المهدي وعصائب اهل الحق، وحتى بين قياديي الطرفين، تجعل من الصعب على مقتدى الصدر ان يثق بانصاره أو ان يفصل بين من هم معه ومن هم ضده، ومن هنا تاتي خطورة التهديدات التي دفعت بالصدر إلى مغادرة النجف التي لم تعد تحت سيطرته»، مشيرا إلى ان «الصدر كان قد زار الخزعلي لدى خروجه من المعتقل وطلب منه التوبة والعودة إلى صفوف التيار لكن الثاني رفض بقوة خاصة وانه صار يتمتع بقوة على الارض وله انصار وجيش كما ان ايران تدعمه ماديا ولوجستيا بقوة، وهذا ما زاد في اغضاب الصدر، كما ان الخزعلي استطاع ان ينظم صفوف انصاره وصارت له قناة تلفزيونية فضائية (العهد) لا تبث اية اخبار عن الصدر أو تياره».

وحول الخلافات التي تتعلق بمرجعية كل من الصدر والخزعلي، قال المصدر، ان«كلاهما لا يتبع (يقلد) السيستاني لانهم يعتبرون مرجعيته (المرجعية الصامتة) والصدر يقلد كاظم الحائري بناء على وصية من والده محمد صادق الصدر».