تونس: تخفيف حظر التجول وجدل دستوري حول صلاحيات الرئيس المؤقت

الجيش يخفف حضوره في الشوارع.. وقيادات «النهضة» تتوافد عائدة للبلاد

TT

ذكر مصدر بوزارة الداخلية التونسية أن شخصين على الأقل قُتلا وأصيب 17 آخرون في شمال تونس، أمس، بعد أن أطلقت الشرطة النار للسيطرة على متظاهرين ألقوا قنابل حارقة وحجارة على مركز للشرطة.

وقال المصدر لـ«رويترز»: إن نحو ألف شخص تجمعوا في احتجاج أمام مركز شرطة الكاف للمطالبة بعزل قائد الشرطة في المدينة لسوء استخدام سلطاته أثناء أدائه مهامه.

وراهنت الحكومة المؤقتة في تونس، أمس، على تحسن الوضع الأمني، فعمدت إلى التخفيف مجددا من حظر التجول، لكنها تبقى متيقظة في مواجهة وضع أمني واجتماعي لا يزال مضطربا، بعد ثلاثة أسابيع من سقوط نظام زين العابدين بن علي. وبدأ أمس تطبيق قرار تخفيف حظر التجول، اعتبارا من منتصف الليل، وحتى الساعة الرابعة بالتوقيت المحلي، «بسبب تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد»، حسبما أعلنت السلطات الليلة قبل الماضية. وكان حظر التجول خُفّف مرة أولى في 26 يناير (كانون الثاني) الماضي (العاشرة ليلا حتى الرابعة صباحا) منذ البدء بتطبيقه في 12 من الشهر نفسه قبل يومين من فرار الرئيس زين العابدين بن علي. في غضون ذلك، تحاول الحكومة ترتيب الكثير من الملفات الشائكة من فساد وسوء استغلال النفوذ وتعقب فلول النظام السابق في أكثر من موقع، في حين انطلق جدل واسع في البلاد حول مدى ما يوفره الدستور التونسي، وخاصة الفصل 28 منه للرئيس المؤقت في اتخاذ جملة من المراسيم التي تساعد على تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي في البلاد.@@ وأعلن مجلس النواب أنه يستعد لعقد جلسة عامة يوم غد الاثنين للنظر في مشروع قانون يتعلق بالتفويض للرئيس المؤقت في اتخاذ مراسيم طبقا للفصل 28 من الدستور التونسي، في ظل انقسام خبراء القانون حول هذه المسألة. وتساءل خبراء القانون الدستوري حول إمكانية الرئيس المؤقت إصدار مراسيم. وقال خبراء في القانون الدستوري إن رئيس الجمهورية مخول له أن يتخذ أي مرسوم لتنظيم الحياة السياسية والإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتجاوز القانون الانتخابي الحالي. ورأى جانب آخر من رجال القانون أن مجلسي النواب والمستشارين (الغرفتين النيابيتين في تونس) يفتقدان للشرعية الشعبية، ومن الضروري وضع نظام مؤقت للسلطات العمومية إلى حين حصول الانتقال الديمقراطي، من خلال انتخابات حرة وشفافة ونزيهة.

وقال الطيب البكوش، الناطق باسم الحكومة المؤقتة، إن تفويض الرئيس المؤقت بإصدار مراسيم يهدف إلى مراجعة قانون الأحزاب وقانون الجمعيات وقانون الصحافة وقانون مكافحة الإرهاب، واعتبر أن تلك الملفات عاجلة ولا يمكنها الانتظار. كذلك تعيش الساحة السياسية التونسية على وقع تغييرات هيكلية على مستوى الأحزاب السياسية، حيث تسعى هذه الأحزاب إلى ترتيب أمورها الداخلية استعدادا لانتخابات تشريعية ورئاسية يبدو أن التحضير لها انطلق منذ الإطاحة بالرئيس بن علي.

وقال زياد الدولاتلي، القيادي في حركة النهضة، إن أعدادا مهمة من قيادات وأعضاء الحركة يتوافدون على تونس خلال هذه الفترة، ومنذ الإطاحة بالرئيس المخلوع. وتابع في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن إقرار العفو التشريعي العام على مساجين الرأي وأصحاب الأفكار المحاصرين خلال 23 سنة من حكم بن علي، قد شجع أعدادا كبيرة من السياسيين على الرجوع إلى تونس. وكانت تونس قد عرفت عودة زعيم حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، الذي أعلن عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة، وكذلك المنصف المروزقي، رئيس المؤتمر من أجل الجمهورية، الذي أعلن سابقا ترشحه للرئاسة إذا ما توفرت الضمانات القانونية للمشاركة السياسية.

وعلى الرغم من التطورات الحاصلة على مستوى الخطاب السياسي في تونس، فإن الجهات الداخلية للبلاد، وخاصة منها المعروفة بقلة المشاريع التنموية، تطالب بنصيب أوفر من البرامج. وفي هذا السياق، تواصلت الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية، أمس، للمطالبة بالحق في الشغل في أكثر من منطقة في البلاد، وبات موضوع المطالبة بفرص شغل يحتل المراتب الأولى على سلم مطالب التونسيين. وفي سياق متصل، خففت قوات الجيش التونسي من تواجدها في الشوارع، وأجلت بعض المواقع لها في العاصمة، مثل شارع الحبيب بورقيبة في الجزء المحاذي لوزارة الداخلية، وشارع محمد الخامس بالقرب من مقر التجمع الدستوري الديمقراطي. وعلى الرغم من أنها أخلت المكان من الدبابات التي رابطت لمدة تقرب من الأسبوعين في تلك الشوارع، فإنها أبقت على قسط من المدرعات وآليات التدخل السريع.

من جهة أخرى، قال فرحات الراجحي، وزير الداخلية في الحكومة المؤقتة، في برنامج تلفزيوني بثته قناة «نسمة» الخاصة، أول من أمس، إن عدد أعوان الأمن والشرطة بمختلف أصنافهم لا يزيد عن 50 ألفا، وهو مخالف تماما لتوقعات عدد من الدوائر الدولية، التي قدرت عدد أعوان الأمن في تونس بأكثر من 160 ألفا. وبرر الراجحي ضخامة عدد الأعوان، كما تم الإعلان عنه في العهد السابق، بتعدد مهام أعوان الأمن، واضطرارهم للعمل لمدة تصل إلى 18 ساعة في اليوم، وتكليف الكثير منهم بأكثر من مهمة في اليوم الواحد. وأكد الراجحي أن ظروف عمل الأعوان ستتحسن خلال الفترة المقبلة، كما قال إن الأولوية الآن معطاة لعنصر الأمن وبث الطمأنينة في نفوس التونسيين. وحول موضوع تعيين الولاة الجدد، انضم الحزب الديمقراطي التقدمي المشارك في الحكومة المؤقتة إلى حركة التجديد، وأعلن بدوره رفضه الأسلوب الذي تم به تعيين الولاة الجدد دون تشاور، معربا عن استغرابه لغياب وجوه معروفة من المجتمع المدني والسياسي ضمن قائمة الولاة الجدد، مقابل استمرار تكليف عدد من المنتسبين للحزب الحاكم سابقا بتسيير الولايات في مرحلة انتقالية تحتاج لضمانات واضحة لبناء الثقة بين الإدارة والمواطن. وأعلن الحزب أيضا تمسكه بإنشاء المجالس الجهوية المؤقتة، التي تضم ممثلي المجتمع المدني وأحزاب المعارضة والكفاءات الجهوية لتأمين كل الضمانات التي تؤمن الانتقال الديمقراطي والقطع مع نظام الحكم السابق.

بدورهم، ما زال صحافيون تابعون لهيئات مرتبطة بالنظام السابق، مثل الوكالة التونسية للاتصال الخارجي، في حالة اعتصام، بعد توقفهم عن العمل منذ الإطاحة بنظام بن علي يوم 14 يناير (كانون الثاني) الماضي. ويطالب هؤلاء بالمحافظة على عملهم، بينما دعا أعوان الوكالة التونسية للاتصال الخارجي إلى سن قانون أساسي يضمن لهم حقوقهم، ورفعوا شعارات أمام المارة تؤكد على نظافة أياديهم مما قام به النظام السابق. بدورها، رفعت بريطانيا، أول من أمس، توصياتها بعدم السفر إلى تونس، وأعربت الحكومة التونسية الانتقالية عن ارتياحها لهذا القرار بالقول: «ما زلنا في البداية، لكن بريطانيا تعتقد أن هذه الأعمال مشجعة».

ويتوقع أن يستعيد قطاع السياحة الحيوي لهذا البلد، المستوى الذي كان عليه قبل الاضطرابات التي حملت آلاف الأجانب على مغادرة البلاد، حسبما قال وزير السياحة، مهدي حواص الجمعة. كذلك، تواجه الحكومة المؤقتة، التي تطور برنامجا لتعويض أسر ضحايا أعمال القمع في يناير (كانون الثاني) الماضي، استياء اجتماعيا في مناجم الفوسفات في قفصة (وسط غرب)، التي توقف العمل فيها بسبب تجمع أشخاص يطالبون بوظائف.

وأعلنت وكالة الأنباء التونسية أن شركة الفوسفات في قفصة والمجموعة الكيميائية التونسية تخسران منذ أسبوعين نحو ثلاثة ملايين دينار (1.5 مليون يورو) يوميا. وفي حين واصل 12 عضوا في البرلمان الأوروبي، أمس، مهمتهم في تونس لتقديم الدعم، أعرب الحزب الاشتراكي الفرنسي عن «تأييده للقوى الديمقراطية المساهمة في بناء تونس الجديدة».

ولا يمر يوم من دون أن يلقى الفريق المكلف المرحلة الانتقالية دعما من الخارج. فقد أعلنت الدنمارك تعزيز دعمها للإصلاحات الديمقراطية في تونس وأيضا في مصر، مع موازنة قيمتها 1.34 مليون يورو لمساعدة «الإعلام الحر والمجتمع المدني».