موظفون في البيت الأبيض بقوا في مكاتبهم 3 أيام وأحضروا مترجمي عربية

نقلوا ترجمة خطاب مبارك أولا بأول إلى أوباما.. وتنفسوا الصعداء حينما رحب المتظاهرون بالجيش

TT

بعض موظفين مجلس الامن الوطني في البيت الابيض لم يتركوا مكاتبهم لثلاثة ايام على التوالي وهم ينقلون للرئيس اوباما التطورات اولا بأول عن الحالة في مصر. وعندما القى الرئيس المصري حسني مبارك خطاب منتصف ليل يوم الجمعة بتوقيت القاهرة (السادسة مساء بتوقيت واشنطن)، تجمعوا في مكتب توم دونيلون، مستشار الامن الوطني. وشاهدوا مبارك على قناتي تلفزيون في نفس الوقت: «سي ان ان» و«الجزيرة». شاهدوه وهم يأكلون «بوب كورن» (فشار) اعدوه في مايكرويف من مطبخ صغير مجاور. وتذكروا ان موظفي الامن الوطني، في الماضي عندما يتوتر وضع ما، ويضطرون للبقاء في البيت الابيض، كانوا يطلبون «بيتزا» من مطاعم مجاورة للبيت الابيض، ويحضرها لهم عمال تابعون للمطاعم. لكن بعد هجوم 11 سبمتبر (ايلول) سنة 2001، فرضت اجراءات امنية تمنع عمال «البيتزا» من دخول البيت الابيض.

قبل خطاب مبارك، راهنوا على ما سيفعل. قال بعضهم ان مبارك سيكون مثل الرئيس ليندون جونسون الذي اعلن سنة 1967، بعد ان ورط القوات الأميركية في حرب فييتنام، انه لن يرشح نفسه مرة ثانية لرئاسة الجمهورية. وراهن اخرون على استقالة مبارك، وقالوا: «على الاقل، سيهدأ الشارع المصري، ويعطينا وقتا لنتوسط بين مختلف الاتجاهات السياسية».

وقبل الخطاب، احضروا مترجمين يعرفون اللغة العربية، وترجم هؤلاء ما قاله مبارك اولا باول. وحسب مجلة «نيوزويك» التي نقلت هذه التفاصيل على لسان مسؤول حضرها، وطلب عدم نشر اسمه أو وظيفته، «بعد ان انتهى خطاب مبارك، اختفى التفاؤل». لان مبارك لم يعلن استقالته، أو حتى عدم ترشيحه في الانتخابات القادمة في نهاية السنة. و«هز ناس رؤوسهم وهم لا يصدقون، وتذمر اخرون، وتشاءم غيرهم عندما قال مبارك: «المظاهرت جزء من مؤامرة اكبر لهز استقرار الدولة».

لكن، كانت اجتماعات على مستوى اعلى سبقت خطاب مبارك ليلة الجمعة. منها اجتماع ظهر يوم الجمعة ترأسه اوباما وحضره نائب الرئيس جوزيف بايدن، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون. اول ما لاحظ هؤلاء ان التطورات تواكبت باسرع مما توقعت اجهزة الاستخبارات والسفارة الأميركية في القاهرة. ووضعتهم التطورات امام طريقين ربما متناقضين: اولا: اقناع مبارك بان يلبي «رغبات المتظاهرين» (حتى اذا كان ذلك الاستقالة، والاشارة إلى ذلك بطريقة دبلوماسية). ثانيا: اقناع القادة العرب الاخرين بان الولايات المتحدة لا تجبر زعيما عربيا على الاستقالة. او، على الاقل، لا تتدخل في شؤونهم الداخلية.

في البداية قرر المجتمعون الا يتصل اوباما مع مبارك، وذلك حتى لا يستغل مبارك اي كلمة من اوباما، وتصدر رئاسة الجمهورية المصرية بيانا بان اوباما يقف إلى جانب مبارك، لا إلى جانب المتظاهرين. لهذا، ارسلت برقيات لقادة عرب اصدقاء للولايات المتحدة ليتصلوا بمبارك، ويطلبوا منه ان «يقدم تنازلات»، بدون تحديد ذلك. مع تلميح اميركي للقادة العرب بان ذلك يخدم مصالحهم هم انفسهم.

وقرر المجتمعون السير على خط تعليق قاله اوباما خلال نقاش في الانترنت قبل ذلك بيوم: «يجب ان تكون الحكومة المصرية حذرة ولا تلجأ للعنف». وانه لا د من «اصلاح، سياسي واقتصادي». وكان واضحا للمجتمعين ان مبارك لا بد انه اطلع على كلام اوباما في الانترنت. لكن، لم يقدر المجتمعون على تأكيد ان التحذير اثر على تصرفات مبارك.

في وقت لاحق، عندما امر مبارك بانزال القوات المسلحة إلى الشارع، ولم تشتبك مع المتظاهرين، بل حياها المتظاهرون، تنفس المسؤولون في البيت الابيض الصعداء. لكنهم، حتى في ذلك الوقت، لم يكونوا متأكدين اذا لم تشتبك القوات المسلحة بسبب طلب اوباما عدم اللجوء إلى العنف، أو لا.

بسبب عدم التأكد هذا، تقرر ان يتصل اوباما مع مبارك، وينقل له حرصه على وقف العنف، وخاصة، هذه المرة، من جانب القوات المسلحة، خوفا من «حمامات دماء« في مدن مصري الكبرى.

استمر الاتصال التليفوني اكثر من نصف ساعة، ونقل اوباما نفس الاراء التي كررها اوباما في وقت لاحق في خطابه في التلفزيون، تعليقا على خطاب مبارك في التلفزيون.

وزاد اوباما بقوله: «نحن ملتزمون بالعمل مع الحكومة المصرية والشعب المصري بكل قطاعاته». وكانت هذه الجملة عمدا، وحسب توصيات مجلس الامن الوطني. والهدف هو التلميح بان السفارة الأميركية في القاهرة ربما ستتصل مع الاخوان المسلمين، لاول مرة. لكن، كما قالت مجلة «نيوزويك»: «يعنى هذا ان واشنطن راهنت على ان مبارك سيتحرك كما تريد منه ان يتحرك».

وكان مسؤولون اميركيون سابقون ينتمون إلى الحزبين الديمقراطي والجمهوري، حثوا الرئيس اوباما على وقف المساعدات العسكرية والاقتصادية إلى مصر حتى يوافق الرئيس مبارك على اجراء انتخابات «حرة ونزيهة»، وفي وقت مبكر، وبعد الغاء قانون الطوارئ، وضمان حرية الصحافة والجامعات والقضاء.

وجاء في الخطاب المشترك الذي اشرف عليه روبرت كاغان، رئيس مجموعة العمل المصرية: «نحن ندفع ثمن أننا لم نحدد سياسة واضحة. وكان يجب ان نتوقع ما حدث».

واضاف الخطاب: «لا يمكن ان نكون محايدين (بين مبارك والمتظاهرين) ونحن نعطي نظام مبارك مليارا وربع المليار دولار كل سنة». وطلب الخطاب من اوباما ان يطلب من مبارك اجراء انتخابات «حرة ونزيهة». وان هذه وحدها ستضمن «توفير احتمال انتقال سلمي للسلطة إلى حكومة معترف بها شرعيا من قبل الشعب المصري».

من بين الذين وقعوا على الخطاب: المسؤول الاميركي السابق مايكل دان، من معهد «كارنيغي» في واشنطن، والمسؤول السابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق بوش الابن، اليوت ابرامز، ومدير منظمة «هيومان رايتس ووتش»، توم مالينوفسكي، ومدير معهد واشنطن للشرق الادني، روبرت ساتلوف.

واشار مراقبون في واشنطن إلى ان هذه المجموعة كانت طلبت من الرئيس اوباما، في بداية السنة، التأكد من ان انتخابات مجلس الشعب الاخيرة ستكون «حرة ونزيهة»، وطلبت التهديد بقطع المساعدات عن مصر. لكن، رفض مبارك حتى قبول مراقبين اميركيين لمراقبة الانتخابات. واشارالمراقبون إلى ان معهد «كارنيغي» في واشنطن صار مثل مركز قيادة لهذه المجموعة، ويعمل فيه ميشيل دان.