أعلام مصر جسر بين الرافضين لحكم مبارك والمؤيدين له

اقتصرت في السابق على مناصري المنتخب الوطني لكرة القدم

TT

بين خطوط تماس الاشتباكات الملتهبة والدائرة بين معارضي حكم الرئيس المصري حسني مبارك والمؤيدين له، يحمل الشاب المصري كمال، البالغ من العمر 35 سنة، عشرات الأعلام الشهيرة للدولة المصرية الملونة بالأحمر والأبيض والأسود، ليبيعها للمتظاهرين من الجانبين.

وكان هذا المظهر لافتا، لأنه ومنذ سنوات بعيدة اعتاد المصريون وهم يعبرون في شوارع القاهرة رؤية باعة أعلام نوادي كرة القدم في مسابقات الدوري والكأس، وباعة أعلام الدولة للمواطنين أثناء مشاركة الفريق الوطني لكرة القدم في المباريات الدولية.

يقف كمال في شارع البطل أحمد عبد العزيز في ضاحية المهندسين، أي في الطريق المؤدي إلى أهم موقعين للتظاهر في القاهرة، في الوقت الحالي. الموقع الأول هو ميدان التحرير الذي يتحصن فيه المعارضون للنظام في قلب العاصمة، والموقع الثاني هو ميدان مصطفى محمود الشهير بمؤيدي مبارك في قلب محافظة الجيزة.

وبين حين وآخر تصل إلى هنا رشقات الحجارة وتكتكة الرصاص، وبعض الجماعات التي تطارد جماعات أخرى لإبعادها عن نطاق مكان التظاهر. يقول كمال إنه ليس من السهل أن يميز هوية من يشترون منه الأعلام، إذا ما كانوا معارضين أو موالين. يضيف: «هذا لا يهم.. بالنسبة لي كلهم مصريون، وحين يشترون أعلام مصر فهذا لأنهم يحبون بلدهم».

ويوجد قطاع من الباعة المحترفين من الشبان والفتيات الفقراء الذين ينتشرون على تقاطعات الطرق في المناسبات الكروية لبيع الأعلام، لكن كمال يقول إن سوق بيع الأعلام انضم إليها عدد ممن عطلت المظاهرات أعمالهم. يضيف كمال: إنه متزوج، ويعمل في مطبعة، مشيرا إلى أنه اضطر للخروج للعمل في بيع الأعلام بعد أن أغلقت المطبعة أبوابها منذ تفجر المظاهرات في مصر يوم 25 الشهر الماضي حتى أمس.. «انتظرت أن تهدأ المظاهرات وأرجع للعمل.. لم أتقاض راتبي الشهري لأن البنوك مغلقة أيضا».

ووجد كمال لنفسه موضعا وسط الباعة المعتادين الذين لم يكن أي منهم يسمح بدخول أغراب على مهنتهم المرتبطة بمواسم الكرة. ويقول كمال إنه توجه إلى بائع شهير يبيع الأعلام بالجملة، ولديه مخزن لأعلام الأندية الرياضية وأعلام الدولة، وشرح له المشكلة التي يعاني منها، بسبب توقف المطبعة عن العمل ونفاد أمواله، وحاجته لإطعام أطفاله.

ومنذ اندلاع الاحتجاجات المعارضة والمؤيدة، وظهور أعمال عنف واسعة في مناطق متفرقة من البلاد، تعرضت الكثير من المرافق العامة والخاصة لما يشبه الشلل، وأغلقت غالبية المتاجر والشركات ومحطات الوقود وغيرها أبوابها خوفا من التعرض لأعمال السلب والنهب، خاصة بعد الانفلات الأمني وما يشبه انهيارا في جهاز الشرطة، وتحرك قوات الجيش لتأمين الشارع والمصالح الحيوية.

ودخل لسوق بيع الأعلام عشرات المصريين من سكان القاهرة ومدن أخرى. وبجوار دبابة عسكرية في مفرق طرق في نهاية كوبري عباس الرابط بين العاصمة المصرية ومحافظة الجيزة، ينادي باعة الأعلام على بضاعتهم على المارة قائلين «مصر.. مصر.. تحيا مصر». ويقول كمال إنه غير منتم لأي حزب سياسي أو أي حركة احتجاجية أو مؤيدة.. ويضيف أنه يشعر بالخوف من المستقبل.. «وأنا أقف هنا، أخاف على أولادي في البيت من اللصوص»، وهو يأمل في انتهاء الاضطرابات التي لم تكن معتادة في الشارع المصري.

ويبيع كمال العلم الواحد بسعر يتراوح بين 5 جنيهات (أقل قليلا من دولار واحد)، و10 جنيهات، حسب درجة إقبال المتظاهرين.. وقبل يوم الجمعة (أول من أمس) باع كمال آلاف الأعلام للجانبين المعارض والمؤيد.

وعلى مدى الشوارع وعلى شرفات البيوت وفوق السيارات وأعلى رؤوس ملايين المتظاهرين ترى العلم الوطني بألوانه الثلاثة مرفوعا، ومعبرا أيضا عن 3 أنواع من الآراء الدائرة حول المرحلة العصيبة التي تمر بها مصر في الوقت الحالي. فقطاع من المصريين يريد رحيل الرئيس المصري ومجموعة الحكم فورا، وقطاع آخر يؤيد بقاء الرئيس إلى حين يكمل مدته الدستورية في الحكم، والتي تنتهي في الخريف المقبل، بعد أن ينقل البلاد خلالها بشكل آمن إلى رئيس جديد. وقطاع ثالث يراقب الفريقين ويتمنى الاتفاق على أي شيء يحفظ الأمن ويعيد إيقاع الحياة الطبيعية للشارع المصري في أسرع وقت.