الغاز المصري وإسرائيل.. لعبة استراتيجية في إطار اتفاقية دولية

تقديرات تشير إلى أنها تكلف مصر 13.5 مليون دولار يوميا

TT

أعادت العملية التخريبية التي تعرض لها خط تصدير الغاز المصري إلى الأردن عبر شبه جزيرة سيناء (شرق البلاد)، والتي وقعت يوم أمس، الجدل حول تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل، وعما إذا كانت العملية التخريبية تمت بشكل عشوائي، أم أنها استهدفت إعلان موقف سياسي مناهض لتصدير الغاز المصري لإسرائيل وتعطيله.

يقول خبراء مصريون إن تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل يأتي في إطار لعبة سياسية لتحقيق مصالح استراتيجية لا تعلنها الحكومة المصرية، لكنها تكلف مصر الكثير مع بيع الغاز بثمن بخس لا يناسب الأسعار العالمية.

وبدأت مصر تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل بعد تأسيس شركة غاز شرق المتوسط «East Mediterranean Gas» (EMG)، التي تأسست سنة 2000، وتزاول نشاطها في منطقة حرة خاصة بالإسكندرية، ويرأس مجلس إدارتها حسين سالم، وتملك الهيئة العامة للبترول المصرية 68.4% منها، وتتوزع الحصص الباقية على الشركة الإسرائيلية الخاصة «مرهاف» بنسبة 25%، وشركة «أمبال - إسرائيل الأميركية» (Ampal - American Israel Corp) بنسبة 6.6%، والشركتان الأخيرتان يملكهما رجل الأعمال الإسرائيلي يوسف مايمان، ضابط المخابرات السابق في الموساد. وأثارت صفقة بيع الغاز المصري لإسرائيل موجة من الغضب الشعبي، كونها تمثل تطبيعا مع دولة إسرائيل التي تعتدي على الأراضي والأرواح العربية لا سيما الفلسطينية، كما أن الاتفاق يتيح بيع الغاز بأسعار بخسة تسببت في خسائر كبيرة للاقتصاد المصري من جهة أخرى. وزاد من الغضب الشعبي الحديث عن خطة لاستيراد الغاز من الخارج لسد الاحتياج المحلي في الداخل، الأمر الذي جدد الانتقاد لفكرة تصدير الغاز للخارج في وقت تحتاج فيه السوق المحلية إليه. واتهم عدد من مسؤولي حملة «لا لنكسة الغاز»، على رأسهم منسق الحملة أنور عصمت السادات، وزارة البترول بإهدار ثروة مصر من خلال تصدير الغاز إلى إسرائيل والدول الأخرى بأسعار تقل عن بيعه محليا. وكانت المحكمة الإدارية العليا بمصر قررت في فبراير (شباط) الماضي إلغاء حكم القضاء الإداري السابق بوقف تصدير الغاز بأسعار تفضيلية، كما قضت المحكمة بعدم اختصاص القضاء بنظر الدعوى باعتبار أن تصدير الغاز المصري إلى الخارج يعد عملا من أعمال السيادة، إلا أنها ألزمت الحكومة بوضع آلية لتحديد كمية وسعر تصدير الغاز المصري إلى الخارج، والقيام بمراجعة دورية للتأكد من اكتفاء السوق المحلية من المشتقات البترولية قبل التصدير.

وكانت محكمة القضاء الإداري قضت في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2009، بوقف قرار بيع الغاز المصري إلى إسرائيل بأسعار تفضيلية متدنية تقل عن الأسعار العالمية وقيمتها السوقية. وطعنت هيئة قضايا الدولة على حكم القضاء الإداري بالنظر إلى أنه ليست هناك علاقة تعاقدية بين دولة مصر ودولة إسرائيل بشأن تصدير الغاز الطبيعي، وإنما العلاقة التعاقدية بين الشركة المصرية القابضة للغازات والهيئة المصرية العامة للبترول وشركة شرق البحر المتوسط للغاز، ومن ثم تخرج تلك العلاقة عن دائرة اختصاص القضاء الإداري باعتبار أنها علاقة تعاقدية تجارية بحتة. وأكدت هيئة قضايا الدولة حينها أن الحكم المطعون عليه سيترتب على تنفيذه أضرار جسيمة يتعذر تداركها، مشيرة إلى أن البترول أو الغاز الطبيعي المستخرج من الأراضي المصرية هو نتاج اتفاقيات بترولية صادرة بقوانين من السلطة التشريعية تعطي الحق للهيئة المصرية العامة للبترول وللشركات المختلفة في البحث عن البترول واستغلاله. وتشير تقديرات إلى أن مصر تتحمل خسارة فادحة بسبب الثمن البخس الذي تبيع به الغاز، قدرها البعض بنحو 13.5 مليون دولار في اليوم الواحد.

ولا توجد علاقة بين اتفاقية تصدير الغاز لإسرائيل ومعاهدة كامب ديفيد، كما يقول السفير المصري السابق والمحامي إبراهيم يسري الذي رفع الدعوى القضائية مطالبا بوقف تصدير الغاز المصري إلى تل أبيب.

بينما تقول الهيئة المصرية العامة للبترول إن سعر بيع الغاز الطبيعي لشركة شرق البحر المتوسط حقق صافي عائد لكل مليون وحدة حرارية بريطانية لا يقل عن متوسطات صافي العائد المحقق من باقي عقود تصدير الغاز الأخرى، كما أنها تفوق بكثير متوسط صافي العائد من بيعه في السوق المحلية، وأن شركة شرق المتوسط تحملت كامل تكلفة استثمارات المشروع والذي يقدر بنحو 500 مليون دولار دون أن تتحمل هيئة البترول والشركة القابضة للغازات أي أعباء في هذا المشروع. وتقول الهيئة إن شروط العقد وسعر بيع الغاز الذي تم التعاقد عليه مع شركة شرق البحر المتوسط كان مناسبا في حينه وفى حدود أسعار تصدير الغاز السائدة في ذلك الوقت. وأوضحت أنه لمقارنة الأسعار في العقود المختلفة لا بد أن يرتبط ذلك بباقي شروط وبنود كل عقد من حيث مكان التسليم.

وبحسب تقديرات وزارة البترول المصرية، فإن احتياطي مصر من الغاز المؤكد المكتشف خلال السنوات العشر الماضية يبلغ 57 تريليون قدم مكعب، ليرتفع إجمالي احتياطيات مصر من الغاز حاليا إلى 78 تريليون قدم مكعب.