مناقشات حول أفكار لإبعاد الرئيس مبارك عن السلطة مع احتفاظه بالرئاسة

تشمل نقله من القصر الجمهوري.. ومسؤولون أميركيون قلقون من مشاكل دستورية إذا نحي

TT

بدت عزلة الرئيس حسني مبارك في تزايد يوم السبت مع دخول الاحتجاجات يومها الثاني عشر، وتعمل إدارة الرئيس باراك أوباما وبعض أفراد الجيش المصري والنخبة من المدنيين على خطط لإبعاده عن السلطة. وبحسب مسؤولين أميركيين ومصريين، كان عمر سليمان، نائب الرئيس المصري الذي عُين مؤخرا، وقيادات رفيعة المستوى يناقشون الخطوات التي ينبغي اتخاذها للحد من سلطات مبارك في صناعة القرار، وربما إبعاده عن القصر الجمهوري في القاهرة دون تجريده من سلطته الرئاسية فورا. ومن ثم تتفاوض حكومة انتقالية يرأسها سليمان مع رموز المعارضة لإصلاح الدستور وبدء التغييرات الديمقراطية. ومنذ أن بدأت الاحتجاجات في مصر أصيبت الدولة بالشلل مع إغلاق المصارف والأعمال. وبحسب وكالة «أسوشيتيد بريس»، استدعى الرئيس امس السبت كبار مسؤولي الاقتصاد من ضمنهم وزيرا البترول والمالية إلى قصر يبعد كثيرا عن ميدان التحرير لمناقشة الأزمة التي كلفت البلاد 3.1 مليار دولار فيما يبدو وسيلة للتأكيد على السلطة والقضاء على المبادرة. ولم يتضمن ذلك تأثر الأزمة بانفجار خط أنابيب غاز طبيعي يصل إلى إسرائيل والأردن. ولم يكن هناك أي إشارة إلى وجود علاقة بين الاحتجاجات والانفجار الذي اشتعل اشتعالا كبيرا في وقت مبكر من صباح امس السبت يمكن رؤيته من على بعد أميال. ورغم التصريحات التي أعلنت على شاشة التلفزيون المصري الرسمي بتعرض خط الأنابيب إلى عملية تخريبية، صرح مسؤولو وزارة الداخلية بأن سبب هذا الانفجار لم يتضح بعد. وصرح مسؤولون بالإدارة الأميركية يوم الجمعة بأن من الأفكار السياسية التي يتم تداولها اقتراح يفيد بانتقال مبارك للإقامة في منزله بشرم الشيخ أو يتوجه إلى ألمانيا في إجازة علاجية سنوية ممتدة. وهذه الخطوات من شأنها أن توفر له الخروج اللائق وتبعده عن الاضطلاع بدور سياسي فاعل فيما يمثل اتجاها لتلبية مطلب المحتجين الأساسي. وتم تشجيع سليمان وقادة الجيش على إجراء مناقشات مطولة مع قوى المعارضة قد تفضي إلى طريقة لجعل النظام السياسي منفتحا وتحديد فترة الرئاسية وإرساء بعض المبادئ الأساسية للديمقراطية قبل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في سبتمبر (أيلول) المقبل. لكن أحد كبار مسؤولي الإدارة الأميركية قال: «لا يمكن لأي من هذا أن يحدث إذا بقي مبارك في العملية. لكن هذا لا يعني بالضرورة تخلي الرئيس عن منصبه الآن». لكن يظل مسؤولو الإدارة الأميركية قلقين من أن يؤدي عزل الرئيس مبكرا إلى مشاكل دستورية تتسبب في فراغ سياسي. ويمكن لرئيس البرلمان بموجب الدستور الحالي أن يتولى الرئاسة على الأقل شكليا في حال استقالة الرئيس. وفيما يبدو تماشيا مع التقدير الأميركي للموقف، صرحت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل في مؤتمر عن الأمن في ميونيخ بألمانيا أمس، بأن الانتخابات المبكرة لن تكون مجدية في تعبير عن مخاوف قادة الدول الأوروبية من فراغ في السلطة. ونقلت رويتز عن ميركل قولها: «قد يكون إجراء انتخابات مبكرة في بداية عملية التحول الديمقراطي منهجا خاطئا». لكن قادة المعارضة أصروا على عدم التفاوض مع سليمان إلا بعد تنحي مبارك معولين على تأثير استقالته إذا فعلها ولضمان عدم قيام كبار المسؤولين المصريين بأي محاولة لإعاقة السير نحو عملية الديمقراطية. وقال الرئيس أوباما في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي، ستيفن هاربر، يوم الجمعة إنه يعتقد أن الرئيس المصري قد أعلن «عدم تمسكه بالمنصب» من خلال تصريحة بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة. وتريث أوباما قليلا قبل أن يعلن أن مبارك عليه أن يترك منصبه قريبا لكن عليه أيضا أن يعد الخطوات اللازمة التي على الحكومة اتخاذها لضمان «انتقال منظم». وبدا هذا للجميع طلبا من الرئيس بالابتعاد عن المشهد إن لم يكن تقديم الاستقالة. وقال الرئيس مبارك في مقابلة يوم الخميس الماضي مع قناة «إيه بي سي» إنه يتوق للتنحي، لكن إذا فعل ذلك «سوف تعم الفوضى البلاد». ويحذر قادة المعارضة من حكم عسكري آخر مدى الحياة في حال اعتراض القادة العسكريين الذين يتفاوضون حاليا على إنهاء حكم مبارك طريق إجراء تغيير أشمل. لكن الكثير من المفكرين البارزين والمحللين السياسيين يدفعون بخطط مؤيدة للانتقال المبدئي للسلطة إلى سليمان الذي يبدو أنه يقوم بمهام الرئيس مبارك حاليا على حد قولهم. وقال وحيد عبد المجيد، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية وأحد الشخصيات التي تعمل على الخطط المقترحة: «الواقع يقول إن نائب الرئيس هو الذي يدير الموقف وما نريده هو أن نجعل ذلك شرعيا. بالنظر إلى الموقف الحالي، لا يستطيع الرئيس أن يقوم بأي شيء لا هنا ولا في الخارج نتيجة الضغط الواقع عليه». وتضم تلك اللجان التي تقدم هذا المقترح نبيل فهمي، السفير المصري الأسبق إلى الولايات المتحدة، ونجيب ساويريس، أحد كبار رجال الأعمال في مصر وأحمد كمال أبو المجد، المحامي والمفكر الإسلامي البارز، وأحمد زويل، العالم الكيميائي الحاصل على جائزة نوبل. واجتمعت إحدى هذه اللجان يوم الجمعة في مكتب عمرو موسى، الامين العام لجامعة الدول العربية الذي ربما يعد أكثر الشخصيات السياسية التي تتمتع بشعبية في مصر.

ويبدو أن عمر سليمان، ضابط الجيش الأسبق، يتقاسم السلطة مع اثنين من أقرب حلفائه وهما محمد طنطاوي، وزير الدفاع، وأحمد شفيق، رئيس الوزراء والجنرال المتقاعد ووزير الطيران المدني على حد قول عبد المنعم كاطو، وهو جنرال جيش متقاعد مقرب من الثلاثة. لكن كاطو يقول إن الثلاثة ممزقون بين ولائهم للرئيس من جانب وللجيش من جانب آخر، فهم لا يعتزمون خلع مبارك وفي الوقت ذاته لا ينوون أو لا يستطيعون نشر الجيش ضد المتظاهرين، فهذه الخطوة سوف تدمر مكانته وصورته الذاتية. وأضاف كاطو: «إن الثلاثة من رجال الجيش وعلاقتهم قوية ويحاولون إيجاد طريقة للخروج من الأزمة دون إراقة دماء أو إهانة لكرامة مصر أو مبارك في الوقت الذي يلبون فيه مطالب الجماهير». ويبدو أن هناك مؤشرات على أن الثلاثة ربما يغيرون مواقفهم، فشفيق أعلن للمرة الأولى أن الحكومة لن تحاول إخلاء ميدان التحرير مما يسمح ببقاء المحتجين إلى أجل غير مسمى. وزار طنطاوي الميدان بنفسه في الصباح ليتفقد حال الجنود الذين يحمون المتحف المصري. وكان هذا هو أول ظهور لأحد المسؤولين واعتبره المحتجون والخبراء العسكريون إشارة إلى عدم السماح بمؤيدي مبارك الذين يلبسون ملابس مدنية بمهاجمة الميدان مرة أخرى. وتعالت تهليلات المحتجين بمجرد دخول طنطاوي، حيث أخذوا يشبكون أيديهم لتشكيل حاجز حول المنطقة التي كان يمر بها. وقال البعض انهم يريدون التأكيد على عدم السماح لمؤيدي مبارك باستفزازهم أو إثارة الشغب والعنف. وكرر أوباما للمرة الثانية في المؤتمر الصحافي الذي عقده أن طريقة انتقال السلطة بالتحديد «ليست قرارا يمكن أن تتخذه الولايات المتحدة أو أي بلد سوى مصر». لكنه أشار إلى مجموعة من الخطوات التي يبدو أن غرضها تحديد سلطة مبارك والحد من الخيارات المتاحة أمامه. وقال: «الطرق القديمة لن تفلح». وقال أحد المسؤولين إنه تم تدعيم هذه الرسائل في محاولة «لإمطار المنطقة» بدعاوى موجهة إلى القادة العسكريين وأفراد النخبة المصرية والمشرعين. ووجه روبرت غيتس، وزير الدفاع الأميركي، دعوة أخرى لنظيره المصري يوم الجمعة في إطار المحاولة للتأكد من إحلال سلام في الشارع يسمح ببدء إجراء مناقشات جادة مع المعارضة. ويزعم قادة المعارضة أن الدستور الحالي في صالح الحزب الحاكم مما يجعل من الضروري التخلص منه فورا وأنه ينبغي حل البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الرئيس مبارك. وقال محمد البرادعي في المرحلة الأولى فيما يمكن أن يكون مرحلة أولى من مفاوضات في مؤتمر صحافي في منزله بالقرب من القاهرة إن محامي المعارضة يحضرون دستورا مؤقتا. وقال إن المعارضة تدعو مبارك إلى تسليم السلطة إلى مجلس يضم من اثنين إلى خمسة أعضاء يديرون الدولة حتى موعد الانتخابات في غضون عام. وأضاف البرادعي أن عضوا واحدا فقط من الجيش سينضم لهذا المجلس، مشيرا إلى أن أهم مهمة للقوات المسلحة حاليا هي «حماية الفترة الانتقالية بسلاسة». وقال: «لسنا معنيين بالعقاب. على مبارك أن يرحل بكرامة وينقذ بلده». وقال محمد البلتاجي، أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين المحظورة التي كانت تمثل أكبر حركة معارضة في مصر قبل ثورة الشباب العلمانية، إن الجماعة لن تترشح في أي انتخابات رئاسية لخلافة مبارك. وقال إن أعضاء الجماعة أرادوا تفنيد خطاب مبارك الموجه للغرب الذي يقول فيه ان قبضته الحديدية كانت للحماية من التطرف الديني. وقال في مقابلة في إحدى مقرات الجماعة غير رسمية في ميدان التحرير: «لا يعد هذا انسحابا، بل لإجهاض أسلوب الترهيب الذي يتبعه مبارك لخداع الناس في الداخل والخارج حتى يبقى في السلطة». وتحولت الأجواء القتالية في ميدان التحرير يوم الجمعة إلى أجواء من الابتهاج، حيث أزال المحتجون الحواجز التي صنعوها للغناء والصلاة وترديد النشيد الوطني في أنحاء الميدان حيث يحمل القادمون في حقائبهم خبزا وماء. كذلك تظاهر عشرات الآلاف في الاسكندرية والسويس.

* خدمة «نيويورك تايمز»

*أعد ديفيد كيركباتريك التقرير من القاهرة وديفيد سانغر من واشنطن. وشارك كل من كريم فهيم ومنى النجار وليام ستاك في إعداد التقرير من القاهرة وألان كويل من باريس