جدل بين البوسنيين حول منح جاك شيراك «الجنسية الفخرية»

مجلس سراييفو أراد تكريمه لجهوده في إدماج البوسنة بأوروبا.. وسكان يتحدثون عمن «هم أحق منه»

جاك شيراك
TT

أثار منح مجلس مدينة سراييفو، الذي يضم يساريين قدامى، وممثلين لعدد من الأحزاب، وبأغلبية 21 من أصل 22 عضواً، في المجلس، الرئيس الفرنسي السابق، جارك شيراك، أول من أمس، الجنسية الفخرية، ردود أفعال غاضبة في الشارع الإعلامي والسياسي والشعبي في البوسنة، لاسيما سراييفو نفسها.

وفيما برر أحد أعضاء مجلس سراييفو، المؤيدين لمنح شيراك الجنسية البوسنية، دراغن فيلوبوفيتش، بأنه «اعتراف بالجميل لموقف شيراك المشجع لإدماج البوسنة في الاتحاد الأوروبي»، اعتبر عضو المجلس غرادومير غويير، والذي كان عضوا في مجلس الرئاسة إبان الحرب «منح الرئيس الفرنسي جاك شيراك، الجنسية الفخرية، محاولة لتلميعه بينما يواجه في بلاده اتهامات بالفساد وغير ذلك». وتابع في اتصال هاتفي أجرته معه «الشرق الأوسط» أنه «يتعين على المجلس، أن يوضح للشعب لماذا منح شيراك الجنسية الفخرية، ولماذا في هذا الوقت، وما الحدث الذي أملى هذا القرار». وتساءل: «هل زار شيراك سراييفو، حتى تمنح له الجائزة من باب المجاملة». وأردف: «شيراك لم يقدم أي شيء للبوسنة، ولا سيما سراييفو عندما كانت في أصعب الظروف، رغم أنه استغل محنة البوسنة للوصول إلى السلطة سنة 1995 في حين كان الرجل الثاني في حكومة فرانسوا ميتران».

وكانت الأغلبية في مجلس عمادة سراييفو قد بررت منح شيراك الجنسية الفخرية، لأنه «كان مؤيداً لاندماج البوسنة في الشراكة الأورو ـ أطلسية في الفترة ما بين 1995 و2007». وقد امتنعت السفارة الفرنسية الخوض في القضية، معتبرة أن القرار يعود إلى مجلس سراييفو. وقالت إنها «قضية داخلية ليس لدينا أي تعليق على ذلك».

بدوره، قال المحلل السياسي البوسني، أنس دجونوزوفيتش، ردا على مبررات القرار: «جميع السياسيين الأوروبيين يتحدثون عن ادماج البوسنة في الشراكة الأوروأطلسية، بما في ذلك الرئيس الفرنسي الحالي، نيكولا ساركوزي، فلماذا تمنح لشيراك الآن وهو يواجه اتهامات عديدة في بلاده، وبلغ من العمر أكثر من 75 سنة حتى إنه لا يستطيع أن يمشي بدون عصا».

من جهته، قلل الكاتب الصحافي بيرو لازوفيتش، من دور شيراك في عملية إنهاء الحرب في البوسنة، وقال إن: «جاك شيراك كان جزءا من الموقف الأوروبي، الذي لم يحسم موقفه من قضية البوسنة (خلال فترة الحرب)، لأسباب لا داعي لذكرها الآن فقد تحدث عنها الرئيس الأميركي بيل كلينتون في مذكراته، والتي أكد فيها أن الأوروبيين سكتوا على مجازر البوسنة تفاديا لقيام دولة اسلامية في قلب أوروبا». وتابع: «دعوته لإنشاء قوات تدخل أوروبي سريع، لم تكن من أجل البوسنة، ولكن لأسباب دولية يطول ذكرها، وعندما جاءت هذه القوات إلى البوسنة لم تضف جديداً عما كانت تمارسه قوات الأمم المتحدة أو قوات حلف شمال الأطلسي».

وعبر مواطنون بوسنيون تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، عن تحفظهم على قرار منح الجنسية الفخرية إلى الرئيس الفرنسي السابق في حين قامت السلطات البوسنية بسحب الجنسية من مئات العرب وعمال الإغاثة المسلمين الذين قدموا إلى البلاد خلال وبعد فترة الحرب. وقال المواطن البوسني سفر بوكفيتش: «نحن لسنا ضد منح شيراك الجنسية الفخرية، ولا أحد يماري في ذلك، ولكن هناك من هم أحق منه بذلك، وللأسف نحن قمنا بصفع وطرد وسجن من قدموا بالفعل مساعدات وصلت إلى حد التضحية بدمائهم وأرواحهم في البوسنة».

وكانت البوسنة قد منحت جنسيتها إلى عدد من الرياضيين والفنانين وغيرهم، من بينهم مدير تلفزيون «أو بي إن»، الكرواتي، ايفان تشاليتا، الذي حصل على الجنسية البوسنية، من دون عناء، بعد قدومه سنة 2005 إلى سراييفو، وذلك رغم تحفظ الأغلبية البوشناقية على ذلك. كما حصل الفنان، محرم سربوزوفسكي، على الجنسية البوسنية، وهو حاليا عضو في برلمان سراييفو المحلي، وينتمي إلى طائفة الغجر، وأصله من مقدونيا. وكانت «الشرق الأوسط» قد نشرت حوارا معه قبل أشهر، تحدث فيه عن وصول الغجر، وعن وضعهم في العالم لا سيما منطقة البلقان. كما كشف عن كراهية الغجر، الذين يعدون من الشعوب القليلة في العالم التي ليس لها وطن خاص بهم، للحدود، حيث يحبون الترحال ويكرهون الاستقرار في مكان واحد.

ويعود فضل دخول سربوزوفسكي، إلى البرلمان المحلي في سراييفو، إلى الرئيس البوسني الأسبق حارث سيلاجيتش، الذي ضم عناصر من الأقليات إلى الحكومة البوسنية في عهده، ومنهم وزير الخارجية البوسني المنتهية ولايته، ستيفن ألكلاي (يهودي) وسفير البوسنة في الكويت (فلسطيني من الأردن وقد منح هو الآخر الجنسية البوسنية) ياسين الرواشدة. ومحرم سربوزوفسكي، فنان مشهور في يوغوسلافيا السابقة، من أغانيه «جميلة» و«يا بني» وهو كغجري يميل للموسيقى الدرامية. كما حصل المئات من العرب وغيرهم على الجنسية البوسنية أثناء فترة الحرب وبعدها، لكنه تم سحب ما يناهز 800 جنسية منهم، ولم يعد يحمل الجنسية البوسنية من العرب سوى عدد قليل، بينهم الطلبة العرب سابقا، سواء من تخرج منهم، أطباء، مهندسين، وغيرهم، أو من انقطع عن الدراسة وظل في البوسنة لأسباب مختلفة لا سيما الفلسطينيين والسوريين وبعض العراقيين. وأثناء الحرب قدم عمال إغاثة ومقاتلون، ترك معظمهم البوسنة، بينما لا يزيد من تبقى منهم في البلاد عن عدد أصابع اليدين.