فرنسا حائرة في اتخاذ موقف واضح من التطورات في مصر.. ووزيرة تدعو لرحيل مبارك

إيطاليا تدعو الرئيس مبارك إلى تفادي استخدام القوة لقمع المتظاهرين «العزل»

الرئيس مبارك في لقطة بثها التلفزيون المصري امس بجانب نائبه عمر سليمان ورئيس الاركان الفريق سامي عنان (رويترز)
TT

تعاني الدبلوماسية الفرنسية بوضوح من صعوبة في تحديد موقف متناسق من التطورات الجارية في مصر لا بل في توفير الانسجام داخل المواقف الحكومية نفسها. ويتأرجح الموقف الفرنسي الرسمي بين خطين: احترام فرنسا لسيادة الدول ورفض التدخل في شؤونها الداخلية من جهة وحرصها على الدفاع عن عدد من القيم منها حقوق الإنسان والحريات الأساسية. غير أن باريس لا تريد أن تتهم مجددا بأنها «تأخرت» عن مواكبة التطورات ان ان هي «مالأت» النظام القائم على حساب التطلعات الشعبية والمطالب التي تدافع عنها فرنسا وتدعو إلى احترامها في كل بلدان العالم. وبكلام آخر، لا تريد باريس أن تتكرر مع مصر التجربة الفاشلة التي عاشتها مع تونس. وأمس، استفاد الرئيس نيكولا ساركوزي من حضوره القمة الأفريقية في أديس أبابا ليتناول للمرة الأولى ما يجري في مصر وتونس. وقال ساركوزي إن بلاده «تقف بكل صداقة واحترام إلى جانب التونسيين والمصريين في هذه المرحلة الفاصلة». وفيما شدد على احترام بلاده لسيادة الدول وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها «أي دون تدخل خارجي»، إلا أنه اعتبر أن هناك قيما إنسانية عالمية (الديمقراطية وحقوق الإنسان) «يتعين على كل المسؤولين السياسيين أن يأخذوها بعين الاعتبار». ووجه ساركوزي الذي ندد بالعنف من أين أتى، رسالة تحذير واضحة مفادها أنه «في عالم اليوم، لم يعد ممكنا ممارسة الحكم كما في الأمس. فإما أن يفرض هذا التغيير علينا ما يعني اللجوء إلى العنف، أو إما نسبقه ونواكبه ما يضمن حصوله دون مواجهات ودون فتح الباب أمام المغامرات كلها». وخلص إلى القول إن بلاده تتمنى «التغيير السلمي».

وتعتبر باريس أن الاستقرار في مصر ضروري لكل منطقة الشرق الأوسط وأنه ليس كما في تونس مسألة «محض داخلية» بل يهم المنطقة كلها والسلام فيها. ومنذ عقود ارتبط الرؤساء الفرنسيون أكانوا من اليمين أو اليسار، بصداقة قوية مع الرئيس حسني مبارك. وعول الرئيس ساركوزي على الرئيس المصري لإطلاق الاتحاد من أجل المتوسط صيف عام 2008 ولمشروعه الدعوة إلى قمة للسلام في الشرق الأوسط ولتغليب صوت الاعتدال. وتدفع المعارضة اليسارية وحزب الوسط الحكومة للتعبير عن مواقف «قوية» أي أقرب إلى مطالب المتظاهرين والداعين للتغيير. وتأخذ هذه الجهات على باريس «تأخرها» عن المواقف الأميركية ما حفز ساركوزي إلى التواصل مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لإصدار بيان مشترك عن مصر وزعه قصر الأليزيه ليل السبت - الأحد. واستبق البيان ما صدر عن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل أمس.

ويتضمن البيان الثلاثي الذي جاء في أربع فقرات تعبيرا عن «القلق الشديد» إزاء مسار الأحداث في مصر واعترافا بالدور«المعتدل» الذي يلعبه الرئيس مبارك «منذ سنوات طويلة» في الشرق الأوسط ويدعوه للتحلي بـ«الاعتدال نفسه» في التعاطي مع الوضع الحالي في بلاده. ويحث البيان مبارك على الامتناع عن استخدام العنف «مهما كان الثمن» ضد المدنيين غير المسلحين الذين يدعوهم لممارسة حقهم في التظاهر سلميا.

غير أن أهم ما جاء في البيان هو الطلب من الرئيس المصري تطبيق الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وعد بها «بشكل كامل وبسرعة» فضلا عن «الاحترام الكامل للحريات الديمقراطية» بما فيها حرية التعبير والتواصل والتجمع والتظاهر السلمي. وخلص البيان الثلاثي إلى وصف مطالب الشعب المصري بأنها «مشروعة» والى دعوة الرئيس مبارك إلى «بدء تنفيذ مسار التغيير» وترجمة ذلك من خلال المجيء بحكومة «ذات تمثيل واسع وإجراء انتخابات حرة وعادلة». لكن هذه المواقف «المتوازنة» خرقتها وزيرة الدولة لشؤون الشباب جانيت بوغراب المتحدرة من عائلة جزائرية مهاجرة التي كانت الوحيدة التي تدعو علنا الرئيس المصري إلى الرحيل. ولم يعرف ما إذا كانت بوغراب تعبر عن موقف «شخصي» أم لا. وقالت بوغراب: «أعتقد أنه بعد ثلاثين عاما من الحكم، ثمة تآكل «في السلطة» وأن الانتقال الديمقراطي يجب أن يطال كذلك مصر». ونددت الوزيرة الفرنسية بالعنف واستخدام القوة ضد الشباب المصري الذي يدعو إلى التغيير. وحتى يوم أمس، لم تتخذ باريس قرارا بترحيل رعاياها عن مصر. غير أن وزارة الخارجية بأفادت أنها «جاهزة» لخطوة كهذه إذا ما استدعت التطورات إجراء من هذا النوع. ودعت الوزارة المواطنين المقيمين في مصر إلى احترام «تام» لمنع التجول المقرر والى توخي الحذر وطلبت من الفرنسيين تفادي التوجه إلى مصر الا في الحالات الطارئة. ويبلغ عدد الفرنسيين المقيمين في مصر نحو عشرة آلاف شخص. وفي روما دعا وزير الخارجية الايطالي فرانكو فراتيني الرئيس المصري إلى «تفادي استخدام القوة لقمع المتظاهرين العزل» والسماح بحرية التعبير حسب ما ذكرت وسائل الاعلام الايطالية. وقال فراتيني على التلفزيون الايطالي ان «الاولوية هي لوضع حد للعنف وتفادي سقوط مزيد من الضحايا». واضاف «من الضروري احترام حرية التعبير والتواصل والحق في التظاهر سلميا. آمل في ان يعود الاستقرار سريعا إلى مصر بفضل الديمقراطية والاصلاحات». ودعت ايطاليا مبارك والحكومة الجديدة إلى «الايفاء بوعود اجراء اصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية بسرعة وفعالية لتلبية تطلعات الشعب المصري المشروعة».

واعلنت كل من الولايات المتحدة وبلجيكا واليونان وعدد اخر من الدول الغربية وبعض الدول الاسيوية، بدء خطط لاجلاء رعاياها من مصر. وسمحت الولايات المتحدة ايضا بمغادرة عائلات موظفي السفارة الأميركية والموظفين الذين لا يعتبر وجودهم ضروريا. واعلنت وزارة الخارجية اليونانية انها سترسل طائرات عسكرية يونانية إلى مصر لاجلاء رعاياها. كما قررت وكالة سفر «جيت اير» البلجيكية اجلاء زبائنها الـ1700 من مصر. وقالت شركة الخطوط الجوية الهندية «اير انديا» ان الهند أرسلت احدى طائرات الشركة إلى مصر لاجلاء الرعايا الهنود.

واستمرت عمليات إجلاء الرعايا من مصر.. وشهدت صالات السفر بمطار القاهرة زحاما غير مسبوق. وقالت المصادر «اضطر المئات من الركاب القادمين من الخارج للبقاء في صالات الوصول بمطار القاهرة وافتراش أرضها بعد تعذر خروجهم من المطار بسبب فرض حظر التجول وبدت كل الرحلات القادمة خالية من الركاب والسياح الأجانب مما يمثل ضربة حقيقية للسياحة وشركات الطيران وهو ما دفع بعض الشركات العربية والأجنبية لإلغاء رحلاتها إلى القاهرة خاصة التي لا يوجد لها رعايا يحتاجون للسفر من القاهرة.