تونس تواصل «تطهير» مؤسساتها من رموز النظام القديم وتستقبل 25 برلمانيا أوروبيا

التغييرات الأمنية الأخيرة جاءت بعد تعرض وزير الداخلية إلى إساءة من مسؤول أمني

TT

علمت «الشرق الأوسط» من مصدر تونسي مطلع أن فرحات الراجحي، وزير الداخلية الجديد، قدم استقالته يوم الاثنين الماضي إلى رئيس الوزراء محمد الغنوشي، بعدما تعرض للإساءة من إحدى قيادات وزارة الداخلية حينما عقد اجتماعا معها تساءل فيه عن الجهة التي أعطت تعليماتها لقوات الأمن لفض المعتصمين في ساحة القصبة، حيث مقر رئاسة الحكومة.

وكان تدخل قوى الأمن لتفريق المعتصمين الأسبوع الماضي قد تميز بالعنف وهو ما أثار انتقادات المنظمات الحقوقية والمدنية. وقال المصدر ذاته إن أحد المسؤولين الأمنيين تحدث بلهجة فجة مع وزير الداخلية الجديد، وسبه بكلمات نابية، قبل أن يقول له إن الأمنيين أدرى بشعابهم، وأنه (الوزير) مجرد مشرف إداري على وزارة الداخلية، وهو ما أثار حفيظة الوزير الجديد، الذي اتصل هاتفيا برئيس الوزراء، وقدم له استقالته من مهامه. وزاد المصدر قائلا إن الغنوشي اتصل مباشرة برئيس أركان الجيش التونسي الجنرال رشيد عمار، الذي توجه إلى الوزارة مرفوقا بفرقة متخصصة في مكافحة الإرهاب حيث قامت بضبط الأمور في الوزارة.

وأوضح المصدر أن هذا الحادث، إلى جانب هجوم عدد كبير من أعوان للأمن على مكتب الوزير، أفاض الكأس، ودفع بالحكومة إلى إجراء تعديلات وتغييرات جوهرية في قيادات الوزارة، وهو ما تم قبل يومين، حيث تم تعيين عسكري هو الجنرال أحمد شابير، مديرا عاما للأمن الوطني.

وكان الراجحي قد قال في تصريحات تلفزيونية: «لقد سرقوا نظارتي ومعطفي وهاتفي المحمول. بعد أن نفذت بجلدي»، مشيرا إلى أن المهاجمين خرجوا من الوزارة دون إيقاف نفر منهم. وحمل الراجحي مدير الأمن السابق مسؤولية ذلك.

وندد الراجحي بالتواطؤ الصارخ في الأجهزة الأمنية على أمن الدولة. ولم يستبعد أن يكون هؤلاء المتواطئون تلقوا تعليمات من رفيق بلحاج قاسم، وزير الداخلية الأسبق، الذي يوجد في حالة اعتقال، بل إنه اعترف بأنه لا يعرف حتى الآن الجهة التي تخضع لها الشرطة.

وفي سياق ذلك، عادت الحالة الأمنية في المدن التونسية إلى وضعها الطبيعي بعد أيام من الفلتان الأمني، وذلك غداة تعديلات واسعة طالت المناصب الأمنية التي كانت تشكل الأساس الذي يقوم عليه نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي. وبدت تونس العاصمة أمس أكثر هدوءا بعدما أدت الأمطار الكثيفة التي تساقطت أمس إلى تهدئة النفوس.

لكن رغم ذلك، أعلن أمس عن تنظيم إضراب في قطاع شبكة المترو بالعاصمة التونسية. واعتصم المئات من أعوان شركة النقل بتونس، في محطة تونس البحرية مطالبين باستقالة المدير العام للشركة. ويطالب المعتصمون بتحسين أوضاعهم المهنية وبينها مراجعة نظام الأجور والترقيات.

في غضون ذلك، تواصل الحكومة الانتقالية التي تحظى بدعم دولي، عملية «التطهير» في كبرى الإدارات والمؤسسات وعينها على الوضع الاجتماعي. واستؤنف النشاط أمس في العاصمة التونسية وبقية أنحاء البلاد استجابة لنداء رئيس الوزراء محمد الغنوشي الليلة قبل الماضية بعد «الفلتان الأمني في الأيام الأخيرة». وقال الغنوشي: «نعتقد أن التحديات الأمنية الكبيرة تجاوزناها»، مؤكدا أن «طلباتكم مشروعة لكن ندعوكم إلى تأجيلها وعدم استغلال الظرف للحصول على امتيازات لأنها تسهم في انهيار البلاد»، متحدثا عن «عشرات الآلاف من مواطن الشغل المهددة» بالفوضى التي شلت عددا من قطاعات البلاد إثر فرار الرئيس بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي.

وغداة عمليات التطهير في جهاز الشرطة الموروث عن الرئيس المخلوع، واصلت الحكومة التعديلات في كبرى المؤسسات والولايات (المحافظات). وأقصي 24 واليا (محافظا) واستعيض عنهم بولاة من التكنوقراط لا يعرفهم الجمهور، بينما يأتي دور السلك الدبلوماسي لاحقا مع «لائحة قيد الإعداد»، حسب مصدر في وزارة الخارجية التونسية.

وإدراكا منه للاستياء السائد داخل مناطق البلاد، وعد الغنوشي أول من أمس بإعطاء «الأولوية للمناطق التي انطلقت منها الاحتجاجات»، وقال «نريد لهذه المناطق تنمية هيكلية دائمة، لا نريد أن نخيب آمالها لأننا أوفياء للشهداء الذين بفضلهم تغير كل شيء».

وصرح محمد الرحيمي المحامي في القصرين أن هذه المدينة «دفعت ثمنا باهظا للثورة وضحت بدمائها، لكن الحكومة لا تقدر تلك الدماء التي أهدرت، يجب أن تتبوأ القصرين مكانتها في الدولة الديمقراطية الجديدة وإلا فإن غضب السكان قد يتأجج».

من جانبه، صرح وزير التنمية الجهوية التونسي محمد نجيب الشابي لصحيفة «لوموند» الفرنسية أمس: «هناك معاناة واستياء قد ينفجر لأنه يسود الناس شعور قوي بأنهم سلبوا، لكننا محظوظون لأن الدولة لم تتلاش».

وفي هذه الأثناء تتكثف الاتصالات بين تونس وشركائها لا سيما الأوروبيون منهم. وبدأ وفد من 25 برلمانيا أوروبيا يقوده الإسباني خوسي إنياسيو سلافرانكا أمس في تونس مهمة تدوم أربعة أيام. وقال خلال نقاش مع وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون المتوقع وصولها أيضا إلى تونس بعد أسبوعين، «يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يفكر في مراجعة عميقة لسياسة الجوار في المتوسط».

وصرح مصدر قريب من وزارة الخارجية التونسية أمس: «إننا ننتظر من باريس أن تمارس نفوذها في الاتحاد الأوروبي للدفع باتجاه التسريع في منح تونس وضعا متميزا». وبعد وصوله أول من أمس إلى بروكسل، يزور وزير الخارجية التونسي أحمد عبد الرؤوف ونيس اليوم الجمعة باريس ويتناول الغداء إلى مائدة نظيرته الفرنسية ميشال إليو ماري التي وجدت نفسها وسط «الزوبعة التونسية». وقالت الحكومة الفرنسية إن قضيتها قد «طويت».

وأعربت أشتون لونيس عن عزم الاتحاد الأوروبي رفع مستوى علاقاته مع تونس، مشيرة خصوصا إلى منحها «وضعا متميزا» يوفر لها رسوما جمركية مميزة في الأسواق الأوروبية. وسيتوجه وفد استطلاعي من الخبراء الأوروبيين إلى تونس قريبا للمساعدة على إعداد أول انتخابات في عهد ما بعد بن علي بعد ستة أشهر.