السويس: أبناء المقاومة.. نموذج لجيل مصري محبط انتفض بحثا عن التغيير

ضحية لاضطرابات منطقة الشرق الأوسط وتعثر مشروعاتها الاستثمارية

TT

في الاحتجاجات التي تشهدها مصر حاليا، سقط في مدينة السويس الواقعة على بعد نحو مائة كيلو متر شرق القاهرة، أكبر عدد من القتلى والجرحى مقارنة بعدد سكانها البالغ عددهم نحو نصف مليون نسمة. ومع تفجر مصادمات المتظاهرين مع قوات الأمن منذ يوم الثلاثاء الماضي، تردد اسم السويس في عواصم الدنيا كثيراً، لخشية المراقبين الدوليين من تأثير الأحداث في مصر على حركة الملاحة في قناة السويس، التي تعد أحد شرايين الطاقة والتجارة في العالم.

ويبدو أن المدينة وقعت ضحية لاضطرابات منقطة الشرق الأوسط وتعثر المشروعات الاستثمارية، ليصبح أبناؤها الذين اشتهر آباؤهم بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي نموذجا لجيل مصري محبط انتفض بحثاً عن التغيير، ويبدو أيضاً أن قياديين في المدينة ممن أطلقوا المظاهرات منذ نحو أسبوع لم يتوصلوا حتى أمس إلى كيفية للتصرف لاستعادة الهدوء في السويس وهم يراقبون المواقف المتباينة لقياداتهم التي كانت مجتمعة أمس في العاصمة، لأن كلا منهم ينظر إلى العرض الذي قدمه نائب رئيس الدولة اللواء عمر سليمان بطريقة مختلفة.

يقول عضو البرلمان المصري عن حزب التجمع المعارض بمدينة السويس عبد الحميد كمال عن مطالب الإصلاح التي يرفعها مئات آلاف المتظاهرين في عموم البلاد: «مطالبنا الإصلاح الدستوري والديمقراطي ومواجهة الفساد ومحاكمة الفاسدين والمحتكرين». لكن لماذا كانت السويس الأكثر عنفا في الاحتجاجات.

يوضح كمال: «نعم.. السويس شهدت أسخن وأكثر عدد للقتلى والمصابين على مستوى الجمهورية»، مشيرا إلى أن هذه المدينة التي ذكرها عدد من الرؤساء المصريين في خطبهم كدليل على قدرة أبنائها على الصمود في الحروب المصرية مع إسرائيل، تعاني من كثرة عدد العاطلين، بالتزامن مع منح الدولة لامتيازات غير مسبوقة لرجال الأعمال الكبار في البلاد من الاسماء المعروفة في الحزب الحاكم، كما أنها كانت المدينة التي وقع عليها اختيار الحكومة التجارية لتجربة خصخصخة عدد من الخدمات الحيوية في البلاد، على رأسها الخدمات الصحية.

وقد نشأت مدينة السويس في أواخر القرن قبل الماضي، وهي من أقدم المدن الثلاث التي ظهرت عقب حفر قناة السويس منذ عام 1886 تقريباً، لكن المدينة اكتسبت شهرتها أيضاً من استبسال أبنائها في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 في حين وصفها الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر بقوله «إن شعب السويس عظيم ومقاوم»، بينما ذكرهم الرئيس الراحل أنور السادات في حرب تحرير سيناء 1973 قائلاً: «إن السويس خرجت ليس للدفاع عن نفسها فقط بل عن مصر والوطن العربي».

وتوفي غالبية جيل المقاومة في السويس الذين اشتهروا بترديد أغاني محمد حمام من كلمات عبد الرحمن الأبنودي «يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي، أستشهد تحتك وتعيشي إنتي» ولم يتبق من ذكرى جيل المقاومة غير أبنائهم وأحفادهم وظلت السويس ـ حسب تقارير رسمية: «تعاني لعقود من العشوائية أو القمامة والإهمال».

ويكمل كمال: «كنا نتحدث لمحافظ السويس الذي لم يتغير منذ 11 عاما، لكنه لم يستجب ولم يصبح لديه جديد»، في وقت كان فيه الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في ضاحية الأربعين بالسويس أيام العدوان الإسرائيلي وخطيب مسجد الشهداء بوسط المدينة يعدد مظالم أهالي السويس من قلة فرص العمل والإحباط.

ويستطرد عضو البرلمان المصري قائلاً: «عدد سكان السويس 600 ألف مواطن، لكن مشروع تنمية شمال غرب خليج السويس كان يسير ببطء شديد رغم أن الدولة أنفقت عليه 8 مليارات جنيه لتوفير ربع مليون فرصة عمل لأبناء السويس أو المحافظات الأخرى، وعلى هذا حصل رجال الأعمال على امتيازات واعفاءات كبيرة، لكن نسبة إشغال المشروع لم تزد عن 3%، ولم يتحقق من فرص العمل الموعودة إلا 7 آلاف فرصة عمل».

ومنذ 12 عاماً كان من المفترض الإنتهاء من إنجاز العديد من المشروعات منها مطار العين السخنة (لتشغيل 7 آلاف مواطن)، ومستشفى السويس الجديد (رصدت له الحكومة 50 مليون جنيه ولم ينفذ)، ومستشفى السرطان (خصصن له الحكومة مليوني جنيه ولم ينفذ) ومستشفى لعلاج السرطان (خصصت له الحكومة 8 ملايين جنيه ولم ينفذ).

وزاد من مصاعب الحياة لأبناء السويس الذين كان غالبيتهم يعمل في الصيد، تلوث مياه القناة بفعل مرور السفن الضخمة العابرة بين البحرين الأحمر والمتوسط، وصعوبة الصيد في أعالي البحار. ويوضح عبد الحميد كمال: «نعم.. هربت سفن الصيد المحلي إلى أعالي البحار، فوقعت في مشاكل مع الدول المجاورة».

ويوجد للحزب الحاكم ولأحزاب المعارضة عدة فروع في السويس، كما يوجد فيها حضور لافت لجماعة الإخوان المسلمين، التي تأسست أصلاً في مدينة الإسماعيلية المجاورة عام 1928، إضافة إلى تيارات دينية سلفية أخرى منها جماعة «التبليغ والدعوة» و«التيار السلفي» إضافة إلى «الجمعية الوطنية للتغيير» التي كونها الدكتور محمد البرادعي.

ويتكدس نحو 52% من سكان السويس الفقراء في ضاحية الأربعين التي خرجت منها المظاهرات الأعنف في بدايتها الأسبوع الماضي، ويقول تقرير لمركز المعلومات لمجلس الوزراء إن مدينة السويس هي رقم 5 في الفساد على مستوى الجمهورية، مشيرا إلى أن حجم الفساد في المحليات في عموم البلاد, وصل إلى 4.5 مليار جنيه.