ساسة العراق.. من «الباشا» إلى «الحجي» وبينهما «القائد الضرورة»

بعضهم جاء بلقبه من أيام المعارضة مثل «مام جلال» و«كاك مسعود»

TT

يكاد يختزل العراقيون العهد الملكي برجل واحد كان في غاية البساطة اسمه نوري السعيد رئيس الوزراء المزمن في ذلك العهد الذي استمر 38 عاما شكل خلالها السعيد 14 وزارة كان آخرها عام 1958 وزارة الاتحاد الهاشمي بين العراق والأردن. ومن تبقوا من كبار السن في العراق يطلقون على تلك الحقبة من تاريخ العراق «عهد نوري السعيد». السعيد كان يحمل مثل سواه من بعض كبار سياسيي ذلك العهد لقب «الباشا» الذي كان يصدر بفرمان سلطاني أيام العثمانيين ومن ثم بإرادة ملكية فيما بعد احتكر وحده تلك التسمية. فعندما يقال «الباشا» فإن المقصود فورا هو نوري السعيد وليس أحدا آخر سواه من كبار قادة تلك الحقبة. وبعد قيام النظام الجمهوري في 14 يوليو (تموز) 1958 تغيرت التسميات القديمة وحلت معها تسميات والقاب جديدة كان أكثرها حضورا وتداولا في وسائل الإعلام بعد عام 1968 ذلك الاسم الذي اختاره الرئيس العراقي السابق صدام حسين وهو «القائد الضرورة». هذا اللقب ظل قيد التداول لأكثر من عقدين من الزمن لأن صدام حسين تعامل به بعد عام 1979 بينما كان لقبه الأثير إلى نفسه قبل ذلك التاريخ هو «السيد النائب» أيام كان نائبا لأحمد حسن البكر. وبعد عام 2003 ظهرت قيد التداول في القاموس السياسي العراقي مفردات جديدة لكنها بعيدة هذه المرة عن البروتوكول. فوفقا للبروتوكولات المعمول بها في العالم فإن لقب الملك هو «جلالة الملك» ورئيس الجمهورية «فخامة الرئيس» ورئيس الوزراء «دولة الرئيس» والوزير «معالي الوزير». وفي العراق الجديد حمل العديد من القادة الجدد القابهم معهم من زمن المعارضة ولا يزالون يحتفظون بها بالرغم من أن وسائل الاعلام العالمية تناديهم بالقاب الفخامة والدولة. فبالنسبة للأكراد فإن اللقب المفضل لدى الرئيس جلال طالباني هو «مام» وتعني «العم» باللغة الكردية. لذلك فإن العاملين معه في أوساط البروتوكول وحتى رفاق دربه من قادة الكرد يفرحون أكثر عندما تسأل عن أحوال «مام جلال» أكثر مما لو قلت «فخامة الرئيس». واذا كان كل رؤساء العالم ينادون بـ «فخامة الرئيس» فانه لا «مام» سوى «مام جلال». الأمر نفسه ينطبق على رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني. فهو الآخر جاء بلقبه الأثير إلى نفسه ونفوس الكرد وهو «كاكه» وتعني باللغة الكردية «الأخ الكبير». فمسعود بارزاني يفضل مناداته بـ «كاكه مسعود» على «فخامة الرئيس». أما الساسة العرب فإن المفردة الأكثر تداولا عندهم الآن والتي تختزل كل التسميات الآخرى هي مفردة «الحجي». وينطبق هذا على من يحمل حتى لقب «سيد» وهو الأكثر رمزية وحضورا ومهابة ومن يحمل لقب دكتور أو ما شابه ذلك. ولقب «الحجي» هو الآن الأكثر هيمنة من كل الألقاب في المنطقة الخضراء بدءا من رئيس الوزراء نوري المالكي الذي ربما لا يعرف الكثيرون أن لقبه المتداول بين كل الأوساط هناك والمفضل لديه شخصيا هو «الحجي» لا «دولة رئيس الوزراء». وكثيرا ما يواجه المرء عند أي اتصال هاتفي لطلب التحدث أو اللقاء مع أحد المسؤولين فإن الصوت الذي يأتيه من سكرتاريته أو مرافقيه يقول «نعم سوف نخبر الحجي» أو «أن الحجي الآن في اجتماع» أو «سنخبر الحجي بعد عودته من الحج». نعم، فحجاج المنطقة الخضراء لا يكتفون بالحج مرة واحدة «لمن استطاع اليه سبيلا» بل أن الغالبية منهم يواصلون الحج كل عام منذ ثمانية أعوام تقريبا. ولأن مفردة «الحجي» كثيرا ما تقترن بالكبار في السن حتى دون أن يحجوا وذلك كنوع من التوقير أو الاحترام لهم أو أحيانا من باب وضعهم في زاوية حرجة من حيث أنهم لم يعودوا يصلحون لشيء سوى العبادة فإن الظاهرة الأكثر لفتا للنظر في قصة سياسيي العراق الجديد من الحجاج أن هناك فئة منهم من الشباب ومع ذلك فإنهم يجدون في مفردة «الحجي» ضمانة لهم لعاديات الزمن. فصحيح انهم أصبحوا قادة كبارا الا انهم تخلوا عن كل ما يمكن أن يحملوه من ألقاب دون أن يقول لهم أحد على «عيونكم حاجب» وفضلوا مثل سواهم من الشيوخ الكبار لقب «الحجي».