أميركي لا يستطيع نسيان تجربة سجنه في كوريا الشمالية

بارك: توجهت إلى كوريا لمساعدة الشعب فاحتجزوني 43 يوماً في 3 أماكن ولا أطلب من الآخرين أن يفعلوا مثلي

روبرت بارك
TT

بعد عام على إطلاق سراحه من كوريا الشمالية، لا يزال روبرت بارك غير قادر على نسيان البلد الذي قضى فيه 43 يوماً قيد الاحتجاز. ويعيش بارك، وهو مبشر مسيحي أميركي، حالياً في العاصمة الكورية الجنوبية سيول حيث يحاول التحول إلى ناشط مدافع عن حقوق الإنسان. لكن بارك يحاول أيضاً تجاوز الأمراض العقلية التي يعاني منها ويقول إنه أصيب بها خلال وجوده في كوريا الشمالية. وعلى عكس الفترة التي سبقت اعتقاله، فان بارك يتلعثم في الحديث الآن، وحاول مرات عدة الانتحار. كذلك لم يعتن بنفسه ولم يحق شعره منذ إطلاق سراحه.

وفي يوم عيد الميلاد (الكريسماس) عام 2009، كان بارك دخل الأراضي الكورية الشمالية، على أمل لفت الانتباه إلى انتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد، وهو تصرف شبهه أصدقاؤه بوضع راهب نفسه في النار. وقالت سوزان شولت، وهي ناشطة معروفة ترأس «تحالف الحرية في كوريا الشمالية»، إن ما قام به كان «نابعاً من الاحباط، ومن العجز عن جعل الناس يهتمون بأكبر أزمة إنسانية في العالم». ورغم تردده في الحديث بتفاصيل عن فترة اعتقاله، فإن بارك يقول إنه تعرض للتعذيب والانتهاكات الجنسية من قبل محتجزيه. ووصف المعاملة التي كان يتلقاها بأنها «مهينة» و«أسوأ من الوفاة». وتشتبه شلوت، في أن بارك تم إخضاعه إلى مجموعة من العقاقير جعلته يشعر بجنون العظمة وأحيانا بالغضب. ويعتقد بارك أن حياته صارت في خطر، ويقول إن العملاء الكوريين الشماليين سيقتلونه إذا تحدث بالسوء عن حكومتهم. ويقول بارك إن والديه ترجياه لو اهتم بحالته الصحية هو، وليس بحالة 23 مليون شخص في كوريا الشمالية. لكن بارك لم يستمع إليهما، ولذلك غادر مستشفى للطب النفسي في مدينة توسون الأميركية وعاد الى سيول في سبتمبر (ايلول) الماضي، حيث كان يقيم قبل دخوله إلى كوريا الشمالية. وهذا هو السبب الذي جعله يتحدث مراراً عن الكنائس ويعرض صوراً لأطفال هزيلين، وفرق إطلاق النار. وفيما يسمي ذلك بـ«الإبادة»، فإنه ينتقد واشنطن وسيول لرؤية كوريا الشمالية كبلد يهدد الأمن النووي العالمي وتتجاهلان الطريقة التي يعامل بها النظام الكوري الشمالي شعبه.

وفي أجمل حياته اليومية، يتحدث بارك عن القضايا الكورية الشمالية، فيما يقول أصدقاؤه إنه سيكون يوماً ما قادراً على الإدلاء بإفادة حول الشأن الكوري الشمالي أمام الكونغرس الأميركي. وقلص باراك تركيزه الى غاية واحدة قائلاً: «هدفي الرئيسي هو دعم الشعب الكوري الشمالي».

وعندما دخل بارك الأراضي الكورية الشمالية فإنه عرض نفسه لعدة مخاطر، وتجاهل نصائح عدة أصدقاء وخبراء حذروه من التعرض إلى إطلاق نيران. وكان أميركيون آخرون احتجزوا في كوريا الشمالية وتم استخدامهم دبلوماسياً، من قبل الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ ايل، بهدف تأمين زيارات شخصيات مهمة مثل الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون أو الحاكم السابق لولاية نيومكسيكو بيل ريتشاردسون. لكن بارك كان قال لوكالة «رويترز»، قبل أيام من عبوره الحدود: «لا أريد للرئيس باراك أوباما أن يأتي ويدفع من أجل إطلاق سراحي».

قطع بارك نهر التومن، المتجمد والواقع بين الحدود الكورية الشمالية ـ الصينية يوم 25 ديسمبر (كانون الاول) 2009. لم يكن يرتدي معطفاً، وعندما اقترب من الحدود الكورية الشمالية صرخ بأعلى صوته «إن كوريا الجنوبية وأميركا تحبانكم». ثم هشم صورة لكيم جونغ ايل. وبعدها، وفي قرية على الحدود غير بعيد عن معسكر للسجناء السياسيين تم اعتقاله.

وقال بارك إنه تم احتجازه في ثلاثة أماكن متفرقة، وإن أسوأ معاملة تلقاها كانت في المكان الأول. لكن لاحقا، يقول، إنه خضع لأطباء «حاولوا أن يجعلوني في أحسن حال قد الإمكان». ولدى سؤاله بلطف تقديم تفاصيل عن احتجازه، فان بارك يصيبه الهلع ويسعى لتحويل موضوع النقاش. ويشار إلى أن هناك منظمة إنسانية مقرها سيول كانت استجوبت نحو 100 معتقل، تطرقوا إلى تعرضهم للتعذيب الكهربائي ورفس أعضائهم التناسلية. وبعد أشهر، عانى الكثير من هؤلاء من الارق والانهيار العصبي وما يسمى بالخوف من المجتمع.

ويعتقد أن عناك عدة عوامل بينها الإحباط دفعت بارك إلى التوجه إلى كوريا الشمالية. وعند الرجوع إلى سنوات المراهقة، يتضح أن بارك كان يعاني من مشاكل في حياته وأنه كانت لديه نقوشات وكلمات على يديه مثل «الكراهية» و«القتل» وغيرهما. إلا أن هذه الأمور، لم تمنعه من كسر الحواجز بينه وبين الآخرين. ويقول: «الحواجز بيني وبين الناس بدأت تتلاشي». ثم في السنوات الثماني الأخرى التالية حتى توجهه إلى كوريا الشمالية، وصفه كثيرون ممن التقوا به بأنه كان كريماً وراغباً في مساعدة الآخرين. ويقول بارك الآن، إنه بالعودة إلى قراره اجتياز الحدود إلى كوريا الشمالية: «لا أريد للآخرين أن يفعلوا ذلك. كنت فقط أريد أن أحفز الناس على عمل شيء ما، لأن هذا المجتمع يحتاج إلى التغيير الآن».

(* خدمة (واشنطن بوست) ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»)