راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة يعود إلى تونس اليوم بعد 20 عاما في المنفى

قيادي في حركة النهضة لـ «الشرق الأوسط»: الحكومة الجديدة لا تزال تتعامل بعقلية العهد البائد

TT

يحل الشيخ راشد الغنوشي اليوم بمطار تونس قرطاج قادما من لندن بعد نحو 20 عاما من المنفى، هربا من حكم الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي كان يطارده، بعد أن حكم عليه غيابيا بالسجن مدى الحياة مع مسؤولين آخرين من حركة النهضة بتهمة التآمر على النظام. وقال زياد الدولاتلي القيادي في حركة النهضة التونسية ان حركته اعدت استقبالا حاشدا للغنوشي، لدى حضوره نهار اليوم في مطار العاصمة. وقال الدولاتلي لـ«الشرق الأوسط» إن «الظرف السياسي الآن بات يسمح بعودة الغنوشي إلى دياره والى عائلته وأهله ومناصريه». وأوضح أن عودته ستكون مرفوقة بعدد من الصحافيين العرب والأجانب قادمين من لندن إلى العاصمة التونسية لتغطية الحدث والوقوف على التطورات السياسية التي عرفتها البلاد مطلع السنة الجارية.

وكان الشيخ راشد الغنوشي قد أسس حركة النهضة الإسلامية سنة 1981 وضمت آنذاك مفكرين وطلابا وخريجي جامعات. وأسست الحركة صحيفة «الفجر»، التي قدمت من خلالها الحركة مواقفها السياسية والعقائدية. وبعد أن كان بن علي الرئيس المخلوع متسامحا مع الغنوشي لدى توليه السلطة سنة 1987 وكان من ضمن القوى السياسية التي وقعت نص الميثاق الوطني الداعي إلى تعايش كل القوى السياسية بعد إزاحة الحبيب بورقيبة من الحكم، إلا أن الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي عاد إلى التشديد على الحركة خاصة بعد أول انتخابات رئاسية وتشريعية (برلمانية) جرت في تونس بعد وصوله إلى الحكم وكان ذلك سنة 1989. وكانت بعض الدوائر المراقبة للعملية الانتخابية قد أكدت حصول حركة النهضة على 17 في المائة من أصوات الناخبين، وهو ما عجل بشن حملة كبيرة ضد أعضاء الحركة وقيادييها ومن بينهم الشيخ راشد الغنوشي الذي غادر تونس إثرها تونس إلى الجزائر ثم إلى لندن. وكانت المحكمة العسكرية في تونس قد أصدرت عليه حكما غيابيا بالسجن مدى الحياة مع مسؤولين آخرين بتهمة التآمر على الرئيس وذلك سنة 1992.

وحول تشكيل الحكومة المؤقتة الحالية والأوضاع السياسية التي أفرزتها الثورة الشعبية التونسية، أبدى الدولاتلي ملاحظات سلبية على الحكومة، وقال انها لا تحظى بالثقة اللازمة من الشعب التونسي. وأضاف «الشعب التونسي طالب منذ سقوط نظام بن علي بحكومة لا تتضمن رموز النظام السابق ولكن الحكومة الحالية بعد الإعلان عن تركيبتها الجديدة يوم 27 يناير(كانون الأول) الجاري، لا تزال تضم رموزا من الماضي وقضيتها الأساسية تكمن في سعيها إلى كسب ثقة الشعب». الدولاتلي قال ايضا إن حركة النهضة ستتبنى مطالب الشعب التونسي وتحاول تجسيمها في قرارات وبرامج لكن الحكومة الحالية لا تزال تتعامل بعقلية العهد البائد على حد تعبيره.

وحول عدم دعوة الحركة للمشاركة في الحكومة المؤقتة، قال الدولاتلي إن الحركة لا تقدم حلولا جاهزة للمشاكل المتفاقمة في تونس ولكنها مع ذلك تبقى مستعدة للعمل السياسي سواء داخل الحكومة أو خارجها. وتابع «هذه الحكومة أفضل من سابقتها التي مثلت استفزازا لإرادة الشعب التونسي« وتساءل إن كانت الحكومة التي يقودها محمد الغنوشي ستنجح في كسب ثقة الشعب والحال أن الكثير من المسيرات حملت شعارات « خبز وماء.. والغنوشي لا».

وعدد الدولاتلي مجموعة من التحفظات التي رأى من خلالها أن التعامل السياسي مع الأحزاب السياسية لم يتغير بالدرجة التي يتحدث عنها الشارع التونسي والتي توهم بها وسائل الإعلام التونسية. الدولاتلي قال إن المشهد السمعي البصري في تونس اليوم أقصى الإسلاميين بقرار واضح من الحكومة، وأعطت الكلمة والشهادات والتحاليل السياسية لأشخاص معروفين بتوجهاتهم العلمانية والفرانكفونية، ولكن بمجرد الاتصال الهاتفي بالمحطات التلفزية والإذاعية، يتم الفرز ويقفل الخط مباشرة في وجه الإسلاميين وهو ما يستدعي بعث مجلس أعلى للإشراف على وسائل الإعلام يضمن التعددية في الأصوات والموضوعية في تحليل الأوضاع في تونس وهو قرار عاجل لا يمكن تأجيله». الدعوة موجهة كذلك للحكومة للاعتراف الفوري بالأحزاب والجمعيات في غضون 24 ساعة فحسب وهو ما سيرسي دعائم الثقة في الحكومة الجديدة على حد قوله. كما دعا الدولاتلي في مجال القضاء، إلى الإعلان الفوري عن إبعاد القضاة الذين كانوا أداة من أدوات القمع السياسي، ونفس الشيء بالنسبة للشرطة السياسية المتهمة بتعذيب السجناء وأصحاب الرأي المخالف، واتخاذ قرار فوري بحل جهاز الشرطة السياسية وإعادة توزيعه وتأهيله لحياة سياسية جديدة.

وعلى الحكومة المؤقتة كذلك كما يرى الدولاتلي، اتخاذ قرار عاجل بإطلاق سراح المساجين المحاكمين في إطار قانون مكافحة الإرهاب والحال أنهم لم يحملوا سلاحا ولكن نظام بن علي كما أوضح الدولاتلي كان يسجنهم لإبداء حسن سيرته مع أوروبا وأميركا والتأكيد على انه يمثل حصنا أوليا لمكافحة الإرهاب. الدولاتلي تطرق أيضا في حديثه مع «الشرق الأوسط» إلى مشروع العفو التشريعي العام، وقال «إن رئيسها عياض بن عاشور معروف بتوجهاته العلمانية والفرنكفونية ومعاداته للدين، ومع احترام الحركة لابن عاشور المكلف بلجنة الإصلاح السياسي، عليه أن يشرك كل الأطراف السياسية في سن القوانين الجديدة ومن بينها الدستور الجديد حتى يتم القبول الفعلي بمبدأ المشاركة في الدولة».