«سوق العيش» المصري.. الطوابير تعود بعد نقص الخبز المدعم والحر

تخوف من عدم الحصول عليه

طوابير الخبز أمام أحد مخابز وسط القاهرة أمس (ا ف ب)
TT

«الجعان يحلم بسوق العيش»، هكذا يقول المثل المصري الشهير والقديم، والذي يعاود الظهور بقوة هذه الأيام في مصر مع اندلاع المظاهرات الاحتجاجية وما تبعها من أحداث متسارعة على المشهد المصري.

لكن (سوق العيش) أو الخبز، لا يلبي الآن حاجة الجوعى المصريين، فهؤلاء الجوعى والذين اتفق على أنهم هم أصحاب المظاهرات أو من قاموا بـ «ثورة الجياع»، يتسابقون هذه الأيام بحثا عن الخبز، الذي يشاركهم موالدهم بشكل رئيسي ثلاث مرات يوميا، وبداخلهم حالة من القلق والخوف من عدم الاستطاعة على الحصول عليه في المستقبل القريب، في ظل حالة شبه الشلل في الحياة العامة التي تضرب مصر حاليا.

عمرو، شاب في الـ 35 من عمره يعمل موظفا إداريا في احدى الشركات الخاصة، منذ مساء الجمعة الماضي، والذي عرف بـ «جمعة الغضب»، يشغل باله كيفية الحصول على الخبز له ولزوجته وأولاده الثلاثة، بعد أن قل الخبز بشكل ملحوظ من (سوق العيش)، يقول: «لم أذهب إلى العمل منذ أيام بعد أن منحنا صاحب الشركة إجازة حتى تستقر الأوضاع، ومع جلوسي بالمنزل أضطر للنزول ساعتين أو ثلاثا للبحث عن الخبز غير المدعم، وهي الساعات التي قد تكون في وقت حظر التجول في الشوارع، مما يجعلني أعرض حياتي للخطر من أجل كسرة خبز».

غياب الخبز ليس غريبا على المصريين، فهم اعتادوا منذ سنوات على أزمات متتالية في الحصول على الخبز المدعم أو المسعر من جانب الحكومة، والذي يباع بسعر 5 قروش، هذه الأزمات التي تترجم في مشهد اصطفاف المصريين في طوابير وصفوف طويلة أمام الأفران بشكل يومي للحصول على الخبز، كان يتخللها اشتباكات وشجارات بين المواطنين والتي كانت يتطور في أحيان كثيرة إلى القتل وإراقة الدماء.

«الخوف في أن تعود مشاهد القتل والشجار مجددا هذه الأيام، خاصة في ظل غياب الأمن من جميع أنحاء مصر، مما جعل هناك عدم سيطرة على أمور كثيرة».. يقول عمرو، لافتا إلى أن تخوفه يعود إلى مشاهد السلب والسرقة التي تشهدها الشوارع المصرية.

طرق عديدة استحدثتها الحكومة المصرية خلال الأعوم السابقة لتسهيل عملية الحصول على الخبز المدعوم - كنوع من (حقن الدماء) - منها توزيع الخبز على المحال التجارية، وقيام المواطنين بالحصول على (حصة) يومية محددة بعد أن يقوم بتسجيل اسمه لدى إدارة الحي التابع له نظير مبلغ شهري، أو يحصل المواطن على بطاقة صغيرة يقوم بإبرازها وقت حصوله على الخبز من منفذ توزيع الخبز التابع للأفران. رغم ذلك، عمرو ويشاركه الملايين، لم يتذوقوا منذ سنوات هذا الخبز المدعم، حفظا لكرامتهم وتجنبا للإهانة التي يجدونها في الطوابير الطويلة وطول الوقت الذي يتطلبه الوقوف في هذه الطوابير، إلى جانب سوء حالة هذا الخبز، والبديل المتاح أمامهم كان في الخبز غير المدعم أو الحر، والمصنوع من أنواع دقيق فاخرة، والذي يباع في الأسواق بأسعار تتراوح من 10 قروش إلى 50 قرشا. يضيف عمرو: «هذا الخبز يقتطع جزءا كبيرا من راتبي، ولكن لا يوجد أمامي غيره لأنه يجنبني الطوابير والصفوف، لكن مع المظاهرات والحالة غير المستقرة التي تعيشها مصر الآن لم يصبح هذا الخبز متوفرا هو الآخر، بسبب قلة إنتاجه المترتب على نقص الدقيق ونتيجة الإقبال الكبير عليه، مما جعل ظاهرة الطوابير تنتقل إليه».

الجعان بحسب عمرو عليه الآن «ألا يحلم بسوق العيش، أو بأي سوق آخر، وما عليه إلا أن ينتظر ويرى ما سوف تسفر عنه الأوضاع في المشهد السياسي».