سيناريوهات أميركية عدة لمصر بهدف واحد: تأمين مرحلة ما بعد مبارك

البيت الأبيض يناقش مع القاهرة خطة لرحيل الرئيس * تأكيد على إشراك أقطاب المعارضة لإنجاح المرحلة الانتقالية

TT

تنشغل ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما حاليا، بوضع عدة سنياريوهات لتأمين مرحلة الانتقال في السلطة المصرية، بعد ان اقتنعت الادارة الاميركية هذا الاسبوع بأن عهد الرئيس المصري حسني مبارك قد انتهى. واكدت مصادر اميركية عدة لـ«الشرق الأوسط» ان مرحلة الانتقال في حاجة الى اشراك اقطاب المعارضة المصرية وتمثيل واضح للشعب المصري من اجل انجاح مرحلة الانتقال، حيث ترفض واشنطن ان تكون هذه العملية بيد السلطة الحاكمة الحالية فقط. وتسعى واشنطن الى ضمان سلامة الانتخابات الرئاسية في سبتمبر (ايلول) مما يستدعي اشراك المعارضة في الاعداد لها وتعديل الدستور المصري بالشكل المناسب. ولكن حتى صباح امس، لم تكن هناك خطة اميركية واحدة متبلورة، بل مجموعة من الافكار تصب جميعها باتجاه مرحلة ما بعد مبارك. وقال الناطق باسم البيت الابيض تومي فيتور: «الرئيس (اوباما) قال ان الوقت قد حان لانتقال سلمي ومنتظم وذي معنى مع مفاوضات ذات مصداقية وشاملة». واضاف: «لقد بحثنا مع المصريين عددا من السبل المختلفة لدفع هذه العملية الى الامام، ولكن يجب ان يتخذ الشعب المصري كل هذه القرارات». وكان هناك رد فعل مباشر من اليبت الابيض على تقرير «نيويورك تايمز» بأن الولايات المتحدة اعدت خطة لانتقال السلطة في مصر، حيث قال مسؤول اميركي رفيع المستوى: إن «من الخطأ كليا الخبر بأن هناك خطة اميركية موحدة يتم التفاوض مع المصريين حولها». وتحرص ادارة اوباما على عدم الظهور بأنها تملي على المصريين مطالب محددة او قرارات حول رئاسة البلاد.

وعلى الرغم من أن مبارك غير مستعد للرحيل، حتى الآن، يستمر مسؤولون من كلتا الحكومتين في محادثات بشأن خطة يبدأ في إطارها سليمان، مدعوما برئيس أركان القوات المسلحة المصرية الفريق سامي عنان ووزير الدفاع المشير محمد حسين طنطاوي، عملية إصلاح دستوري فورا. ويدعو المقترح أيضا الحكومة الانتقالية إلى دعوة أعضاء عدد كبير من التنظيمات المعارضة، ومن بينها جماعة الإخوان المسلمين، إلى بدء الحديث صراحة عن المنظومة الانتخابية داخل مصر في سعي إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في سبتمبر بحسب ما قاله المسؤولون. وقال مسؤولون بارزون في الإدارة الأميركية إن المقترح كان من بين خيارات عدة جار نقاشها مع مسؤولين مصريين بارزين في محاولة لإقناع الرئيس المصري بالتنحي حاليا عن منصبه. وحذروا من أن النتيجة تعتمد على عوامل متعددة، منها البروتوكولات الدستورية المصرية وموقف المحتجين في الشوارع داخل القاهرة والمدن المصرية الأخرى. ويقول بعض المسؤولين إنه لا يوجد أي مؤشر على أن سليمان أو الجيش المصري مستعد للتخلي عن مبارك. وباتت الحكومة الاميركية تتعامل مباشرة مع نائب الرئيس المصري عمر سليمان، اذ اتصل به نائب الرئيس الاميركي جو بايدن ليل اول من امس للتشاور حول التطورات الاخيرة. وكانت رسالة بايدن واضحة لسليمان، حيث «اعاد التأكيد على تنديد الرئيس اوباما بالعنف الاخير في مصر ومطالبة جميع الاطراف بضبط النفس». واوضح بيان من البيت الابيض بان بايدن «اعاد التأكيد على دعم الرئيس للحقوق العالمية بما فيها حق التجمع السلمي والتعبير»، اذ حمل بايدن الحكومة المصرية «مسؤولية الا تؤدي المفاوضات السلمية الى العنف والتخويف». وكانت هذه رسالة قد كررتها كلينتون في اتصالها ايضا بسليمان للتأكيد على اهمية ان تكون مظاهرات يوم امس آمنة وسلمية. وبحث بايدن مع نظيره المصري «بدء مفاوضات ذات مصداقية وشاملة فورا من اجل الانتقال الى حكومة ديمقراطية تتماشى مع طموحات الشعب المصري»، بحسب بيان البيت الابيض. واصبحت الادارة الاميركية تعتبر سليمان نقطة الاتصال المباشرة والاهم في الحكومة المصرية لضمان عملية «التفاوض» مع المعارضة وانجاحها. وقال مسؤول اميركي لـ«الشرق الأوسط» ان «الايام الماضية اظهرت مجموعة واسعة من الجماعات المعارضة، والامر المهم هو ليس التركيز على مجموعة واحدة بل عملية تسمح للحكومة المصرية والشعب المصري للعمل سويا». واكد المسؤول الذي طلب عدم الكشف عن هويته عدم وجود خطوط حمراء للادارة الاميركية بالنسبة لمجموعة او اخرى عند الاجابة عن سؤال حول موقف واشنطن الرسمي من الاخوان المسلمين. وتنتظر واشنطن لرؤية مواقف الاخوان المسلمين خلال الفترة المقبلة لمعرفة امكانية التعامل معهم. واضاف أن «الامر يعود للشعب المصري». ويقول مسؤول مصري بارز: إنما «يطلبونه لا يمكن أن يحدث»، وأشار إلى فقرات في الدستور المصري تمنع نائب الرئيس من تولي السلطة. وبموجب الدستور، يخلف رئيس البرلمان الرئيس في المنصب. وأضاف المسؤول: «هذا هو ردي من الناحية الفنية. ولكن ردي السياسي هو أن عليهم أن يفكرون في شأنهم بأنفسهم». وتجري النقاشات بشأن البحث عن طريق للخروج من الأزمة داخل القاهرة في وقت تطرح فيه تساؤلات عما إذا كانت الهيئات الاستخباراتية الأميركية، بعد انهيار الحكومة التونسية، حذرت البيت الأبيض ومشرعين من احتمالية حدوث انتفاضة داخل مصر. وفي مقابلة مع «كريستيان أمانبور»، من قناة «إيه بي سي نيوز» قال مبارك إنه طفح كيله بمنصب الرئيس ولكنه لا يستطيع التنحي لخوفه من انتشار الفوضى داخل البلاد. ويقول ليزلي جيلب، الرئيس المتفرغ في مجلس العلاقات الخارجية: «يخشى مبارك من أنه إذا وافق على ذلك ستظهر مطالب أخرى، وبما أنه لا يتعامل مع كيان قانوني، ولكن مع جموع غفيرة، فكيف له أن يعرف أنه لن تكون هناك مطالب أخرى غدا؟». من جهته أكد الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك ان «الاحداث المروعة يومي الاربعاء والخميس عندما استخدم العنف ضد المتظاهرين دفع الادارة الاميركية للنظر الى المرحلة المقبلة والعمل على وضع افكار حولها». ولكنه اضاف لـ«الشرق الأوسط» ان «هناك وعيا بأن هذه عملية خاصة بالعرب، فهم بدأوا يكتبون قصتهم الخاصة، وهناك وعي ضمني في واشنطن بأنه من غير الممكن محاولة ادارة هذه العملية»، موضحا: «وهناك ايضا وعي بأن هذه الاحداث ستغير المنطقة ويجب وضع استراتيجية ملائمة للمنطقة». واعتبر كوك انه «حتى الآن، لم تحدد هذه الادارة استراتيجيتها للمنطقة»، متوقعا ان احداث مصر ستدفع اوباما لبلورة استراتيجية اكثر وضوحا. وفي ما يخص مرحلة الانتقال في مصر ووضع الادارة الاميركية خطة لها، قال كوك: «هناك وعي ان عمر سليمان يتعامل الان مع المرحلة الانتقالية وتتعامل الادارة معه على هذا المبدأ». وبعد ان عاد السفير الاميركي المتقاعد فرانك ويزنر الى واشنطن من القاهرة اول من امس، بدأ اجتماعاته مع مسؤولين اميركيين لبحث افكار حول استراتيجية اميركية في مصر. وقال مسؤول في البيت الابيض ان ويسنر يتواصل مع البيت الابيض والخارجية الاميركية، في وقت يجتمع الرئيس الاميركي مع مسؤولين مرات عدة في النهار حول مصر لمعرفة آخر المستجدات. وشرح مسؤول في البيت الابيض: «اننا نتواصل على كل المستويات مع نظرائنا المصريين، وذلك لا يعني فقط مكالمة الرئيس (اوباما) مع مبارك، بل وزارة الدفاع من الوزير روبرت غيتس وغيرهما.

وقد أجرى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس ثلاث مكالمات منذ نهاية الأسبوع مع وزير الدفاع المصري القوي، الذي كان إلى جانب التحالف في حرب الخليج الثانية عام 1991. ورفض مسؤولون في البنتاغون يوم الخميس الحديث عن تفاصيل المكالمات، ولكن أشاروا إلى أن رسائل غيتس ركزت على ما هو أكثر من حث الجيش المصري على التحلي بضبط النفس، واعلن رئيس هيئة الاركان المشتركة الاميركية الادميرال مايك مالون في مقابلة مع قناة «اي بي سي» انه على اتصال مع الجيش المصري وخاصة الجنرال سامي عنان. واوضح مالون ان الجنرال عنان «اكد لي انه لن يطلق النار على شعبه». وتؤكد السيناريوهات الاميركية المطروحة على جوهرية دور الجيش في ضمان الامن في مصر وتأمين المرحلة الانتقالية.

ويوم الخميس، مرر مجلس الشيوخ قرارا يدعو مبارك إلى بدء تسليم السلطة إلى «حكومة شاملة مؤقتة». وقال أنطوني كوردسمان، وهو خبير في شؤون الجيش المصري بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، إن حكومة انتقالية يقودها سليمان والجيش، مع تعهدات للتحرك قدما من أجل إجراء انتخابات ديمقراطية في رأيه هو «الوضع الأكثر احتمالا». ولكن قال إن الإدارة عليها التحلي بالحذر الشديد. ويقول كوردسمان: «كل من يعمل في هذه القضية يعرف أن هذا الجيش حساس للغاية للضغوط الخارجية». وبينما ترفض الادارة الاميركية المطالبة مباشرة باستقالة مبارك، اتخذ مجلس الشيوخ الاميركي خطوة نحو هذا الاتجاه بإصدار قرار مساء اول من امس رعاه كل من رئيس مجلس الشيوخ الاميركي جون كيري والسناتور الجمهوري جون ماكين لـ«بدء فوري لانتقال منتظم وسلمي الى نظام سياسي ديمقراطي يشمل انتقال السلطة الى حكومة تصريف اعمال انتقالية، بالتعاون مع المعارضة المصرية والمجتمع المدني والجيش».