السياسة الأميركية تواجه تعقيدات داخل مصر

وسط رسائل مربكة تعكس سياسة تم وضعها على عجل ودون تخطيط مسبق

المشير محمد حسين طنطاوي في سيارته خلال زيارته للمحتجين بميدان التحرير الجمعة الماضي (أ.ف.ب)
TT

بعد مرور 12 يوما على انتفاضة داخل مصر تهدد بقلب استراتيجية الولايات المتحدة داخل الشرق الأوسط، تسعى إدارة أوباما بجد لتحديد ما إذا كان ممكنا نجاح تطور ديمقراطي مع بقاء الرئيس حسني مبارك في منصبه، حتى لو تم سلبه سلطاته، أو وقف موقف المتفرج خلال مفاوضات بشأن مستقبل البلاد.

وجاء آخر تحد ظهيرة يوم السبت عندما قال الرجل الذي أرسله الرئيس الأميركي باراك أوباما نهاية الأسبوع الماضي لإقناع الرئيس المصري البالغ من العمر 82 عاما بالتنحي عن منصبه، فرانك ويزنر، لمجموعة من الدبلوماسيين والخبراء الأمنيين إن «استمرار قيادة الرئيس مبارك شيء مهم – فهذه فرصته لصياغة إرثه».

وحاولت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون على الفور أن تضبط هذه التصريحات، لتظهر آخر تطور في استراتيجية الإدارة. وقالت إنه على الأقل يجب تنحية مبارك عن الطريق حتى يتمكن نائبه عمر سليمان من الدخول في محادثات مع قيادات الاحتجاجات بشأن كل شيء بدءا من التغيرات الدستورية وصولا إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.

وليست هذه هي المرة الأولى التي تجد فيها إدارة أوباما نفسها غير متأكدة من موطئ قدميها خلال الأزمة المصرية، في الوقت الذي تبذل فيه قصارى جهدها لتكون على الجانب الصحيح من التاريخ وتجنب تسريع وتيرة حركة يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة.

وقد كانت الرسائل المختلطة مربكة، وفي بعض الأحيان مخجلة، وهو ما يعكس سياسة تم وضعها على عجل ومن دون تخطيط مسبق. ويقول مسؤول أميركي: «هذا هو الحال عندما يحدث شيء مفاجئ»، وأضاف: «عقدنا جلسات لا نهاية لها حول الاستراتيجية على مدار العامين الماضيين حول السلام داخل الشرق الأوسط، واحتواء إيران. والسؤال: كم منها تناول بالدراسة احتمالية تحول داخل مصر من الاستقرار إلى الاضطراب؟ لا شيء».

وقبل ساعات من تصحيحها لما ذكره ويزنر، أوضحت كلينتون رأيها خلال تجمع في ميونيخ حيث أشارت إلى أن العملية برمتها ستستغرق بعض الوقت وأنه يجب إدارتها بحرص. وقالت مذكرة مستمعيها: «لقد أطاحت ثورات بديكتاتوريين باسم الديمقراطية، ولكن خطفها استبداديون جدد يستخدمون العنف والخداع والانتخابات المزورة من أجل البقاء في السلطة».

ويؤكد مسؤولون في الإدارة أن استجابتهم كانت تعتمد على سياسة رد الفعل في التعامل مع أحداث تتحرك بسرعة وليست تتضمن تغييرا جوهريا في المستهدفات. وخلال الأيام القليلة الماضية، مع إعلان الرئيس المصري أنه لا ينوي تقديم استقالته في أي وقت قريب، قالوا إن أحدث شيء في استراتيجيتهم يعتمد على حث النخبة المصرية على فرض عزلة حوله بالدرجة التي تجعله يقف موقف المتفرج حتى نهاية حكمه.

يريدون أن يرحل مبارك بشرف، ولذا مرة أخرى يوم الجمعة، لم يطلب منه أوباما الرحيل خشية من أنه «كلما تمسك، سيكون من الصعب رحيله في اللحظة المناسبة».

وتعد عملية نقل الرسالة المناسبة إلى الدوائر التي تسمعها بصورة مختلفة مشكلة تواجهها الإدارة منذ بدء الأزمة قبل قرابة أسبوعين.

عندما ظهر المحتجون لأول مرة في ميدان التحرير، قالت كلينتون معبرة عن السيناريو الأميركي التقليدي الذي يصف مبارك بأنه حليف يمكن الاعتماد عليه ويحتاج إلى ضغط هادئ ومستمر من أجل القيام بإصلاح سياسي وفيما يتعلق بحقوق الإنسان: «تقييمنا هو أن الحكومة المصرية مستقرة وتبحث عن وسائل من أجل الاستجابة إلى احتياجات مشروعة ومصالح الشعب المصري».

وبعد أسبوع واحد، نحي هذا السيناريو جانبا للمرة الأولى خلال ثلاثة عقود. وفي مساء الثلاثاء، تابع أوباما ومساعدوه البارزون المختصون بالأمن القومي خطاب مبارك الذي كان به تحد، والذي رفض فيه تقديم الاستقالة، ولكنه أكد على أنه لا ينوي الترشح للانتخابات الرئاسية في سبتمبر (أيلول). وقد أكد ذلك على النتيجة التي كانوا قد خلصوا إليها مع تزايد الاحتجاج، وهي أنه سيبقى عدم الاستقرار حتى يرحل مبارك.

ويقول مسؤولون كانوا في غرفة العمليات مع الرئيس: «كان يحتاج إلى دفعة». وعندما انتهى خطاب مبارك، اتصل به أوباما واستمر الحوار لثلاثين دقيقة ساد فيها التوتر.

وبعد ذلك بوقت قصير، ظهر أوباما في بهو البيت الأبيض ليعلن أن «الانتقال المنظم يجب أن يكون ذا هدف، ويجب أن يكون سلميا، ويجب أن يبدأ الآن». ولم يضغط على مبارك كي يستقيل مباشرة، ولكن فسر موالون لمبارك ذلك على هذا النحو. وفي اليوم التالي نقل مناصرو الحكومة في حافلات إلى الميدان ليغيروا ما كان عملية سلمية بدرجة كبيرة.

ومع حلول يوم الجمعة، كان واضحا أن مبارك لن يرحل بلطف، وهو ما أدى إلى التحول الثالث في سياسة البيت الأبيض. وفي السر، عملت إدارة أوباما على تقليل الأنصار المهمين لمبارك في النخبة المصرية. وذهب وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي إلى ميدان التحرير، وبدا ذلك أنه يهدف إلى متابعة الجنود هناك، ولكن كان يسعى لربط نفسه بالمتظاهرين.

وترك ظهوره، إلى جانب زيارة قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى، وزير الخارجية المصري الأسبق تحت رئاسة مبارك، انطباعا بالعزلة المتزايدة للرئيس المصري.

وحاول أوباما الحديث عن مبارك بصورة مختلفة، في الأغلب بصيغة الماضي. ووصفه بأنه رجل حقق «هذا التحول النفسي»، وحثه على سؤال نفسه: «كيف أترك ورائي إرثا تكون فيه مصر قادرة على اجتياز هذه الفترة التي تشهد تغييرا؟».

وقال مسؤولون في الإدارة إنه عبر مكالمات تليفونية ورسائل بالبريد الإلكتروني من البيت الأبيض ووزارة الخارجية والبنتاغون حثوا «مجلس الحكماء» في مصر كي يبدأ صياغة تعديلات للدستور يمكن الدفع بها عبر البرلمان، مع حث سليمان على بدء حوارات مع عدد من القيادات في المعارضة، ومن بينها حركة الإخوان المسلمين، التي ظهر منها بعض قيادات تنظيم القاعدة.

وقال مستشار بارز لأوباما يوم السبت: «لا نحاول أن نوجه إرشادات، فالقيادة المصرية تعرف ما تحتاج إلى القيام به ولا يحتاجون إلينا لنحدد ذلك بالتفصيل».

ولكن كما أوضحت تعليقات ويزنر يوم السبت، لا تزال هناك آراء متباينة عن سرعة خروج مبارك. ويعترف بعض المسؤولين في الإدارة أن سليمان لديه الكثير من الأفكار القديمة.

ومن الصعب وصفه بأنه رمز للتغيير. ويقول نحو 12 أميركيا قاموا بزيارته في القاهرة في 23 يناير (كانون الثاني) إنه أصر على أن ما حدث في تونس لا يمكن أن يمتد إلى مصر. وقال مسؤول أميركي سابق كان حاضرا: «لم يروا القادم، ولم يكن في استطاعتهم فهم ذلك».

واتصل نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن بسليمان مرة أخرى يوم السبت ليؤكد، بحسب ما قاله البيت الأبيض، «على الحاجة إلى أجندة إصلاحية ملموسة وإطار زمني وخطوات فورية تبرهن للمواطنين والمعارضة على أن الحكومة المصرية ملتزمة بالإصلاح».

والقرار التالي الذي يواجهه البيت الأبيض هو كيف يضغط علنا على مبارك كي يقدم استقالته أو يقف موقف المتفرج.

ويعترف مسؤول في البيت الأبيض بأن الدبلوماسية الهادئة ربما تعزز الرأي العام داخل مصر وأماكن أخرى بأن أوباما ربما يكون راغبا في ترك الفرصة الثورية تمر خوفا على تأثير ذلك على المصالح الأميركية. ولمواجهة هذا الرأي، قضى أوباما يوم السبت في اتصالات مع زعماء داخل المنطقة، من تركيا إلى الإمارات، كما يفترض، لنقاش سرعة وقوة دفعهم لمبارك كي يتنحى.

ولكن يرغب الكثير من زعماء الشرق الأوسط في تجنب هذا النوع من النقاش، بحسب ما قاله مسؤول في الإدارة، خشية أن يكون هم عرضة للموجة التالية من الاحتجاجات – والإشارة التالية للبيت الأبيض بأنه حان وقت الرحيل.

* شارك في إعداد التقرير هيلين كوبر وسكوت شان من واشنطن، ومارك لاندلر من ميونيخ.

* خدمة «نيويورك تايمز»