بعد الفيضانات.. الإعصار «يازي» يزيد من نكبة كوينزلاند الأسترالية

الآلاف يغادرون منازلهم بحثا عن ملاجئ وسرعة الرياح تربك عمليات الإجلاء

استراليون يلجأون إلى مركز تسوق في مدينة كيرنز، تحسبا للإعصار أمس (ا.ب)
TT

في أقل من شهر تواجه ولاية كوينزلاند الأسترالية التي يصل عدد سكانها إلى نحو أربعة ملايين نسمة، ثاني كارثة طبيعية. هذا الحظ السيئ، الذي لم يبارح الولاية التي ما زالت منكوبة، بسبب الفيضانات التي ضربت عاصمتها بريسبن، جعلها منذ صباح أمس، في حالة تأهب قصوى لمواجهة الإعصار «يازي» الذي يتوقع أن يصل إلى الدرجة الخامسة، وهي تماما ذات درجة إعصار كاترينا الذي ضرب الولايات المتحدة قبل سنوات. كوينزلاند، وهي واحدة من ست ولايات تتكون منها القارة الأسترالية، تعد من الولايات المهمة، حيث أنها تحوي العديد من مناجم الفحم والذهب، كما تعد مصدرا أساسيا للسكر إلى كافة أنحاء العالم. وهي وجهة سياحية مهمة جدا على مستوى القارة. كذلك، فإن ميناء بريسبن يعتبر من أكبر موانئ أستراليا، ونسبة النمو السكاني فيها ترتفع بشكل كبير، نسبة إلى الإقبال الكبير من جانب المهاجرين إلى أستراليا للإقامة فيها، حيث يصلها أسبوعيا نحو 1500 مهاجر يقطنون ويعملون فيها، ولذلك فهي من أكبر الولايات الأسترالية. ويعتبر طقس كوينزلاند الاستوائي من أكبر عوامل الجذب لهؤلاء، حيث أنه يتمتع بالدفء والرطوبة في كافة أيام السنة، وفيها أيضا أحد أكبر الحواجز المرجانية في العالم. كما أن فيها أشهر شواطئ أستراليا غولد كوست الذي يقع على الحاجز المرجاني العظيم.

الولاية التي غطت أرضها الفيضانات وكبدتها خسائر مادية وبشرية هائلة قبل أقل من شهر، تواجه الآن تهديدا بكارثة طبيعية ثانية. فبينما ضربت الفيضانات، مدينة بريسبن ومحيطها، فإن الإعصار يازي القادم من المحيط الهادئ، قد يضرب صباح اليوم الخميس كل ساحل الولاية لمسافة تغطي نحو 600 كيلومتر تمتد من إينيسفيل وكيرنز شمالا إلى تاونسفيلد وماكي وبروسيدبين جنوبا. وهي منطقة يسكنها على الأقل مليونا شخص، كان يتوقع أن يتعرضوا جميعهم، ليل أمس إلى عاصفة لم يشهدوا مثيلا لها من قبل، إذ سبق أن عاش سكان المنطقة الإعصار «لاري» الذي كان من الدرجة الثالثة في عام 2006 حيث دمر عشرة آلاف منزل وتسبب في خسائر مادية وصلت إلى نحو مليار دولار، في حين أن الإعصار الجديد تصل سرعة رياحه إلى 300 كيلومتر في الساعة ويتوقع أن يخلف كارثة كبرى للولاية التي لم تستفق بعد من كارثة الفيضانات. لكن الإعصار، وبحسب توقعات الأرصاد، سيكون مركزا في مدينة كيرنز التي يسكنها نحو مائة ألف نسمة لم يغادر جميعهم المدينة. لكن تسعة وعشرين ألفا منهم أجبروا على المغادرة بسبب قرب بيوتهم من الشواطئ، وتم إخلاء المستشفيات كافة من كل المرضى، حيث يتوقع أن تكون المدينة الأكثر تضررا من الإعصار التي ستصل عينه تماما إليها.

وفي عام 2006 دمر الإعصار «لاري» عدة قرى بالكامل كما دمر أجزاء كبيرة من بعض المدن. وهي حتى وإن تم بناؤها منذ ذلك الوقت إلى الآن، فإن التوقعات هذه المرة تبدو مخيفة. وقال عمدة قرية إينيسفيل بيل شانون في هذه الصدد: «لن يمكننا هذه المرة بناء ما سيتهدم بسرعة، فما ننتظره لم يشهده أي مكان في العالم». وأضاف أن السكان «تعودوا غضب الطبيعة في هذه المنطقة لكنها هذه المرة تغضب بشكل غير مسبوق».

ومنذ الساعات الأولى ليوم أمس، وصلت سرعة الرياح إلى 100 كيلومتر في الساعة، وهي درجة لا يمكن لأحد أن يقف بوجهها أو يواجهها، وقد عطلت سرعة الرياح عمليات إجلاء السكان التي كانت تتم بالطائرات المروحية في كثير من المناطق. وفي إينيسفيل التي يقطنها 8000 شخص بقي نحو 800 شخص، لم يغادروا بسبب توقف حركة الملاحة الجوية وعدم قدرة المروحيات إلى الوصول إلى القرية، وهم في غالبيتهم يحتمون بالقاعة الرئيسية في القرية وكذلك في بعض المباني المشيدة بالحجر والتي يتوقعون أنها ستصمد أمام قوة الإعصار. وفي قرية وانغا شمال كيرنز بدأ السكان منذ الصباح الباكر بالتوجه إلى المباني الكبيرة التي تحوي الملاجئ ولم يغادر معظمهم القرية للسبب نفسه. والحال كذلك في عدد آخر من القرى، الأمر الذي يعني أن هؤلاء يواجهون «وضعا مأساويا»، حسبما قالت رئيسة وزراء الولاية آن بليغ. بليغ التي تعيش أسوأ أحداث تعيشها الولاية، وقفت طوال ساعات نهار أمس، أمام شاشات التلفزيون المحلية بالبث المباشر، وبأسلوب سهل وإدارة جيدة للأزمة وطريقة بالشرح تحسد عليها هذه السيدة، كانت ترشد السكان بنفسها على الطرق، التي يمكنهم أن يتخذوها، للاحتماء من الرياح العاتية، التي ستضرب بيوتهم وقراهم ومدنهم كلها. كما أنها رفعت حال التأهب في الولاية إلى الدرجة القصوى، وأبلغت، عوضا عن الإسهاب في شرحها للإرشادات، عن الإجراءات الخاصة التي ستتبع أثناء وجود الإعصار، مثل إغلاق كافة المدارس الواقعة على ساحل الولاية وقطع الكهرباء وخدمات خطوط الهاتف وإغلاق المطارات أمام كافة الرحلات الجوية والطرق البريدية. ونصحت الجميع بعدم المغامرة والسفر برا للهرب من الكارثة، كما قالت إن الخدمات الطبية والمستشفيات كافة ستكون مغلقة ووضعت أرقاما خاصة لحالات الطوارئ. ووجهت أكثر من مرة نصيحة بعدم لجوء الناس إلى الطوابق السفلية، حيث من المتوقع أن يجلب الإعصار معه أمطارا غزيرة قد تحدث فيضانات جديدة، عوضا عن توقعات مماثلة بحركة مد بحرية قد تغرق المنازل التي تقع على الساحل مباشرة أو تلك القريبة منه، والمعروف أن معظم القرى في المنطقة وكذلك المدن تقع على الساحل مباشرة.