تونس: المعارضة للحكومة تتقلص.. والغنوشي يكشف عن خارطة طريق لها

طبيب على رأس وزارة الدفاع.. وأئمة المساجد يطالبون بالتوقف عن تزويدهم بخطبة الجمعة من «الداخلية»

TT

بينما خرجت تونس من عنق الزجاجة، وعادت الامور في شوارعها امس إلى وضعها الطبيعي، كشف محمد الغنوشي، رئيس الحكومة الانتقالية، عن خريطة طريق لهذه الاخيرة، وقال ان بلاده ستواجه في الفترة القادمة تحديين أساسيين، الأول سياسي، ويتمثل في تأمين الانتقال الديمقراطي، والثاني اقتصادي، ويتعلق بإعادة تنشيط الحياة الاقتصادية وتحقيق عدالة اجتماعية اكبر.

وتقلصت درجة المعارضة للحكومة الانتقالية في الشارع التونسي بعدما فضت قوات التدخل السريع مساء اول من امس الاعتصام الذي دام اسبوعا في ساحة القصبة حيث مقر رئاسة الحكومة، وقام الجيش وقوات الامن بوضع سياج من الاسلاك حول الساحة التي بدت صباح امس فارغة من المعتصمين وخيمهم وافرشتهم واغراضهم. وكان المعتصمون بعد تفريقهم من ساحة القصبة قد تظاهروا وسط المدينة وخاصة في شارع بورقيبة الرئيسي، بيد ان قوات التدخل السريع تصدت لهم وفرقتهم بالقنابل المسيلة للدموع. وهو ما ادى إلى اصابة نحو 15 شخصا بجروح.

وعاشت تونس العاصمة الليلة قبل الماضية عملية تمشيط لبقايا فلول المعتصمين ولبعض المشبوهين الذين استغلوا الفرصة للقيام ببعض اعمال التخريب والاعتداء على المارة، وهو ما عاينته «الشرق الأوسط». وخلت شوارع تونس طيلة الليل من المارة باستثناء عناصر الامن الذين انتشروا بكثافة، بينما ظلت الطائرات المروحية التابعة للجيش تحلق فوق المدينة حتى طلوع الفجر، لتقديم الدعم اللوجيستي لعمليات التمشيط.

الى ذلك، عبر عدد من الأحزاب السياسية ومن نشطاء الحقل المدني في بيانات عن الانشغال لما شهدته ساحة الحكومة بالقصبة من تدخل عنيف لقوات الأمن لتفريق المعتصمين. وبينت حركة التجديد أن الحركة مع تفهمها لمسؤولية الحكومة في حفظ أمن المواطنين وحماية المرافق العمومية والممتلكات العامة والخاصة والسهر على استئناف نشاط المصالح الوزارية للخروج من حالة الطوارئ وإنجاز المهام العاجلة الموكولة إليها للتقدم نحو تحقيق أهداف الانتفاضة فهي، تطالب بفتح تحقيق فوري حول الأحداث التي جدت مساء الجمعة، وإعلام الرأي العام بنتائج هذا التحقيق. كما طالبت بوضع خطة متكاملة لتكوين أعوان وكوادر الأمن في طريقة التعامل مستقبلا مع المواطنين، وحفظ الأمن بالاعتماد على القواعد المعمول بها دوليا.

ومن جهته،عبر الحزب الديمقراطي التقدمي عن رفضه وإدانته للعنف الذي طال المعتصمين والمحتجين داعيا الحكومة إلى احترام حق التظاهر والتعبير السلمي. كما سجل استنكاره لما تعرض له مقره مساء الجمعة من رشق بالحجارة وتهجم قام به أنصار مجموعة سياسية من المطالبين بإسقاط الحكومة. وأكد الحزب ذاته انه بقدر ما يقر حق الاختلاف في المواقف والآراء فإنه يدين بشدة اللجوء إلى كل أشكال العنف بين الفرقاء السياسيين ويدعو كل الأطراف إلى الاحتكام للشعب والإقرار بإرادته.

وأدان عدد من أعضاء مجلس الهيئة الوطنية للمحامين التدخل العنيف لقوات الأمن معتبرين انه تصعيد خطير خاصة بعد التطمينات التي أعطاها المسؤولون الحكوميون لبعض أعضاء الهيئة. ولاحظوا ان هذا الهجوم لا يمكن تبريره محملين وزارة الداخلية مسؤولية الاضرار التي لحقت بالمعتصمين، ونبهوا إلى محاولات تشويه المعتصمين في تحركهم السلمي بافتعال وقائع ملفقة. كما دعوا وسائل الإعلام إلى تجنب الانخراط في هذه المحاولات مطالبين بإطلاق سراح كافة الموقوفين وفتح تحقيق حول ذلك.

وبموازاة ذلك، تظاهر عشرات من ائمة المساجد في تونس العاصمة امام مقر وزارة الداخلية الكائن في شارع الحبيب بورقيبة للمطالبة بفصل وزارة الشؤون الدينية عن وزارة الداخلية، نظرا لان خطبة صلاة الجمعة التي يلقونها في المساجد،جرت العادة ان يتلقوها من وزارة الداخلية.

الى ذلك،لاحظ رئيس الحكومة الانتقالية التونسية، في تصريحات تلفزيونية ادلى بها الليلة قبل الماضية، ان رفع التحدي السياسي والمتمثل في تحقيق الانتقال الديمقراطي، لا سيما وان تونس لا تملك تجربة كبيرة في هذا المجال يحتم «علينا النجاح لنظهر للعالم إن تونس، مهد الحضارة في المتوسط وبلد رسالة، لها الإمكانية والقدرة على النجاح في هذا الانتقال الديمقراطي الذي يجعل كل التونسيين مهما كان اتجاههم قادرين على التعبير بحرية واختيار من يرأسهم بعد هذه الفترة الانتقالية». وابرز الغنوشي ان الإجراءات الأولية انطلقت في هذا الاتجاه، مشيرا ان اللجان شرعت في عملها من خلال البدء في الإصلاحات السياسية، وأول خطوة اتخذتها الحكومة تعلقت بالعفو التشريعي العام. وتحدث الغنوشي عن التحدي الاقتصادي، وقال ان بلاده التي ما انفكت تعتمد على قدراتها ومواردها الذاتية، لها تطلعات هامة وحاجيات كبيرة، وبها مناطق محرومة تعيش ساكنتها ظروفا صعبة، وهو ما يفرض على البلاد «أن تخلق من الضعف قوة« من أجل إعادة تنشيط الحياة الاقتصادية في أقرب وقت ممكن،وتحقيق عدالة اجتماعية أكبر،وتمتيع الجميع وخاصة المناطق النائية، بثمار التنمية حتى «نكون أوفياء لدماء الشهداء وأساسا للذي أعطى الشرارة الاولى لهذه الانتفاضة، محمد البوعزيزي رحمه الله». وقال إن الحكومة سعت إلى أن تضم في تركيبتها كفاءات وخبرات عالمية وأصحاب مسؤوليات عالية في مؤسسات عالمية لهم تجربة وقدرة ولهم شبكة من الصداقات التي من شانها أن تساعد تونس في هذه الفترة الصعبة للمضي قدما بالبلاد وإعادة الأمور إلى نصابها في مجال التشغيل وفتح الآفاق. وأبدى الغنوشي تفهمه للاحتجاجات في الأيام الأخيرة الرافضة للحكومة المؤقتة الأولى وكل من تحمل مسؤولية في النظام السابق وضد شخصه، والنابعة من التخوف من تكرار سيناريو 1987،ومصادرة الانتفاضة وتقديره لموقف الشعب التونسي. وأكد الغنوشي إن العمل يتجه إلى «تكريس القطع مع الماضي بكل ما للكلمة من معنى وخلق مصالحة على أسس جديدة مع التقيد بسيادة تونس وشعبها حتى نكون أوفياء للشهداء ولمن ماتوا وعاشوا ظروفا صعبة وعذبوا في الفترة السابقة».

من ناحية اخرى، توقف المراقبون كثيراعند تعيين عبد الكريم الزبيدي، الذي عين وزيرا للدفاع الوطني، فهو طبيب ولا علاقة له بسلك الجندية. فبعد حصوله على الثانوية العامة التحق بكلية الطب بتونس ثم انتقل إلى فرنسا للدراسة بجامعة «كلود برنار« بمدينة ليون، وتحصل على دبلوم الدراسات والبحوث في البيولوجيا البشرية ودبلوم الدراسات المعمقة في الفيزيولوجيا البشرية وية في العلوم الصيدلانية البشرية، وية في الفيزيولوجيا البشرية والاستكشاف الوظيفي، وشهادة الدكتوراه في الطب. وشغل وزير الدفاع الوطني الجديد اثر ذلك منصب أستاذ مساعد بصفة أجنبي بكلية الطب «غرانش بلانش« في ليون وذلك من سنة 1976 إلى سنة 1978 فأستاذ مساعد استشفائي جامعي بكلية الطب بسوسة من سنة 1978 إلى سنة 1981 فمنسقا لتكوين الفنيين الكبار للصحة من سنة 1981 إلى سنة 1988 بنفس الكلية قبل أن يصبح أستاذا استشفائيا جامعيا محاضرا من سنة 1982 إلى سنة 1986 فرئيسا لقسم العلوم الأساسية من سنة 1982 إلى سنة 1989 في ذات المؤسسة الجامعية.

كما عمل كأستاذ استشفائي جامعي بكلية الطب بسوسة منذ سنة 1987 فرئيس قسم الاستكشاف الوظيفي بمستشفى «فرحات حشاد« بسوسة من 1990 إلى سنة 1999، قبل ان يكلف بمهمة في بعثات خبراء لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة منذ 1992 في مجال «التطبيقات الطبية للطاقة الذرية»، وذلك في كل من الكاميرون والمغرب والسنغال وليبيا وتايلند والنيجر ومالي وكينيا والسودان وجنوب افريقيا. وأصبح الزبيدي اثر ذلك رئيسا لقسم الفيزيولوجيا والاستكشافات الفيزيولوجية بوزارة الصحة العمومية،ثم رئيسا لجامعة الوسط من سنة 1995 إلى سنة 1999، ثم شغل منصب وزير دولة لدى رئيس الوزراء مكلفا البحث العلمي والتكنولوجيا من سنة 1999 إلى سنة 2000،فوزيرا للصحة سنة 2001 ووزيرا للبحث العلمي والتكنولوجيا سنة 2002 قبل أن يصبح عميدا لكلية الطب بسوسة من سنة 2005 إلى سنة 2008 والزبيدي عضو مؤسس ومنسق للتعليم بمدرسة الطب في جيبوتي منذ سنة 2007،ورئيسا لمجلس إدارة مستشفى الرازي منذ سنة 2008،وعضوا بالهيئة العليا للعلوم والتكنولوجيا لدى رئيس الوزراء منذ 2010 ورئيسا للمجلس العلمي والتوجيه بالقطب التكنولوجي بسوسة منذ سنة 2010.وألف الزبيدي وساهم في كتابة نحو 140 إصدار و300 مداخلة علمية كما اشرف على 40 أطروحة طبية.