مواطن مصري: لم نشارك في المظاهرات من أجل أن نحمي «بيوتنا»

القاهرة «الساهرة».. لا تزال ساهرة ولكن لأسباب أخرى

مواطن مصري يمد يده بورود وازهار إلى جندي فوق دبابة امس ( إ. ب. أ)
TT

تغير المشهد القاهري لدرجة لم تخطر على قلب ساكنيها من قبل، وصارت المدينة التي عرفت انها «الساهرة»، لا يغمض لها جفن حقا.. ولكن لأسباب بعيدة كل البعد عن ما عرف عنها سابقا، من أنها ساهرة بأنسها وترفيهها، لتصير ساهرة بقلقها وغضبها الذي ينهش قلوب أبنائها جميعا.

فأمام هجمات المخربين ومنتهزي الفرص ممن يستغلون رحم الاحداث لنهب وهتك عرض الوطن، بات المصريون يقسمون أوقاتهم ما بين الاحتجاج والتظاهر من أجل التغيير صباحا، وتأمين الشوارع والأحياء ليلا، وصار شعار المصريون الموحد هو «حافظوا على مصر».

يقول أحد الشباب المتظاهرين بميدان التحرير ويدعى احمد حسن «28 عاما»: «أنا لم أنم منذ أربعة أيام، ما زلت مطالبنا قائمة، نتظاهر ما قبل حظر التجوال وننام ساعتين ثم نقسم أنفسنا إلى مجموعات تتغير كل 4 – 6 ساعات لحماية أنفسنا، وترتيب أفكارنا ومهامنا لليوم التالي، خاصة أننا ندرك أن معركتنا معركة النفس الطويل».

افصحت الأزمة عن وجه جديد لم يظهر من قبل للشباب، الذي ظن المصريون أنهم لا يفقهون في شيء ذي بال، ويعبر عن ذلك عمر الهواري «55 عاما» بقوله: «كمنت احسب أبنائي شباب مدلل صغير السن بحكم مستوى المعيشة المرتفع الذي يعيشونه.. وحينما كنت أفكر فيما تعرضت بلادنا لا قدر الله إلى أي عدوان خارجي، هل يصلح هؤلاء الصغار لحمل السلاح والانخراط في صفوف الجيش؟؟ ولكن الإجابة جاءت أشجع وأفضل مما أتوقع».

من جانبه، يقول محمد علي «33 عاما» باكيا: «لم نقم بالمظاهرات حتى يسرق أهلنا ويتم الاعتداء عليهم.. فمطالبنا كانت لتأمين مستقبل أفضل، وكلنا اليوم فداء لهذا البلد، ولقد قتل منا البعض على يد البلطجية والخارجين على القانون بأسلحة مسروقة من مقار الشرطة التي احترقت عن بكرة أبيها، ونحن نحسبهم شهداء عند الله.. ومع ذلك نحن مستمرون في حماية أنفسنا وحماية منشآت بلادنا».

أما مسعد حسن «34 عاما» فيؤكد متألما انه لم يشارك بالمظاهرات صباح اليوم، ويرجع الأسباب إلى أن «السهر طول الليل منعني من مشاركة أصدقائي المتظاهرين، لا أعرف كيف يمكن أن نناضل على كل الجبهات في نفس الوقت.. فلو واصلنا الاستيقاظ ليلا ونهارا فسنسقط تباعا ونصبح عرضة لهجمات البلطجية من جهة، او الفشل في الضغط على النظام من جهة أخرى».

المشهد الليلي صار متشابه بين مختلف الشوارع والأحياء، رجال يقفون في نقاط حراسة على أطراف الشوارع، وأماكن تجمع بطول الشوارع، يجتمع فيها البعض متابعين القنوات الإخبارية على مدار الليلة من تلفزيونات وأطباق فضائية أحضروها من منازلهم ووضعوها على طاولات بمنتصف الطريق، في ترقب لأي خبر يهدئ من قلقهم على مستقبل مصر.

النساء لم يتركن رجال مصر وحدهن في مواجهة هذا الوضع المتردي.. ولم تكتفين بالصلوات والدعاء، وإنما نزلن إلى الشوارع، ليس فقط للتظاهر، بل هن أيضا لتوفير المأكل والمشرب لرجال الحي الساهرين على أمنه طوال الليل.

فتقول عبير الجارحي: «نقوم باعداد السندويتشات وترامس الشاي والقهوة وتأمين الملابس الثقيلة لأخواننا وازواجنا وآبائنا في كل شارع. فالليالي العصيبة التي نعيشها لم تجعل لأحد من فرصة في جفن يغفل أو نوم مستقر.. والتأمين الآن لم يعد مقتصرا على الليل، وإنما امتد على مدار الساعة، فمعظم الرجال أصبحوا من المتعطلين في ظل حالة الشلل التي تعيشها البلد».

وتشير هبة عادل إلى ان السيدات أيضا أصبحن «ناصورجية» ( ما يشبه قوات الاستطلاع) في شرفات المنازل، قائلة: «السيدات اللاتي يقطن في الأدوار العليا من العمارات بات عليهن أيضا ورديات عمل لتأمين بداية الشارع ونهايته، حيث نقوم إذا ما رأينا أي وافد غريب بإطلاق صافرات للإنذار».

ولم يقتصر سلاح الإشارة الشعبي على ذلك، حيث تقول سارة نبيل، ربة منزل: «هناك رجل مرابط في سيارته بكل شارع، فإذا استشعر خطرا ما أطلق نفير التنبيه بلا انقطاع ليلفت أنظار الرجال المرابطين بالشوارع».

الشرائط الملونة على الأذرع صارت نوعا آخر من الإشارات، فلكل شارع لونه الخاص لمعرفة «العدو من الحبيب» كما يقول سيف عبد الله «16 عاما»: «في أول يوم فوجئ والدي ومن معه من الرجال بوجود مجموعة أخرى من الرجال تحمل الشوم والعصي وتتجه نحوهم، في لحظة لم يدرك والدي والجيران ما اذا كانوا معهم من شوارع أخرى جانبية أم هم مجموعة من البلطجية، وبالفعل حدث اشتباك بين المجموعتين لسوء الفهم، وكاد الأمر يتحول إلى مجزرة، ومن ذلك الوقت اقترحت على والدي فكرة الشارة المميزة، ونجحت في حقن الدماء».

القلق الذي عم على المشهد اليومي القاهري، يمتد لأسباب كثيرة، وليس آخرها ما تعبر عنه سعاد طاهر «45 عاما» قائلة: «مخزون الأطعمة في البيت بدأ في النفاذ، ومحلات البقالة والجزارة والمخابز لا يصلها واردات بشكل جيد نظرا لحظر التجوال ولتوقف بعض المصانع عن العمل ولعدم وجود منافذ لوقود السيارات»، أما أكبر مخاوف سعاد وأقسى كوابيسها فهو كما تقول: «نحن في آخر الشهر، ولم نصرف رواتبنا، لو تأخر صرف الرواتب ولم يعد معنا ما نشتري به طعام، فأخشى أن نتحول من مدافعين شرفاء عن أنفسنا إلى لصوص بدورنا من أجل أن نأكل نحن وأولادنا.. أرجو ممن بيدهم أمر هذا البلد أن يراعوا مصالح أبنائه لو كان لديهم بقية من ضمير حي»!!