الصين تتصدى لظاهرة جيوش التضليل عبر الإنترنت

شركات تقدم مبالغ زهيدة لآلاف الشبان مقابل نشرهم رسائل كاذبة في إطار سياساتها التسويقية

TT

يتنمي يانغ فيون إلى مجموعة لا تحبها الحكومة الصينية. وتعمل هذه المجموعة من خلال شبكة الإنترنت، وفقا لبعض القواعد، ويمضى أعضاؤها ساعات طويلة أمام أجهزة الكومبيوتر، لنشر التعليقات في أكبر عدد ممكن من المواضع على الشبكة، مقابل تلقيهم رواتب تكون في الغالب زهيدة.

ويمكن لهذه المجموعة التي استمد منها يانغ خبرته، أن تغيّر أي رأي تقريبا في الصين وفي غضون 72 ساعة فقط، إذ يمكن لها أن يتسبب في الفزع، أو أن تصنع مشاهير، أو أن تضغط من أجل العدالة الاجتماعية، كما يمكنها أن تقنع مستخدمي الانترنت في الصين والذين يبلغ عددهم 420 مليون شخص، بتصديق أمور ليست ليست صحيحة.

في الأسابيع الأخيرة، وضمن حملتها المتواصلة منذ فترة طويلة لتنظيم شبكة الانترنت وتطبيق الاجراءات المنظمة لها، وجهت الحكومة المركزية في الصين جهودها نحو هذه الشبكة الواسعة من المرتزقة التي تملك قدرة مذهلة للتأثير على الرأي العام. وكشفت السلطات الصينية خلال العام الماضي عن العديد من الحالات التي تدفع فيها الشركات الكبرى لأعضاء ما يسمى بجيش الانترنت مقابل إغراق المدونات وغرف الدردشة ومجالس النقاش والتأثير، بمعلومات كاذبة ومزيّفة عن منافسيها. ويقول المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني إن حملات التشهير الباطلة هذه قد «عطّلت نظام الاتصال بشبكة الإنترنت، وأوقعت الفوضى فيه».

ولكن وفقا للعاملين الصينين في مجال التسويق بشبكة الانترنت، فإن من المحتمل أن يكون هذا التخريب من جيش الانترنت الذي يملك سلطات معنية. وقد كان الدرس الأخير للحكومة مهما جدا، وهو: عندما ينشر عدد كبير من الناس معلومات ما عبر الإنترنت وبطريقة منسقة، فإنه لا يهم كثيرا ما إذا كانوا يكتبون عن منتجات الألبان الفاسدة أو عن الفساد، إذ أن «مستخدمي الانترنت» في الصين غالبا ما يقرأون المواد المنشورة والتعليقات قبل أن تتاح للحكومة، التي تمنع نشر المعلومات الكاذبة أو المسببة في خلق فوضى وعرقلة للنظام، فرصة سحبها أو حذفها. ويقول يانغ: «أعتقد أن جيش الانترنت غالبا ما يوصف بالشر، ولكن هذا ليس صحيحا، فنحن مجرد أداة، أما الباقي فيعتمد على مستخدم هذه الأداة».

وأعلنت الحكومة الشهر الحالي أنها جمعت لجنة من خبراء الإنترنت والمستشارين القانونيين لدراسة سبل الحد من تأثير جيوش الانترنت. لكن بيانا رسميا أشار إلى وجود مقاومة واضحة ضد اتخاذ إجراءات جذرية. ويقول المكتب الإعلامي لمجلس الدولة الصيني: «سنطالب أيضا القائمين على المواقع الإلكترونية بتعزيز الانضباط الذاتي و(تحسين) إدارتهم الداخلية». ازدادت العام الماضي المخاوف من تأثير المسوقين في أعقاب حالة موّلت فيها إحدى الشركات الكبرى حملة لنشر معلومات كاذبة عن أكبر منافسيها. وبعد تحقيق استمر لمدة شهرين، كشفت الشرطة عن «خطة لمعركة عبرالإنترنت» اشتركت في إعدادها «منغنيو»، وهي واحدة من أكبر شركات منتجات الألبان في البلاد وواحدة من شركات التسويق على الانترنت مقرها بكين. ودفعت شركة التسويق لكتابها كي ينشروا شائعات مضللة حول أحد منتجات حليب الأطفال تصنعه شركة «ييلي»، وقد جاءت هذه الشائعات على دفعتين. ففي بادئ الأمر أمطر الناشرون، الذين لم يذكروا اسم «ييلي« على الإطلاق من قبل، مدونات ومنتديات انترنتية، بأخبار تفيد أن زيت السمك الذي يعيش في أعماق البحار له آثار صحية خطيرة. وتداولت الصحف الرئيسية القصة، ثم مع مضي الوقت، عاد جيش الانترنت إلى لوحات ومجالس العناوين والرسائل، ليوجهوا هذه المرة رسالة مفادها: بالمناسبة، يحتوي حليب تنتجه شركة ييلي التي تستهدف فئة الأطفال على زيت السمك هذا، ويمكن أن يسبب في ظهور البلوغ المبكر. وكتب أحد الآباء الذين صدقوا تلك الشائعات في أحد المنتديات: «قد يأتي حليب شركة ييلي الذي يحمل اسم «QQstar» من أحشاء الاسماك الملوثة، وقد تحتوي الأجزاء الملوثة على نسب عالية من الزئبق». وتابع قائلا: «لقد تكشف الآن أن منتج الحليب قد يتسبب في النضوج الجنسي المبكر للأطفال، مما يدفعني إلى الجنون».

وبحلول اكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أدت حملات التشهير الكاذبة إلى اعتقال أحد كبار مديري شركة «منغنيو» وثلاثة آخرين من مديري التسويق الإلكتروني، لكن ذلك لم يوقف استغلال جيش الانترنت الذي غالبا ما يتعاقد أعضاؤه سرا مع أكثر من شركة تسويق ذائعة الصيت. ويقول كسنغ نيانكنغ، وهو إداري في شركة «بكين تشن مو« للتسويق على الانترنت: «لا يمكن لشركات العلاقات العامة في مجال الانترنت التي لا توظف جماعات وجيوش الانترنت أن تستمر». وتتنوع إلى حد كبير التقديرات حول حجم جيوش وجماعات الانترنت، ويعود السبب في ذلك في المقام الأول إلى اعتمادها على شبكة غير منسقة من المشتغلين غير المتفرغين وطلاب الجامعات، لكن العديد من مسؤولي التسويق التنفيذيين يعتقدون أن هذه الجيوش والجماعات لديها مئات الآلاف من الأعضاء، يعملون معا في مجموعات صغيرة بها عشرات أو مئات، وتتقاضى أجورها عادة على أساس فردي، كلٌ حسب منصبه ومهمته. تسلم يانغ عمله الأول ضمن مجموعة انترنتية عام 2008 وأدرك أنه لا يحتاج إلى الكثير من المهارة، إذ يمكنه ببراعة صفّ وصياغة التعليقات على لوحات ومجالس الرسائل مباشرة طوال الليل. أما الفكرة الرئيسية الهامة فهي أن يتأكد أن كل تعليق سيقرأ على نحو مختلف، وأن يظهر كل منها بصورة سليمة. يجد يانع نفسه في بعض الأحيان يعمل لمدة 13 أو 14 ساعة في اليوم، مشتغلا تقريبا مثل الآلة، وهو يتقاضى ما يقرب 6 سنتات أميركية عن كل تعليق أو مادة منشورة، أو 12 دولارا في اليوم الواحد. ويقول يانغ: «مسألة النقود تغريك. واظبت على هذه الوتيرة لمدة نصف عام تقريبا عندما كنت حقا فقيرا».

وقبل عام مضى، اشترك يانغ في تأسيس شركة جديدة تحمل الاسم جينيريل Genereal حيث يكسب المزيد من المال، بتنسيق منشورات وتعليقات موظفيه. ولدى شركة جينيريل الآن 13 أو 14 من أفراد جيوش الانترنت.

اتخذت الشركة مقرا لها في شقة من غرفتين و12 جهاز كومبيوتر. ووفقا ليانغ وشريكه لي هي، فإن جينيريل تنوب عن بعض كبرى الشركات مثل شركة صابون دوف، وشركة الهواتف الجوالة China Mobile وشركة «علي بابا» Alibaba إحدى شركات التجارة الإلكترونية الصينية. ويقول يانغ ولي إن شركتهما لا تنشر معلومات كاذبة، فهما لا يستهدفان منافسي العملاء، كما أنهما يرفضان تبادل معلومات تفصيلية عن لوحات ومجالس الرسائل التي ينشران عليها، قائلين أن الإعلان الذكي لا يعمل إلا إذا كان مستخدمو الانترنت لا يعلمون أنه إعلان. ويضيف لي: «لا بد أن أحتفظ بهذه العملومات سرية من أجل عملائي».

* خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»