الافتراق السياسي بين الحريري وجنبلاط يزيد التباعد بين الزعيمين

«المستقبل» يشترط عودة العلاقة بتبني المحكمة و«الاشتراكي» يتمسك بالانعطافة التاريخية

TT

يبدو أن الافتراق السياسي بين الحليفين السابقين رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، ورئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» النائب وليد جنبلاط، آخذ إلى مزيد من التباعد في ظل الانقلاب الجنبلاطي الأخير على التحالف الإستراتيجي، وإعلان الزعيم الدرزي انتقاله إلى جانب سورية والمقاومة عبر التصويت لصالح هذا التحالف الذي بدل الأكثرية النيابية في لبنان، وأفضى إلى تكليف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، واستتباعه بكلام لرئيس الاشتراكي انتقد فيه «عدم تعلم الحريري من الجغرافيا السياسية». وفي وقت يؤكد تيار «المستقبل» أن عودة العلاقة إلى سابق عهدها مرهونة بعودة جنبلاط إلى الخيارات الاستراتيجية التي كانت تجمعهما وفي مقدمها المحكمة الدولية، في حين يرى الحزب الإشتراكي أن الافتراق السياسي وقع بالفعل، وإن مواقف جنبلاط الأخيرة هي انعطافة تاريخية حتمتها مقتضيات الحفاظ على السلم الأهلي ووضع حدّ للاحتقان المذهبي. فقد اعتبر عضو المكتب السياسي في تيار «المستقبل» راشد فايد، أن «الإصطفاف السياسي الجديد للنائب وليد جنبلاط وتموضعه في صفوف 8 آذار (مارس)، يخالف كل مواقفه التي اتخذها منذ عام 2005 وحتى ما قبل هذا التاريخ»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أن «تيار المستقبل منفتح على كل تعاون مع الحزب الاشتراكي، لكن هذا التعاون يجب أن يبنى على استراتيجية سياسية في الوقت الحاضر، تنطلق بالحد الأدنى من ضرورة تحقيق العدالة، لكن من الواضح أن جنبلاط اختار الافتراق بهذا الموضوع الأساسي»، وقال «إن موضوع العدالة هو من المسلمات الأساسية لنا (المستقبل) ولكل 14 آذار، أما جنبلاط فهو حر في استنتاجاته وخياراته»، وحول العتب الجنبلاطي على «المستقبل» من مسألة استخدام عبارات الخيانة والانقلاب على المبادئ، أعلن فايد أن «أي كلام تخويني لم يصدر عن تيار المستقبل، لكن هناك وقائع تفيد أن وليد جنبلاط كان يشدد دائما على متانة علاقته مع الرئيس سعد الحريري وليس مع 14 آذار، وفجأة انقلب على هذا الأمر ورأينا كيف حصل تفتت كتلة اللقاء الديمقراطي (النيابية) التي كان يرأسها، بحيث آثر ستة نواب الوقوف مع الحريري، والخيار بالنتيجة متروك للناس ليقرروا من اتخذ الموقف الصحيح»، وعن كلام النائب جنبلاط الأخير الذي تحدث فيه عن عدم تعلم الحريري من الجغرافيا السياسية، قال فايد «إذا كان النائب جنبلاط يرى أن الجغرافيا السياسية تقتضي عودة الوصاية السورية إلى لبنان نحن لا نوافقه هذا الرأي، نحن لسنا ضد عودة العلاقة الممتازة مع سورية وأن تكون علاقة متكافئة بين دولتين، لكن في نفس الوقت لسنا مع إعادة الوصاية، نتفهم المصالح الإستراتيجية لسورية، لكن هناك أيضا مصالح استراتيجية للبنان تنطلق من حقنا في السيادة على أرضنا وعلى مواطنينا فهذا لا يتحقق الا عندما تحتكر الدولة السلطة والسلاح، فهل نسمع بوجود مخيمات مسلحة في سورية؟ ولماذا لا يسمح لنا أن نقلد سورية في هذا الأمر؟». وردا على سؤال عن إمكانية إعادة العلاقة والتواصل بين الرئيس الحريري والنائب جنبلاط في المدى القريب، أوضح أنه «في السياسية لا شيء مستحيل، فباب الرئيس الحريري مفتوح دائما لكل من يرغب في لقائه، ويمكن في لحظة ما أن يغير وليد جنبلاط رأيه، والأمور مرهونة بأوقاتها»، وعمّا إذا كان تيار «المستقبل» قادر على إقناع جمهوره الغاضب من إقصاء زعيمه عن السلطة في حال تقرر إعادة المياه إلى مجاريها بين الحريري وجنبلاط، أوضح فايد أن «كل لحظة سياسية تقتضي أن توضح للجمهور ما يحصل، لكن ثمة فرقا بين تعاون سياسي ناشئ عن لحظة سياسية وبين تعاون استراتيجي يلتقي على عناوين كبيرة، وإذا أراد جنبلاط أن يغير في إتجاهنا في مرحلة مقبلة أهلا وسهلا به».

في المقابل اعترف مفوض الإعلام في الحزب «التقدمي الاشتراكي» رامي الريس، بحصول افتراق بين الحزب وتيار «المستقبل» في الآونة الأخيرة، بفعل القراءة المتباينة للأحداث والتعاطي معها، وخلفية دور وليد جنبلاط في مرحلة حساسة بعد فشل المسعى السعودي ــ السوري والمسعى التركي ــ القطري، وبعد الإجتماع الذي جمع جنبلاط والرئيس الحريري في كليمنصو وما أبلغه الأخير بشأن موافقته على التسوية قبل أن يتوجه وليد بك إلى دمشق».

وأكد الرئيس لـ«الشرق الأوسط»، أن «افتراقا سياسيا حصل بالفعل بين الرجلين، والمسألة ليست شخصية ويجب عدم شخصنة هذا الإفتراق عبر الردّ بعبارات الخيانة»، وقال «القصة ليست مشاعر وعواطف شخصية، لأن المواقف التي تتخذ في اللحظات الحرجة تتطلب قراءة موضوعية، والكل يعلم، خصوصا الرئيس الحريري أن وليد جنبلاط بقي حتى اللحظة الأخيرة يبذل جهوده كي لا تنهار التسوية السعودية السورية، لكن بعد أن أقفلت جميع الأبواب، وأمام منعطف تاريخي كبير إتخذ الموقف الحاسم». أضاف «إن ما قمنا به أدى إلى تنفيس الاحتقان المذهبي، وأعاد الإعتبار إلى اللعبة الديمقراطية، وهذه اللعبة تأخذ اليوم مجراها، في حين أن تيار «المستقبل» لم يقيّم دقّة المرحلة ولم يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب».

وردا على سؤال عمّا إذا كانت العلاقة بين الفريقين وتحديدا بين الزعيمين، أصبحت من الماضي، خصوصا بعد كلام جنبلاط الأخير الذي إعتبر فيه أن سعد الحريري لم يتعلّم من دروس الجغرافيا السياسية، قال الريس «إن ما يتحكّم بالعلاقة السياسية هي المواقف التي يتخذها كل طرف، لكن لا أحد يقول إن العلاقة ذاهبة إلى قطيعة دائمة، الآن نمرّ بمراجعة متبادلة بين الطرفين، لكن ولا مرّة إدعى «المستقبل» أو «الحزب الاشتراكي» بوجود تطابق تام في الأفكار، هناك تباين وقراءات مختلفة للتطورات الحاصلة، وكلام وليد بك عن الجغرافيا السياسية يأتي من باب النصح، والتاريخ يقول إنه لا مناص من علاقات جيدة بين لبنان وسورية، وكل ما هو خلاف ذلك سيؤدي إلى فشل ذريع، وبقدر ما يدرك تيار «المستقبل» هذه الوقائع بقدر ما يتجنب الإحراج».

وردا على سؤال عمّا إذا كان موقف جنبلاط الأخير يؤدي إلى محاصرة الرئيس سعد الحريري، أوضح أن الرئيس «زعامة الرئيس الحريري ليس معيارها وجوده في السلطة أو عدمها، فلا أحد يمكنه أن ينكر هذه الزعامة، ولكن عليه (الحريري) أن يؤمن بتداول السلطة وفق المعيار الديمقراطي»، وحول ما إذا كان جنبلاط قادر على إقناع قاعدته الشعبية بتحولاته السريعة قال الريس »الناس تلاحظ أن مواقف وليد جنبلاط تصب في إطار تمتين السلم الأهلي، بدءا من حادثة مقتل الزيادين (الشابين زياد قبلان وزياد غندور) مرورا بأحداث السابع من أيار (مايو 2008) وصولا إلى موقفه الأخير، وحتى لو خسرنا بعض الرصيد السياسي، فإننا لا نزال مستعدين للقيام بمزيد من الخطوات في سبيل الحفاظ على السلم الأهلي، وأعتقد أن القاعدة الشعبية ستستوعب هذه الأمور شيئا فشيئا».