مجلس الأمن القومي.. التنظيم السري الذي يحكم مصر

قطاع كبير من الشعب المصري لايعرف حتى بوجوده ولا طبيعته ولا تشكيله

اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة المصرية في القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

عقد مجلس الأمن القومي المصري أمس، اجتماعا مطولا في مكتب الرئيس حسني مبارك لدراسة الوضع الراهن في البلاد.

ويعد هذا هو أول اجتماع يعقده المجلس منذ اجتماعه الأخير في العشرين من شهر نوفمبر (تشرين ثاني) العام الماضي عقب تلك الأحداث المؤسفة التي تلت مباراتي المنتخبين المصري والجزائري في كرة القدم.

يومها ومن دون إعلان انعقد مجلس الأمن القومي المصري للمرة الأولى بعد طول غياب، حيث ضم إلى جانب رئيس مجلس الوزراء، والدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، وصفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، وزراء الخارجية والداخلية والإعلام والشؤون القانونية والمجالس النيابية بالإضافة إلى وزراء الإسكان والمرافق والتنمية العمرانية والطيران المدني، واللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات والدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، والفريق سامي عنان، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والمهندس حسن صقر، رئيس المجلس القومي للرياضة.

ويرجع ظهور فكرة مجلس الأمن القومي إلى عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر علما بان المجلس ضم نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وعددا من الوزراء السياديين هم وزراء الدفاع والخارجية والمالية والاقتصاد والداخلية ثم رئيس المخابرات العامة الذي يملك حق التصويت على قرارات المجلس ويعمل سكرتيرا له، بالإضافة إلى أعضاء لا يملكون حق التصويت مثل رئيس أركان حرب القوات المسلحة ومدير المخابرات الحربية ورئيس جهازا أمن الدولة.

ربما يكون الرئيس المصري حسني مبارك هو أكثر رؤساء الجمهورية منذ عام 1952، ولعا بفكرة استخدام مصطلح أو تعبير الأمن القومي في معظم خطاباته الرسمية، ذلك ان تلك العبارة الرنانة تثير ولا شك الشجن وتلهب الحماسة الوطنية والأهم أنها تضفي هالة على مقام الرئاسة.

في خطابه الأخير الذي ألقاه أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى بمناسبة بدء الدورة البرلمانية الجديدة، استعاد الرئيس مبارك هذه الفكرة حين راح يقول: «ان الحفاظ على أمن مصر القومي هو مسؤوليتي الأولى، وقال أيضا: سيظل أمن مصر القومي شاغلي الأكبر ومسؤوليتي الأولى». ومع ذلك فمن النادر ان يجتمع مجلس الأمن القومي الذي لا يعرف قطاع كبير من الشعب المصري حتى بوجوده ولا طبيعته ولا تشكيله وكأنه تنظيم سري يظل بعيدا عن التناول الإعلامي.

نص الدستور المصري في مادته رقم 182 على ما يلي: «ينشأ مجلس يسمى (مجلس الدفاع الوطني) ويتولى رئيس الجمهورية رئاسته ويختص بالنظر في الشؤون الخاصة بوسائل تأمين البلاد، وسلامتها ويبين القانون اختصاصاته الأخرى».

والحاصل ان اجتماعات مجلس الأمن القومي تكاد تكون معدومة بحيث لا يتذكرها الناس ولا ينتبهوا لها جيدا رغم أهمية الدور الخطير الذي يفترض ان يلعبه هذا المجلس في تحديد مصائر البلاد. لم تعرف مصر منصب مستشار الأمن القومي سوى في عهد الرئيس الراحل أنور السادات الذي تأثر بالتجارب الدولية من حوله ورأى عن قناعة بان هناك حاجة لإنشاء هذا المنصب الخطير اسما وفعلا.

اختار السادات الراحل الكبير محمد حافظ إسماعيل ليكون أول وآخر مستشار معروف أو معلن للأمن القومي المصري، حيث جمع الرجل بين النواحي الثلاثة الأمنية السياسية والعسكرية، علما بأنه ترقى عسكريا داخل الجيش إلى رتبة اللواء وهو يتخطى بالكاد حاجز الأربعين من عمره، وتولى إدارة مكتب المشير عبد الحكيم عامر وزير الدفاع الأسبق.

لاحقا تم تعيينه بوزارة الخارجية حيث بدأت انجازاته واضحة، وكما يقول الدكتور مصطفى الفقي وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب، فقد كان الراحل الذي اشتهر بلقب «كيشنجر» لتجهمه الدائم وصرامته البادية على ملامح وجهه، فو بحق العقل المنظم الذي أعطى الخارجية المصرية شخصيتها المطلوبة.

عمل إسماعيل سفيرا لمصر في باريس ولندن وموسكو، قبل ان يعين وزيرا للدولة للشؤون الخارجية ثم رئيسا لديوان رئيس الجمهورية، ورئيسا لجهاز المخابرات العامة الذي انتقل منه لكي يصبح مستشارا للأمن القومي في المنصب الذي استحدثه السادات. في كتابه البالغ عدد صفحاته 475 صفحة، والمعنون «أمن مصر القومي في عصر التحديات» الصادرة طبعته الأولى عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية عام 1987، حكي حافظ قصة تعيينه وكيف فاجئه السادات في شهر مايو (آيار) عام 1970 بهذا المنصب بينما كان الرئيس الراحل يحاول إعادة تنظيم العمل داخل مؤسسات الرئاسة. ومن المدهش أن أول مستشار للأمن القومي المصري يحكي بهدوء فشله في ممارسة عمله بسبب التنافر وعدم الانسجام بين كبار رجال الدولة، حتى أنه ليقر بأنه منذ ربيع عام 1972 أحس بأن مهمة مستشار الرئيس على نحو ما قدرتها قد تراجعت بحيث أصبحت مقصورة على تنظيم تدفق المعلومات إلى رئيس الجمهورية وتنفيذ قراراته في مجال العلاقات الخارجية.