المصريون.. بلا نقود

طوابير ماكينات الصراف الآلي تزاحم طوابير الخبز

سيدة مصرية تمر أمام بوابة أحد متاجر تغيير العملة بوسط القاهرة امس (أب)
TT

«المصريون بلا نقود».. صورة أخرى مضنية أفرزتها تداعيات التظاهرات التي تجتاح البلاد ودخلت يومها السابع أمس، خاصة ان غالبية المصريين أصبحوا يعتمدون على ماكينات الصراف الآلي وكروت الائتمان في صرف رواتبهم وقضاء حوائجهم وشراء مستلزماتهم المعيشية، وتبدو الصورة أكثر قتامة وتعقيدا مع استمرار إغلاق البنوك، وامتداد عمليات السلب والنهب والتخريب إلى العديد من ماكينات الصراف الآلي المنتشرة في أماكن عديدة في العاصمة القاهرة وبقية المحافظات، إضافة إلى ان منع الحكومة خدمة الانترنت عطل إمكانية السحب المالي من الحسابات البنكية الشخصية بالكروت الذكية، والتي أصبحت حافظة النقود البديلة والأكثر أمانا لقطاع كبير من المصريين.

في مول (الهايبر)، المركز التجاري الرئيسي بمحافظة 6 أكتوبر، أسئلة عديدة تناثرت من أفواه مواطنين اصطفوا في طابورين طويلين أمام ماكينة البنك الأهلي المركزي المصري لصرف رواتبهم بكروت (A.T.M)، لكن هذه الأسئلة، رغم احتدامها أحيانا وارتفاع نبرتها بهموم سياسية واجتماعية وضعتها الأحداث في صدارة المشهد، كان ضجيجها يخفت كلما نجح أحد المواطنين في الحصول على حصته من النقود، والذي حددها البنك بسقف لا يتجاوز 600 جنيه (نحو 100 دولار).. (علي حسنين) في الأربعين من العمر، موظف بوزارة الزراعة، قبل باطن يديه، ثم رفعهما متضرعا إلى السماء (يا رب استرها.. مش عايزين بيوتنا تخرب).. على المنوال نفسه ردت سيدة خمسينية تقف في آخر طابور السيدات قائلة بصوت متهدج: (يا جماعة أرجوكم كل واحد يسحب 300 جنيه فقط، علشان نلاقي كلنا فلوس، الماكينة مش بنك، والفلوس اللي بها محدودة).. اقتراح السيدة رغم بعض الاعتراضات، لاقى في النهاية إجماعا من كلا الطابورين، خاصة انه لم يبق سوى ساعتين ونصف على بدء موعد حظر التجول في الرابعة مساء وإغلاق المول.. للحظات خيم على الطابورين الصمت التام، حين أعلن شاب حل عليه الدور في الصراف أن الماكينة (هنجت) (تعطلت من كثرة الضغط عليها) ليعود الضجيج من جديد إلى الطابورين، ولم تفلح تطمينات رجال الأمن الخاص بالمول، في ضبط إيقاعهما، بينما انهمرت نصائح المصطفين وتفسيراتهم للشاب.. (حاول تاني، يمكن أخطأت في شيء)، (لا الماكينة شطبت، لم يعد بها نقود)، (لا مش صحيح.. لما بتشطب بتظهر عبارة خاصة تدل على ذلك)، (فيه حاجة غلط)، (يا عم الوضع كله غلط، أمرنا لله).

من جديد يتدخل رجال أمن المول لضبط إيقاع المشهد، بينما تهمس امرأة لأخرى (إحنا لازم نيجي بكرة بدري علشان تضمن نلاقي فلوس).. فترد عليها (مين اللي حيحط الفلوس.. البنوك قافلة!!).. وبنبرة أسى يقسم رجل أنيق المظهر لرجل آخر يبدو أنهما أصدقاء أو أقرباء (والله اضطررت لكسر حافظة نقود خاصة بابني الصغير، بعد جهد جهيد لإقناعه بذلك وإغرائه برد المبلغ مضاعفا له، وشراء أخرى أجمل منها).

في الخارج كان رجال من قوات الجيش يساعدون في تنظيم خروج ودخول المواطنين من وإلى المول، بينما يقف عدد من القناصة على سطح المبنى في وضع الاستعداد لأي أعمال سطو محتملة، خاصة بعد انتم نهب وسلب وتخريب عدد من المولات التجارية الكبرى في العاصمة المصرية، وتردد ان (الهايبر) نفسه قد تعرض لمحاولات سطو.