النفوذ الأميركي يتراجع وسط احتجاجات عربية

إشعال العلم الأميركي ليس جزءا من سيناريو المظاهرات

محتج في ميدان التحرير يرفع لافتة تطالب الرئيس المصري بالرحيل أمس (إ. ب. أ)
TT

في الأيام الماضية كان من المؤكد إلى حد كبير أن يتم حرق العلم الأميركي أو صورة أو صورتين للرئيس الأميركي في أي مظاهرات في العالم العربي. لكن الآن لم ترد أي إشارة إلى الولايات المتحدة في المظاهرات المطالبة بالديمقراطية في شوارع القاهرة وفي المناطق الأخرى، وهو ما يعد إشارة إلى ما أطلق عليه بعض المحللين «الشرق الأوسط خلال حقبة ما بعد أميركا»، الذي يشهد تراجعا في النفوذ الأميركي وزيادة عدم اليقين بشأن الدور الأميركي.

وكما أن إشعال العلم الأميركي ليس جزءا من السيناريو الحالي، لا يحمل المتظاهرون نماذج مصغرة من تمثال الحرية مثلما فعل نشطاء صينيون في ميدان تينامين عام 1989. يقول النشطاء في الشرق الأوسط إنهم يتجنبون أي إشارة إلى الولايات المتحدة باعتبارها نموذجا للدور السياسي خوفا من عزلة المؤيدين المحتملين على حد قول توجان فيصل، إحدى قدامى المشاركين في الحملات الديمقراطية في الأردن، والتي تقدم المشورة إلى المتظاهرين الشباب في العاصمة الأردنية عمان. وقالت «لا أعتقد أن أميركا تلقى قبولا لدى الجيل الجديد من الشباب. إنني حريصة على عدم تقديم النموذج الأميركي لهم نتيجة للموقف السلبي المحبط للولايات المتحدة».

لكن لا أحد يدري بعد الشرق الأوسط الذي سينطلق من شوارع القاهرة التي تشهد معارك، فترى هل سيكون ديمقراطيا أم متطرفا على نحو مبالغ فيه، أم ربما شرق أوسط تسيطر فيه قبضة الأنظمة المستبدة على الأمور؟ وتتسارع وتيرة الأحداث في القاهرة على نحو يصعب معه التكهن بما سوف يحدث، لكن من النتائج المحتملة التوجه المضاد للولايات المتحدة. لكن يظل من الملاحظ أن أكثر الاحتجاجات المناهضة للرئيس حسني مبارك سرعة ركزت على نظامه لا على الدور الأميركي في دعمه.

قد تدعم عملية إصلاح من نوع ما المصالح الأميركية إذا سمحت بزيادة التجارة والتنمية لطبقة متوسطة قوية في مجتمعات منقسمة حاليا إلى طبقة من الأثرياء النافذين والفقراء المعدمين. لكن قد يتراجع الدور الأميركي في منطقة تظل ذات أهمية حيوية للمصالح القومية، لكن تتنامى بها فكر قوة عظمى لديها القليل من الأصدقاء بعد إسرائيل وحفنة من الحكام العرب الديكتاتوريين.

لم يجعل أول رد فعل فاتر لإدارة أوباما للأزمة من خلال تصريح وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون الذي وصفت فيه نظام مبارك بـ«المستقر» وتصريح نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، الذي أعلن فيه أنه لم يصف الرئيس مبارك بالديكتاتور، واشنطن تلقى قبولا لدى منطقة طالما تاقت إلى الإصلاح السياسي.

ومنذ ذلك الحين تبنى الرئيس أوباما موقف أكثر صرامة، لكن لغته لم ترق إلى المستوى الذي يقنع العرب الذين أصابتهم الحيرة مما بدا من عجز أميركي عن تبني ثورة يرونها متوافقة مع مثاليات أميركا على حد قول شادي حمدي، مدير البحث في مركز «بروكينغز الدوحة» في قطر. وأوضح قائلا «لم يعد هناك من يؤيد أميركا في المنطقة بعد الآن. الأمل الوحيد هو أن يستغل أوباما هذه الفرصة لإعادة توجيه السياسة الأميركية على نحو جوهري، وإلا فأعتقد أننا سنفقد العالم العربي». لقد بات هذا التوجه جليا حتى قبل أن يسقط التونسيون الديكتاتور المدعوم من الولايات المتحدة في 14 يناير (كانون الثاني) ويصبحوا إلهاما للمصريين في محاولة طرد مبارك التي أثارت موجات من الاضطرابات في الأردن واليمن.

لقد أدى الغزو الأميركي للعراق، الذي كان من أجل نشر الديمقراطية في منطقة ليس للديمقراطية أي جذور بها، إلى حكومة منتخبة. لكن تم تشكيل الحكومة الأخيرة في ديسمبر (كانون الأول) فقط بعد التدخل الإيراني الذي جاء بعد شهور من المراوحة والجمود، مما أكد دورها كلاعب أساسي في العراق. من المقرر أن تنسحب القوات الأميركية البالغ عددها 50 ألف جندي بحلول العام الحالي، ولا يبدو أنه من المحتمل أن تسمح الحكومة العراقية للقوات الأميركية بأن تحافظ على تواجد ولو محدود على المدى الطويل.

أما في لبنان، فقد سحب حزب الله المدعوم من إيران الشهر الماضي البساط من تحت الحكومة المدعومة من الغرب والتي وصلت إلى السلطة من خلال ثورة الأرز عام 2005، التي تظاهر فيها مليون لبناني في الشوارع لإجبار القوات السورية المحتلة على الجلاء بدعم قوي من إدارة جورج بوش الابن.

وتشغل قوى إقليمية أخرى الفراغ إلى حد ما، منها تركيا التي تتمتع بالثقة، وقطر ذات المساحة الصغيرة العازمة على أن تتجاوزها. فقد كانت لأميركا لحظات مهمة في الشرق الأوسط، على سبيل المثال عند تولي إدارة أوباما السلطة عام 2009 متعهدا بحقبة جديدة من العلاقات الأميركية مع العالم الإسلامي. لكن قال رامي خوري، مدير معهد «فاريس» للسياسة العامة والعلاقات الخارجية بالجامعة الأميركية في بيروت، إن إخفاق الإدارة في إدارة عملية سلام دائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين أو إقناع إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات على الأرض التي يطالب الفلسطينيون بها، أحبط أولئك الذين كانوا يأملون أن يأتي أوباما بالتغيير.

كانت هناك لحظة أخرى من الأمل عام 2005 عندما دعت كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، إلى التحول الديمقراطي في حرم الجامعة الأميركية بالقاهرة التي لا تبعد سوى بضع خطوات عن قلب الثورة المصرية التي يشهدها ميدان التحرير حاليا.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»