«مسجد القائد إبراهيم».. منصة انطلاق مظاهرات الإسكندرية

شيده إيطالي بتكليف من الملك فاروق تكريما لأحد أجداده

المحتجون المطالبون بإنهاء حكم الرئيس مبارك في ميدان التحرير يحتمون من الحجارة التي يرميها مؤيدو الرئيس (ا ف ب)
TT

بالقرب من كورنيش الإسكندرية وفي واحدة من بقاعها السحرية، محطة الرمل يقبع مسجد «القائد إبراهيم» الذي تحول إلى منصة انطلاق المظاهرات والاحتجاجات السياسية بالمدينة. المسجد صممه وأشرف على بنائه المهندس الإيطالي ماريو جروسي الذي أوفدته حكومته عام 1948 إلى مدينة الإسكندرية بناء على طلب من الحكومة المصرية ليقوم بتصميم أحد أكبر مساجد المدينة، وأطلق عليه اسم «القائد إبراهيم» تكريما لإبراهيم باشا ابن محمد علي القائد الفاتح، الذي دافع عن وحدة الأمة المصرية، وهددت فتوحاته عددا من البلدان الأوربية. قصة بناء المسجد لا تنفصل عن رزاز هذا المجد الغابر، فيروى أن الملك فاروق الأول ملك البلاد في مصر آنذاك، وكان معروفا بحبه للإسكندرية وقضاء جميع أشهر الصيف في ربوعها. في إحدى جولاته الميدانية في المدينة، وحينما حط موكبه في محطة الرمل أدركته صلاة العصر، وعندما سأل حاشيته عن مسجد يؤدي فيه الصلاة، لم يجدوا سوى مسجد صغير صلى به الملك وحاشيته. عقب ذلك، طالب الملك بضرورة بناء مسجد ضخم بالمنطقة بعد أن أعجبه موقعها، وإطلالتها على البحر، على أن يحمل المسجد اسم أحد أجداده من سلالة محمد علي باشا، أشهر حاكم في تاريخ مصر الحديث. وأمر الملك فاروق الأول بأن يطلق على المسجد اسم «القائد إبراهيم باشا» الابن الأكبر لمحمد علي باشا. وقد تأسس المسجد على الطراز المعماري الإيطالي، وعلى مساحة تبلغ نحو ألفي متر مربع، وهو محاط من كل جانب بحديقة كبيرة، وله وجهتان، إحداهما تطل على شاطئ البحر المتوسط، وحديقة كبيرة تسمى حديقة الخالدين.بينما يطل المسجد من واجهته الأخرى على شريط الترام (أحد أهم وسائل النقل بالمدينة) وقد تم الانتهاء من أعمال البناء بالمسجد عام 1951، بعد ثلاث سنوات من العمل في تشييده.

وتحول المسجد نظراً لمساحته الكبيرة، وموقعه المتميز، إلى ملتقى سياسي وشعبي كبير، وتعاقب على تولي قيادته الدينية عدد من أهم الشيوخ والأئمة المعروفين بانتقاداتهم السياسية لنظام الحكم في مصر، من أبرزهم الشيخ أحمد المحلاوي الذي ينتمي إلى التيار الإسلامي السلفي، والذي تولى إمامته أعواماً عديدة في عهد الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات. وكانت خطبه الحماسية تلهب عواطف ومشاعر المصلين، ويتحول الكثير منها خاصة في أوقات المحن والأزمات التي تمر بها البلاد إلى مظاهرات سياسية يتصدرها الشيخ المحلاوي نفسه، كما كان من أشد المعارضين لعقد اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1979، حتى إن السادات قد ذكر المحلاوي في إحدى خطبه، وأمر باعتقاله ضمن حملة سبتمبر 1981 الشهيرة، والتي تم اعتقال جميع المعارضين خلالها. منذ ذلك الحين، ذاع صيت المسجد باعتباره ملتقى للمعارضين السياسيين المصريين، وصارت الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات تنطلق دائماً من أمامه.. وحسبما يقول عبد الغني شلتوت خادم المسجد، والذي تولى وظيفته منذ ثماني سنوات: إن المسجد هو الشرارة التي انطلقت من أمامها كافة الحشود، ممن أتوا من كل حدب وصوب، ليجتمعوا بالمسجد، ولتنطلق المسيرات التي تجوب المدينة، منذ يوم 25 يناير(كانون الثاني) الماضي، وحتى اليوم، احتجاجا على نظام حكم الرئيس مبارك والمطالبة بتنحيته.

ويقدر شلتوت: أن المسجد يمكن أن يسع بساحته الخارجية وفضاء الشوارع المحيطة به نحو نصف مليون مصل، وهو ما تحقق في صلاة التراويح في رمضان الماضي، حيث كان يؤم المصلين خلالها الشيخ حاتم فريد المنتمي للتيار السلفي.

وللمسجد أدوار خيرية أخرى يؤديها، فبه جمعية لتحفيظ القرآن، وعيادة صحية، لكن أقسى ما يعانيه المسجد خاصة في الآونة الأخيرة اشتداد القبضة الأمنية حوله، بشكل يشوه كثيرا من سمته الديني كدار للعبادة والصفاء الروحي.