جهود للحفاظ على قوس النصر في بغداد بعد تدمير أنصاب وتماثيل أقامها صدام

ضمن استعدادات الحكومة العراقية لاستقبال القمة العربية في مارس

عملية ترميم نصب قوس النصر تجري على قدم وساق داخل المنطقة الخضراء وسط بغداد (نيويورك تايمز)
TT

قررت الحكومة العراقية، بهدوء ومن دون إعلان أو جدل مسبق، إعادة تأهيل النصب المثير للجدل، قوس النصر، الذي يمثل كفي الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين وهما تمسكان بالسيف العربي، ومتقابلتين لتشكلان في تشابك السيفين من الأعلى صورة قوس، حيث يقوم هذا القوس عند مدخل ومخرج ساحة الاحتفالات الكبرى في منطقة الحارثية، بجانب الكرخ من بغداد، التي تمتد من الجانب الشرقي بنصب الجندي المجهول. ويقع النصبان، قوس النصر والجندي المجهول، اللذان صممهما النحات الراحل خالد الرحال، ضمن حدود المنطقة الخضراء، وسط العاصمة.

وقال علي الموسوي المتحدث باسم رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي إن الأخير قرر الحفاظ على التمثال، واوضح «لا نريد أن نكون مثل أفغانستان عندما أزال نظام طالبان مثل هذه النصب»، في إشارة إلى قيام طالبان بتدمير تماثيل بوذا في باميان، الأمر الذي أثار حينها سخطا عالميا. وأضاف «نحن أيضا لسنا مثل الألمان الذين أزالوا جدار برلين»، وتابع «نحن شعب متحضر، وهذا النصب جزء من ذاكرة هذا البلد»، حسبما ذكره لصحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية.

لكن نحاتا عراقيا، كان موظفا في دائرة الفنون التشكيلية العراقية، وعمل مساعدا للنحات الراحل خالد الرحال، رد على تصريحات الموسوي، قائلا «لقد شنت حكومتا إبراهيم الجعفري ونوري المالكي حربا غير حضارية على النصب الفنية ببغداد، فهدمت نصب المسيرة للنحات الرحال الذي كان قائما بمنطقة علاوي الحلة، بجانب الكرخ من بغداد، لأسباب سياسية، ونصب باني بغداد، أبو جعفر المنصور لأسباب طائفية، ونصب اللقاء، في ساحة اللقاء بحي المنصور، الذي يرمز للمرأة والرجل، للفنان علاء بشير، وهو نصب اجتماعي عاطفي»، منبها إلى أن «الحكومة العراقية لم تستجب لنداءات المثقفين العراقيين بضرورة الحفاظ على النصب الفنية، إذ إن نصب قوس النصر ذاته كان مهددا بالتهديم لولا إصرار مؤسسة الذاكرة العراقية التي يترأسها الدكتور كنعان مكية باعتبار أن مؤسسته مسؤولة عن بقاء هذا النصب»، ومتسائلا عن مصير عشرات النصب والتماثيل لصدام حسين التي تم رفعها من مناطق مختلفة من العراق.

وتحدث النحات عن ظروف إقامة قوس النصر، قائلا، «إن النحات خالد الرحال كان قد قدم نموذج قوس النصر، ضمن مسابقة شارك بها عدد كبير من الفنانين العراقيين، إلى دائرة الفنون التشكيلية نهاية عام 1983 بناء على دعوة من رئاسة الجمهورية لتصميم قوس نصر عراقي تستعرض من تحته القوات المسلحة»، مشيرا إلى أن النماذج المشاركة في المسابقة عرضت جميعها على صدام حسين الذي أعجبته فكرة خروج ذراعه من الأرض وكفه اليمنى تمسك بالسيف العربي، فوافق عليها وأمر بتنفيذها، إذ تم إنجازه عام 1985».

وأضاف النحات الذي فضل عدم نشر اسمه، قائلا لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف من عمان، أمس «في صيف 1985 استقبل صدام حسين الرحال ليعمل نسخة جبسية لذراع وكف الرئيس العراقي، وقتذاك، وبالفعل نفذ النسخة الجبسية التي أرسلت إلى إحدى الدول الأوروبية، يعتقد بريطانيا، لتنفيذها بنسخة مكبرة ومن مادة النحاس»، منوها بأن «شكل الذراع والكف التي تحمل السيف العربي هي نسخة حقيقية من ذراع وكف الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين».

وأشار النحات العراقي إلى أن «صدام حسين كان قد تحمس لهذه الفكرة كون العراق كان يخوض الحرب ضد إيران، وفلسفة النصب تقوم على أساس القتال، كف تحمل السيف العربي، إذ كانت هناك نماذج أخرى فنية ومعمارية».

وكان صدام حسين قد افتتح قوس النصر الذي أتم تنفيذه النحات محمد غني حكمت، بعد وفاة الرحال، خلال الحرب العراقية - الإيرانية حيث سار من تحته ممتطيا صهوة فرس أبيض، قبل أن تستعرض في ساحة الاحتفالات قطعات من الجيش العراقي عند نهاية الحرب.

وأوضح النحات العراقي أن «صدام حسين كان قد وجه لوضع عدد من خوذ الجنود الإيرانيين في شبكة وكذلك في الشارع قرب نصب قوس النصر في إشارة إلى انتصار الجيش العراقي على القوات الإيرانية في الحرب التي امتدت لـ8 سنوات».

إلى جانب قوس النصر وضعت كلمة مكتوبة بخط صدام حسين ومنقوشة على المرمر وتحمل توقيعه، يقول فيها «إن من أسوأ الحالات أن يمر المرء تحت سيف ليس سيفه، وانطلاقا من هذا المفهوم، فقد اخترنا أن يمر العراقيون مستعرضين تحت علمهم الخفاق، محفوظا ومحميا بسيوفهم التي جزت رقاب المعتدين فأقمنا قوسا للنصر».

ويأتي إعادة تأهيل نصب قوس النصر ضمن استعدادات بغداد لاستضافة القمة العربية المقررة في مارس (آذار) المقبل وإعادة تأهيل وتجميل العاصمة العراقية ضمن ميزانية قدرها 194 مليون دولار.

غير أن الكثيرين من نواب البرلمان العراقي لم يعلموا بقرار الحكومة العراقية وأعرب الكثير منهم عن دهشتهم لذلك بل إن بعضهم شعر بالغضب. وكان حكيم الزاملي القيادي في التيار الصدري قد اقترح الأسبوع الماضي الحفاظ على السيفين باعتبارها رمزا للعرب لكنه دعا إلى إزالة قبضة اليد لأنها ترمز لصدام.

ومن جهته، قال مكية من مقره في الولايات المتحدة «أنا سعيد لإعادة إعماره، ليس لأنه تحفة فنية رائعة بل لأنه رمز نموذجي للتجربة البعثية». وأضاف أن النصب «فج، ولكنه فج بطريقة رهيبة وبشعة وفريدة لا يمكن وصفها».