مصر: لغة الإعلام الحكومي تتبدل من معارضة المظاهرات كليا إلى التأييد الجزئي

بعد أن سماها نائب الرئيس بـ«حركة 25 يناير» وأثنى على متظاهريها

TT

شهدت لغة وسائل الإعلام المصرية من صحافة حكومية وتلفزيون الدولة تحولا كبيرا، في أعقاب الحديث الذي أدلى به نائب رئيس الجمهورية عمر سليمان قبل يومين؛ حيث تبدلت الأوصاف والعبارات في شأن المتظاهرين والاحتجاجات التي جرت - ولا تزال - في ميدان التحرير، ودخلت بالأمس (الجمعة) يومها الحادي عشر، من كونهم «جماعات تسعى إلى الفوضى والتخريب وفرض آرائها بالقوة على الأغلبية الصامتة المؤيدة للاستقرار وبقاء الرئيس المصري حسني مبارك ولي ذراع النظام المصري صمام الأمان للبلاد»، إلى وصفهم بـ«رواد الثورة الشعبية» واعتبارهم العديد من رموز الحزب الوطني (الحاكم) والحكومة السابقة المقالة بأنهم «سبب الخراب والدمار والانفلات الأمني الذي لحق بالبلاد».

ووصف العديد من القائمين على الصحف الحكومية المصرية التي تعرف بـ«الصحف القومية»، الاشتباكات والمصادمات الدامية التي اضطلع بها موالون لمبارك ضد المتظاهرين العزل بميدان عبد المنعم رياض الأربعاء الماضي واستخدمت فيها زجاجات المولوتوف الحارق والأسلحة النارية الآلية والسيوف، بالغباء وأنها السبب في تفاقم الأمور بعدما كانت في سبيلها إلى الهدوء في أعقاب خطاب مبارك الذي أبدى فيه مرونة سياسية نحو مطالب المتظاهرين.

وجاء هذا التغير اللافت في خطاب الإعلام المصري الحكومي بعد وصف عمر سليمان نائب الرئيس، الاحتجاجات التي جرت منذ الثلاثاء قبل الماضي وحتى الآن بأنها «حركة وطنية شعبية» بالإضافة إلى إبداء الرئيس مبارك ذاته حزنه على «اقتتال المصريين بهذه الصورة البشعة غير المسبوقة» واعتذار قيادات حكومية في مقدمتها عمر سليمان ورئيس الحكومة الجديد أحمد شفيق لأسر القتلى والجرحى في هذه المصادمات الذين وصل عددهم إلى 10 قتلى وما يقرب من ألفي جريح بحسب مصادر طبية غير رسمية، وتأكيدهم على أن تلك «المهزلة» (بحسب وصفهم لها) لم تكن الحكومة ضالعة فيها بأي صورة من الصور، كما أنها لم تتم بمباركة منها باعتبار أنها حكومة كل المصريين دون تفرقة.

وكانت الصحف الحكومية وتلفزيون الدولة الرسمي قد أشادا يومي (الأربعاء والخميس) بالمسيرات المؤيدة للرئيس مبارك، وأظهرتها على أنها التعبير الحقيقي عن الشارع المصري في مواجهة «دعاة الفوضى وعدم الاستقرار» في إشارة إلى المتظاهرين بميدان التحرير وساحة عبد المنعم رياض القريبة منه، علاوة على أنها ألقت على فريق المتظاهرين باللائمة في حدوث الاشتباكات باعتبارهم عطلوا مصالح «الموالين» وقطعوا أرزاقهم خلال فترة الاحتجاجات.

وبدا جليا أن هذا الطرح الإعلامي قد أتى بنتيجة سلبية على الرئيس المصري والحكومة في ضوء ما جرى على الأرض ونقلته كافة الشبكات التلفزيونية الإخبارية إلى العالم، والذي تبين معه أن تلك المسيرات ما هي إلا مجموعة من «البلطجية وقطاع الطرق» الذين تم استئجارهم نظير مقابل مادي بمعرفة قيادات في الحزب الحاكم - بحسب أقوال وشهادات العديد من المتظاهرين والمراقبين - لفض المظاهرات والاحتجاجات بالقوة عبر قذائف المولوتوف والرشاشات، وهو ما تسبب في وقوع الحكومة الجديدة في حرج شديد ومأزق كبير في ظل مناشدات تصل حد الاستجداء كانت تطلقها للمتظاهرين للعودة إلى منازلهم وإعطائها فرصة من أجل تحقيق الإصلاحات السياسية والدستورية المطلوبة.

غير أن تخلي وسائل الإعلام والصحافة القومية المصرية عن اللهجة العدائية والهجومية تجاه المتظاهرين المناهضين للرئيس مبارك، استجابة لما أبداه النظام ذاته من احترام لمطالب المتظاهرين.. لم يمنع من استمرار التكرار على وجود «عناصر أجنبية دخيلة أصبحت تؤجج هذه المظاهرات وتدفعها إلى عدم الإنصات والتفاوض مع النظام» وهو الأمر الذي أشار إليه صراحة نائب الرئيس في حديثه، بل وامتد إلى اتهام جماعة الإخوان المسلمين المحظور نشاطها رسميا في البلاد، بمسايرة الموجة والدفع بعناصرها لتحل محل من استجابوا لدعوات التهدئة والتفاوض في محاولة للضغط على النظام المصري بغية تحقيق مكاسب سياسية على حساب «الثورة الشعبية» وهو التعبير الذي أطلقته صحف مصرية على الحركة الاحتجاجية.

وظلت تتصدر نشرات تلفزيون أنباء عن اعتقال أجانب (دون الإشارة إلى جنسياتهم) يدعمون بقاء المظاهرات المناوئة للرئيس المصري.. فيما أكدت مصادر صحافية إعلامية داخل التلفزيون والصحف القومية لـ«الشرق الأوسط» آثرت جميعا التكتم على هويتها وعدم الإشارة إليها، أن هناك تعليمات للقائمين على وسائل الإعلام التابعة للدولة بالتركيز على ما يعرف بـ«العناصر الأجنبية والدخيلة التي تؤجج المظاهرات» في محاولة لحشد «تعاطف شعبي مضاد» لصالح الرئيس المصري ودعم بقائه في السلطة. وأضافت المصادر أن هذه الإشارات المتكررة إلى «عناصر أجنبية» عرضت المراسلين الأجانب للصحف ووكالات الأنباء الأجنبية والقنوات الإخبارية إلى الوقوع في دائرة العنف، حيث كانت إيذانا بحملة عنف ضدهم لنقلهم وقائع الاحتجاجات والعنف ضد المتظاهرين في اليومين الماضيين إلى العالم أجمع، وهو ما تسبب في حرج بالغ للنظام المصري وسط استنكار دولي لما جرى، فيما غادرت أعداد من المراسلين الأجانب مصر خشية تعرض حياتهم للخطر.