أزمة مصر تهيمن على مؤتمر الأمن في ميونيخ.. وكلينتون تحذر من رياح عاصفة

دعوات إلى انتقال منظم للسلطة وتحذيرات من انتخابات فورية > الرباعية الدولية: الاضطرابات تؤكد وجوب استئناف مفاوضات السلام > معاهدة ستارت تدخل حيز التنفيذ

TT

ألقت الأزمة في مصر بظلالها على مؤتمر الأمن العالمي المنعقد حاليا في مدينة ميونيخ الألمانية حيث احتلت الاضطرابات والمطالبة الشعبية بتنحي الرئيس المصري حسني مبارك مكانا بارزا في جدول أعمال المؤتمر الذي انطلق الجمعة. وأكدت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن الشرق الأوسط يواجه عاصفة وحذرت من «مخاطر الفوضى». ورغم أنها أعربت عن دعم بلادها لإجراء انتخابات نزيهة في مصر إلا أنها لم تشر بشكل صريح إلى تنحي الرئيس المصري حسني مبارك، وعزز موقفها تصريح مبعوث الرئيس الأميركي الذي أكد فيه أن مبارك يجب أن يبقى في السلطة في الوقت الحالي لتوجيه التغييرات اللازمة للانتقال السياسي في مصر. وجاء ذلك بالتزامن مع دعوات قادة أوروبيين للقاهرة لتغيير القيادات بسرعة مع التمهل في إجراء الانتخابات.

وافتتح الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون مناقشته في المؤتمر بشأن الأمن عبر الأطلسي بالإشارة إلى الاحتجاجات في العالم العربي وقال إن حركات الاحتجاج في مصر وتونس «قد أججها انعدام الأمن والفقر والاستياء والفساد ونقص الديمقراطية»، وأضاف «منذ 2002 طالبت الأمم المتحدة دائما بتغييرات» نحو مزيد من الديمقراطية «وخصوصا في البلدان العربية».

أما وزيرة الخارجية الأميركية فقد قالت إن واشنطن تؤيد جهود مصر لصياغة منظمة لإصلاحات تسمح بإجراء انتخابات ديمقراطية، وأوضحت، في واحدة من أوضح التصريحات الأميركية حتى الآن بشأن كيف يجب أن تمضي مصر قدما وسط مظاهرات حاشدة ضد الرئيس مبارك، أن محاولة إيجاد آلية انتقالية قد تكون أفضل أمل للمستقبل.

وقالت أمام مؤتمر للأمن في ميونيخ «من المهم دعم عملية الانتقال التي أعلنتها الحكومة المصرية والتي يتزعمها فعليا نائب الرئيس عمر سليمان».

وقالت كلينتون إنه بينما تؤيد واشنطن بشدة نداءات من متظاهرين مصريين بديمقراطية أكبر فإنها ستستغرق وقتا لإرساء العمل التمهيدي «الذي سيسمح بإجراء انتخابات منظمة من المقرر أن تجري في سبتمبر (أيلول)».

غير أن كلينتون لم تخف قلق بلادها من عاصفة تواجه منطقة الشرق الأوسط بعد الأحداث في تونس ثم مصر. وقالت محذرة إن منطقة الشرق الأوسط تواجه «عاصفة بكل معاني الكلمة» من الاضطرابات وإنه يتعين على زعماء المنطقة أن يسارعوا بتطبيق الإصلاحات الديمقراطية الحقيقية وإلا خاطروا بمزيد من زعزعة الاستقرار.

وأضافت أن عدم وجود إصلاحات سياسية إضافة إلى تزايد أعداد الشباب وتكنولوجيا الإنترنت الحديثة كل ذلك يهدد النظام القديم في منطقة مهمة لأمن الولايات المتحدة.

وكانت مصر حليفا للولايات المتحدة طوال حكم مبارك المستمر منذ 30 عاما وهي حليف استراتيجي للمصالح الأميركية بسبب معاهدة السلام التي وقعتها مع إسرائيل وسيطرتها على قناة السويس ومعارضتها الصامدة للتشدد الإسلامي.

ومع الحرص على تقديم الدعم المعنوي للمحتجين الذين يتظاهرون منذ 12 يوما ويطالبون بتنحية مبارك على الفور لم تصل تصريحات كلينتون وأوباما إلى حد دعوة الرجل القوي البالغ من العمر 82 عاما إلى التنحي.

وذكرت مصادر دبلوماسية أن كلينتون أكدت على موضوع الانتقال المنظم للسلطة خلال اجتماعاتها الثنائية في ميونيخ مع كل من رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والمستشارة الألمانية وعدد من القادة الآخرين.

وأفاد مصدر بأن كلينتون أبلغت نظراءها الأوروبيين أن مبارك أصبح فعليا خارج السلطة ولكن مصر بحاجة لوقت للإعداد لانتخابات في وجود حكومة انتقالية.

وفي وقت لاحق، قال فرنك ويزنر، مبعوث الرئيس الأميركي، بشأن الأزمة المصرية عبر دائرة تلفزيونية من واشنطن للمؤتمر في ميونيخ، إن الرئيس مبارك يجب أن يبقى في السلطة في الوقت الحالي لتوجيه التغييرات اللازمة للانتقال السياسي. وأوضح «نحتاج لتحقيق إجماع وطني بشأن الشروط المسبقة للخطوة التالية. يجب أن يبقى الرئيس في المنصب لتوجيه هذه التغييرات».

وجاء ذلك بينما حثت بريطانيا وألمانيا مصر على تغيير القيادات بسرعة وأن تتمهل في إجراء الانتخابات.

وأكد كل من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون وهرمان فان رومبوي رئيس المجلس الأوروبي من جديد على تحقيق المطالب بـ«انتقال سريع» للسلطة في مصر، وهي عبارة أصبحت مصطلحا دبلوماسيا يعني استقالة الرئيس المصري، ولكنهم قالوا إن الحذر سيكون مطلوبا بعد ذلك.

وقال كاميرون أمام المؤتمر أمني «لا أظن أننا نحل مشكلات العالم بإحداث تغيير بالضغط على زر وإجراء انتخابات.. ومصر حالة كلاسيكية في هذا الصدد».

بينما قالت ميركل أمام الاجتماع ذاته «أعتقد أن إجراء انتخابات سريعة في بداية عملية للتحول الديمقراطي سيكون خطأ»، وأشارت إلى تجاربها كناشطة من أجل الديمقراطية في ألمانيا الشرقية أثناء انهيار سور برلين عام 1989، وأوضحت «إذا أجريت انتخابات أولا فلن تكون هناك فرصة لتطوير هياكل جديدة للحوار السياسي واتخاذ القرارات». وكان مبارك قد حذر من انزلاق بلاده إلى الفوضى إذا استجاب لمطالب المتظاهرين بالتنحي فورا.

ويعتقد محللون سياسيون أن الحذر الذي تبديه أوروبا إزاء إجراء انتخابات حرة في مصر سيعتبره كثيرون في الشرق الأوسط دليلا على القلق الغربي من احتمال أن يتمكن الإسلاميون من الوصول إلى السلطة في أكبر دولة عربية من حيث عدد السكان.

أما وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف فقد أعرب عن تأييده «للحوار» بين مختلف الأطراف المصرية للخروج من المأزق. وقال إن «من الواضح أن ما يجري لا يمكن أن يستمر على هذا الحال. يتعين إجراء حوار».

واعتبر لافروف من جهة أخرى أن على «كل المجموعات الفاعلة» على الساحة الدولية أن تشارك في الجهود للخروج من «المأزق» وتشجيع التوصل إلى حل.

وكانت روسيا انتقدت الجمعة تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي طلب تغييرا سياسيا سريعا في مصر! معتبرة أن ذلك يعتبر تدخلا سياسيا.

وكان السفير الروسي في الأمم المتحدة فيتالي تشوركين اعتبر أن دور المنظمة الدولية «لا يتضمن إعطاء نصائح سياسية لبلد سيد تقيم معه الأمم المتحدة علاقة قديمة جدا».

وفي سياق متصل، اعتبرت اللجنة الرباعية الدولية لـ«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) أن الأزمة في مصر والمنطقة تؤكد «وجوب» استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين بهدف التوصل إلى اتفاق سلام شامل بين الدولة العبرية والدول العربية.

وجاء في إعلان صدر في ختام مناقشات أجرتها اللجنة الرباعية في ميونيخ جنوب ألمانيا بالتزامن مع مؤتمر الأمن أنه بعد «أخذ علم بالأحداث الخطيرة في مصر وفي مواقع أخرى من المنطقة في الأيام الأخيرة»، قام أعضاء اللجنة «ببحث تبعات هذه الأحداث على سلام إسرائيلي عربي واتفقوا على معاودة مناقشتها بشكل أولوي» خلال الاجتماعات المقبلة وأولها في منتصف مارس (آذار).

إلى ذلك، دخلت المعاهدة الجديدة الأميركية الروسية للحد من الأسلحة النووية (ستارت) التي وقعت في الثامن من أبريل (نيسان) حيز التطبيق أمس بعد تبادل «آليات المصادقة» بين وزيري خارجية البلدين.

وقالت كلينتون خلال حفل حضره نظيرها الروسي سيرجي لافروف على هامش مؤتمر الأمن «اليوم تبادلنا آليات المصادقة على المعاهدة التي تخفض المخاطر النووية التي تحدق بالشعبين الروسي والأميركي وبالعالم». وتشكل المعاهدة الحجر الأساسي في «إعادة انطلاق» العلاقات بين واشنطن وموسكو بعد توترات ظهرت في نهاية ولاية الرئيس الأميركي السابق جورج بوش.

وهذه المعاهدة التي يسري مفعولها لعشر سنوات والقابلة للتجديد لخمس سنوات تنص على أن كلا من الدولتين يمكن أن تنشر 1550 رأسا نوويا كحد أقصى، أي خفض ما نسبته 30% مقارنة بعام 2002.