شعارات متباينة.. و«انتفاضة» بلا قيادة واضحة في مصر

السؤال الصعب من سيتحدث باسم المتظاهرين؟

سيدات يتم تفتيشهن قبل الدخول إلى ميدان التحرير امس(ا.ب)
TT

في مسرح «الثورة»، اي ميدان التحرير في القاهرة، برز سؤال امام المشاعر التي ألهمت المتظاهرين اذا قرر الرئيس حسني مبارك التنازل عن الحكم بعد 30 عاما من تربعه على هرم السلطة: وهو من سيتكلم باسم الناس الذين لم يكن لهم صوت طيلة السنوات الماضية؟

لقد نمت المعارضة لحكومة مبارك يوم الاثنين فقط حين ارتفع عدد المتظاهرين في ميدان التحرير المترامي الاطراف من المئات قبل الفجر إلى عشرات الآلاف في المساء. حملت امهات اطفالهن على اكتافهن مرددات شعار «الشعب يريد اسقاط النظام».

ودعا المتظاهرون إلى تجمع حاشد يوم الثلاثاء حيث يسعى المنظمون إلى زيادة الزخم بينما تترنح الحكومة. لكن لف الذعر شعورهم المتزايد بالنشوة. قال العديد من المتظاهرين ان الايام القادمة ستختبر اذا كانت الانتفاضة الشعبية ستتفوق على المعارضة المعروفة التي فشلت حتى الان في اللحاق بالركب.

«هذا ما يقلقني»، يقول جاسر عبد الرازق، ناشط حقوقي انضم للجموع المنتشية التي تضم رجالا ونساء ومتدينين وعلمانيين واغنياء وفقراء، وأهم فئة وهي الشباب والمحرومين. «الى اين ستصل؟ وكيف يمكن ايجاد قيادة تمثلهم جميعا دون تقسيمهم»؟

تمثل تساؤلاته تحدي اللحظة ليس فقط لمصر بل للعالم العربي. الوضع أكثر صعوبة في مصر، حيث طالب معظم المتظاهرين بما هو ليس اقل من انهاء الوضع الراهن. خلال اليومين الماضيين برزت جماعة الاخوان المسلمين في المظاهرات لكن حضورها يثير الجدل اكثر من التوحيد. يثير ظهور محمد البرادعي، المعارض للحكم والحائز جائزة نوبل الذي تجمع عليه معارضة فضفاضة ومنحازة، الاستياء مقارنة الدعم الذي يجده لدى اطراف. قال بعض المحتجين انهم ليسوا بحاجة لقيادة لانتفاضة قامت ضد النظام القديم. وتساءل اخرون اذا استطاع احد التعبير عن احباط جيل، كما تسارعت الاحداث ليلة الثلاثاء، سيكون اقرب من اي وقت مضى لاجبار مبارك على الرحيل. «نحن لا نريد البرادعي أو الاخوان المسلمين ولا نريد الحزب الحاكم ايضا»، يؤكد المتظاهر محمد ناجي، 30 عاما، «تشعر ان كل شخص يسير وحده ويعبر عن نفسه لانه لا يوجد من يمثلنا».

قال ناجي باختصار «لا نريد ما هو موجود». في الجو الاحتفالي في ميدان التحرير يتحدث المتظاهرون عن تفوق المظاهرات في صورة تعكس مشاعر منتشرة.

لكن كان اكثر تعبير واقعي هو التحول الذي احدثته المظاهرات التي انطلقت قبل اسبوع في الشعب الذي طالما تمت معاملته كأشياء وليس مواطنين من قبل دولة كانت تنظر للانتخابات كتمرين معد مسبقا لتثبيت الحكم.

لمواجهة عمليات السلب والنهب والحرق المتعمد شكلت مجموعة من اللجان في الاحياء تضم رجالا مسلحين بكل شيء بضمنها سياط الخيل وخراطيم المياه. بالرغم من التنسيق مع الجيش تمكنت اللجان نفسها من تأمين الاحياء في ظل الانهيار التام لسلطة الشرطة يوم السبت. يقول المحامي محمد مقبول المتواجد في ميدان التحرير «لقد عملت اللجان الشعبية على حمايتنا اكثر من الشرطة... انهم يحمون شوارعنا على مدار الساعة».

في الميدان المفتوح انعكس الاحساس بالقوة في منطقة وسط البلد حيث يوزع المتطوعون رقائق البسكويت والشاي والكعك مجانا. انتشر الشباب في الشوارع ونظموا نقاط أمن وتعريف بالهوية وتفتيش فيما يبدو كتعبئة شعبية يجب على اي حكومة انتقالية الاعتراف بها وشكرها.

تقول مخرجة الافلام سلمى الترزي، 33 عاما «لأول مرة يشعر الناس بالانتماء إلى هذا المكان».

لقد اقضت المظاهرات مضاجع الكثير في مدينة عاشت في سبات بعد احداث جسام عاشها الجيل السابق - مثل تأميم قناة السويس والحروب مع اسرائيل والسلام غير المؤكد. وأثارت اعصاب العديدين الذين يصفون هذه المظاهرات بالبلبلة والفوضى.

«نحن بحاجة للصبر» صرخ المحامي عاطف عمار خلال جدل دار بينه وبين متظاهرين. «ان نتيجة الديمقراطية التي جلبتموها لنا هي البلطجة والسلب».

«انت مع النظام». رد احد المتظاهرين متهما. «لم لا ننتظر» رد عليه المحامي، «لا نريد ان تنهار الدولة».

بدأ رجال بالصراخ عليه ودفعه. صرخ مصطفى علي، احد المتظاهرين «على النظام كله ان يرحل، ليس مبارك فقط».

في الحقيقة ذابت المعارضة وكل ممثلي المجتمع المدني في المظاهرات، لقد سعى المنظمون الشباب لدفع الاحتجاجات إلى الامام وانضموا إلى المعارضين المخضرمين الذين يأملون بالتفاوض مع الحكومة لكن يعترف العديد منهم ان تأثيرهم على جموع المتظاهرين متواضع.

يقول سراج الدين ابو رواش وهو احد المتظاهرين «اشعر ان البرادعي ليس مصريا، لقد عاش طوال حياته خارج البلاد ويحاول الان ركوب المظاهرات».

* خدمة «واشنطن بوست» - خاص بـ«الشرق الأوسط»