معارض بارز يتحدى السلطة في روسيا

نمتسوف اعتقل ليلة رأس السنة بتهمة عقد تجمع غير مرخص ويستعد غدا لتكرار المحاولة

TT

تخطو روسيا باتجاه نهج أكثر شمولية، وهي تستعد لانتخاباتها الرئاسية المقررة العام المقبل، وهي بذلك ترسل رسائل مشؤولة إلى معارضتها السياسية الضعيفة أصلا، وتتواجه مع الولايات المتحدة وأوروبا في تحديات سياسية غير واضحة المعالم. وتعهد الرئيس الروسي دميتري ميديفيديف مرارا للغرب بأن العكس هو الصحيح، وقال في منتدى دافوس الاقتصادي خلال الأسبوع الحالي إن روسيا تحارب الفساد، وتطور حكم القانون، وتتحول باطراد نحو الديمقراطية. وأضاف: «إن المواطنين الروس يعتقدون أنهم يعيشون في دولة ديمقراطية».

لكن تجربة بوريس نمتسوف تشير إلى عكس ذلك تماما. فخلال الأشهر القليلة الماضية، أقدمت السلطات الروسية على إجراءات توضح أن تريد أن تلوي النظام القضائي لصالح أهدافها، وتسعى لكبح جماح المعارضة بشكل أكبر رغم أن تمكنت أصلا من إسكات صوتها.

تم توقيف نمتسوف، وهو نائب رئيس وزراء سابق، خلال تظاهرة نظمت عشية رأس السنة الميلادية. وضع قيد الحبس لمدة 15 يوما، وقد يتعرض لنفس المصير يوم غد، وهو يستعد للمشاركة في وقفة للدفاع عن حرية التجمع خلال تظاهرة جديدة. وقد حصلت هذه التظاهرة هي الأخرى على تصريح من السلطات للتجمع في الميدان الرئيسي على السادسة مساء.

نمتسوف، البالغ من العمر الآن 51 سنة، كان نجما سياسيا خلال العهد السوفياتي السابق، عندما كان غالبية الروس لا يزالون يحلمون بالديمقراطية. كان شابا متحمسا، وطبيبا قبل أن يتحول إلى العمل السياسي. كسب إعجاب الناخبين وحاز على سمعة جيدة كحاكم إقليمي. ولفترة من الزمن، كان ينظر إليها كوريث محتمل لأول رئيس روسي: بوريس يلتسن.

لكن بدلا من ذلك، تولى فلاديمير بوتين الرئاسة، قبل أن يتركها ويشغل حاليا منصب رئاسة الوزراء، وقام بلا هوادة بتهميش المعارضين، وبينهم نمتسوف.

كان اعتقال نمتسوف، ليلة رأس السنة، مع آخرين من الطيف السياسي، رسالة لا لبس فيها. كان المتظاهرون قد حصلوا على ترخيص للتجمع، واختاروا يوم 31 ديسمبر (كانون الأول)، والآن 31 يناير (كانون الثاني) الحالي، تكريما للمادة 31 من الدستوري الروسي، التي تضمن حرية التجمع. تم اعتقاله وهو يغادر الساحة، بتهمة ترؤس تجمع غير مرخص له وعدم إطاعة أوامر الشرطة. ودقت مؤسسة «فريدوم هاوس»، وهي منظمة غير ربحية مقرها واشنطن وتعنى بمراقبة مستوى الحريات المدنية في العالم، في تقرير أخير لها، أجراس الإنذار بشأن تزايد القمع في روسيا، وفي أماكن أخرى من العالم، وانتقدت المجتمع الديمقراطي لفشله في رفع التحدي. وقال ديفيد كرامر، المدير التنفيذي لمؤسسة فريدوم هاوس في مقابلة أجريت معه: «روسيا ليست بدلا حرا».

قضى نمتسوف، 40 ساعة، ببدلته الوحيدة، في غرفة بدون نوافذ وبدون حمام أو سرير. وفي المحكمة، كان عليه أن يقف لأكثر من اربع ساعات. وأفاد ضباط الشرطة، الذين حضروا المحاكمة ولم يكونوا ممن شاركوا في عملية اعتقاله، إنه أهان الشرطة وترأس تظاهرة خلت من الرقابة.

تحدى نمتسوف الادعاء وقال إن الهدف الرئيسي للسلطات هو «تدمير« شخصه «لكنهم فشلوا في ذلك». وبعد خروجه من السجن، يدفع نمتسوف الآن باتجاه تشكيل «حزب حرية الشعب»، مع حلفاء ديمقراطيين آخرين هم: فلاديمير ريزكوف، وميخائيل كاسينوف وفلاديمير ميلوف، ويخططون لتعيين مرشح لانتخابات اللرئاسة الربيع المقبل. ولديهم فرصة ضئيلة للتمكن من تسجيل حزبهم الجديد، ولن يكون بإمكانهم الظهور أمام شاشات التلفزيون. ويقول نمتسوف إنه ورفاقه سيستخدمون الإنترنت لشرح أفكارهم ونشر نحو مليون نسخة من وثيقة تبرز الطرق التي يسلكها رئيس الوزراء بوتين لتدمير البلاد، على حد قوله.

يرى نمتسوف أن على الغرب أن يتخلى عن الحوار الهادئ ويسلك العقوبات، ليست ضد روسيا وإنما ضد دوائر المسؤولين الفاسدين. ويضيف أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تتخلى عن إجراءات حقبة الحرب الباردة مثل تعديل جاكسون فانيك الذي يفرض عقوبات تجارية.

بدوره، قال عضو مجلس الشيوخ الأميركي، السناتور بنجامين كاردين، (يشغل أيضا رئاسة لجنة هلسنكي لحقوق الإنسان) الذي كان قدم مشروع قانون يحظر منح التأشيرة إلى 60 مسؤولا مرتبطين بقضية وفاة سيرغي ماغنيتسكي (محام كان يمثل شركة استثمارية تخضع للتحقيق في شان ضرائب). وفي شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حث البرلمان الأوروبي هو الآخر على منع إصدار تأشيرات لأولئك المسؤولين. كما دعا عضو في البرلمان البريطاني، هو كريس براينت، الأسبوع الماضي، بأن المسؤولين المعنيين، مرتطبون بـ «الإرهاب الاقتصادي»، ودعا أيضا لحظر التأشيرات وتجميد الأصول بحقهم.

ونمتسوف الذي رفع إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، شكوى حول معاملته، لديه قائمة إضافية بمسؤولين روس قال إنه يتعين فرض الحظر عليهم كذلك. وتبدأ القائمة بالنواب الكبار لبوتين إن لم يكن بوتين نفسه. وقال معلقا على ذلك بابتسامة: «سيكون عظيما« لو حدث ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ «الشرق الأوسط»