مصر: توافق سياسي على «تجاوز الأزمة» بين نائب الرئيس وقوى المعارضة

حركة الشباب ترفض.. و«الإخوان» ملتزمون بموقف ميدان التحرير

قادة المعارضة المصرية خلال اجتماعهم مع نائب الرئيس المصري عمر سليمان أمس (أ.ب)
TT

دخلت حالة الاحتقان السياسي في مصر مرحلة جديدة دون أن تتجاوز عنق الزجاجة في أعقاب توافق قوى سياسية في البلاد على بيان «تجاوز الأزمة»، بعد سلسلة من المشاورات مع نائب رئيس الجمهورية اللواء عمر سليمان بدأت منذ يومين. واستهل المؤتمرون جلسة الحوار التي شاركت فيها جماعة الإخوان المسلمين بالوقوف دقيقة حداد على شهداء مظاهرات الغضب التي اندلعت في مصر يوم 25 يناير (كانون الثاني) الماضي.

إلى ذلك، طالب د. حسام بدراوي، الأمين العام للحزب الوطني الحاكم، بإلغاء حالة الطوارئ فور استتباب الأمن، وأكد ضرورة أن تشتمل التعديلات الدستورية، المزمع إجراؤها في الفترة المقبلة، على تعديل المادة 88 لضمان الإشراف القضائي الفعال على الانتخابات، جاء ذلك في إطار الحوار الوطني الذي بدأه السيد عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، مع عدد من القوى الوطنية والشخصيات السياسية والحزبية وممثلين عن شباب المتظاهرين المعتصمين في ميدان التحرير.

وأضاف بدراوي لـ«الشرق الأوسط» أنه طالب خلال الحوار بالإفراج عن المعتقلين من شباب «حركة 25 يناير»، وأكد أنه سيبذل قصارى جهده مع الجهات المعنية، كما أشار إلى مطالبته بحرية وسائل الإعلام والاتصالات وعدم فرض أي قيود على نشاطها.

على صعيد آخر، رفض ائتلاف شباب «حركة 25 يناير»، الذي يقود حركة الاحتجاج في ميدان التحرير المقررات التي شملها البيان، قائلا إن «من شارك في الاجتماع من ممثلي الشباب فقدوا مصداقيتهم ولا يعبرون عن الحركة».

وقال شادي الغزالي حرب، أحد قيادات القيادة الموحدة بميدان التحرير، إن ائتلاف «حركة 25 يناير» يرفض مقررات بيان نائب رئيس الجمهورية، ويعلن استمرار الاعتصام. وتابع: «الكرة في ملعب النظام المصري وعليه الاستجابة للمطلب الأول، وهو تنحية الرئيس مبارك قبل الدخول في أية مفاوضات جدية»، مشيرا إلى أن الخطوات التصعيدية مستمرة، داعيا إلى مظاهرة مليونية أخرى يوم الثلاثاء المقبل، مؤكدا التزام القوى الرئيسية المشاركة في «حركة 25 يناير» بقرارات القيادة الموحدة بمن في ذلك جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في القيادة الموحدة.

وأكد البيان، الذي صدر أمس عقب لقاء سليمان ممثلي الأحزاب والقوى السياسية، ومن بينهم جماعة الإخوان المسلمين وممثلو «شباب 25 يناير»، توافق كافة أطراف الحوار على تقدير واحترام «حركة 25 يناير»، وعلى ضرورة التعامل الجاد والعاجل والأمين مع الأزمة الراهنة التي يواجهها الوطن، ومع المطالب المشروعة لـ«شباب 25 يناير» والقوى السياسية في المجتمع.

وشدد المجتمعون على التمسك بالشرعية الدستورية في مواجهة التحديات والمخاطر التي تواجه مصر في أعقاب هذه الأزمة، وأشاروا إلى ما صاحب الأزمة الراهنة من محاولات للتدخل الخارجي في الشأن المصري الخالص، واختراق أمني لعناصر أجنبية دخيلة على مجتمعنا تعمل على زعزعة الاستقرار تنفيذا لمخططاتها، مع الإقرار بأن «حركة 25 يناير» حركة وطنية وشريفة.

وقال البيان «إن أطراف الحوار الوطني اتفقت على عدد من الترتيبات السياسية والإجراءات الدستورية والتشريعية، توافقت فيما بينها على أن تكون ذات طبيعة مؤقتة ولحين انتخاب رئيس للبلاد بعد انتهاء الولاية الحالية للرئاسة».

ومن بين تلك الترتيبات التي تم الاتفاق عليها بين أطراف الحوار الوطني؛ تنفيذ التعهدات الواردة في كلمة الرئيس المصري، حسني مبارك، للأمة أول فبراير (شباط)، وهي: عدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، وتحقيق الانتقال السلمي للسلطة وفقا لأحكام الدستور، وإجراء تعديلات دستورية تشمل المادتين 76 و77 وما يلزم من تعديلات دستورية أخرى تتطلبها عملية الانتقال السلمي للسلطة، وإجراء ما يلزم من التعديلات التشريعية المترتبة على تعديلات الدستور.

كما تم الاتفاق على تنفيذ قرارات محكمة النقض في الطعون المقدمة على انتخابات مجلس الشعب، وملاحقة الفاسدين والتحقيق مع المتسببين في الانفلات الأمني، الذي أعقب انتفاضة الشباب، طبقا لأحكام القانون، واستعادة أمن واستقرار الوطن، وتكليف جهاز الشرطة بالاضطلاع بدوره في خدمة الشعب وحماية المواطنين.

واتفق المجتمعون على ضرورة «تشكيل لجنة تضم أعضاء من السلطة القضائية وبعضا من الشخصيات السياسية، تتولى دراسة واقتراح التعديلات الدستورية، وما تتطلبه من تعديلات تشريعية لبعض القوانين المكملة للدستور في ميعاد ينتهي في الأسبوع الأول من مارس (آذار) المقبل».

وتعهدت الحكومة بفتح مكتب لتلقي الشكاوى عن معتقلي الرأي من كافة الانتماءات، والإفراج عنهم فورا، مع تعهد الحكومة بعدم ملاحقتهم أو التضييق عليهم في ممارسة نشاطهم السياسي، وتحرير وسائل الإعلام والاتصالات، وعدم فرض أي قيود على أنشطتها تتجاوز أحكام القانون، وتكليف الأجهزة الرقابية والقضائية بمواصلة ملاحقة الفاسدين والمسؤولين عما شهدته البلاد من انفلات أمني خلال الأحداث الأخيرة ومحاسبتهم.

كما تم التعهد بإنهاء حالة الطوارئ طبقا للظروف الأمنية، وإنهاء حالة التهديد الأمني للمجتمع، وأكدت كل الأطياف رفضها التام للتدخل الأجنبي بكافة صوره وأشكاله في الشأن الداخلي المصري.

وتقرر تشكيل «لجنة وطنية للمتابعة» تضم شخصيات عامة ومستقلة من الخبراء والمتخصصين وممثلين عن الحركات الشبابية، تتولى متابعة التنفيذ الأمين لكافة ما تم التوافق عليه، مع رفع تقاريرها وتوصياتها لنائب رئيس الجمهورية، ولم يتم تسميتها في الوقت الراهن.

وأشادت كافة أطراف الحوار بالدور الوطني المخلص للقوات المسلحة المصرية التي وصفوها بـ«الباسلة»، في هذه المرحلة الدقيقة، مؤكدين تطلعهم لمواصلة هذا الدور في استعادة الهدوء والأمن والاستقرار، وفي ضمان تنفيذ ما أسفرت عنه اجتماعات الحوار الوطني من توافق وتفاهمات.

وقال الدكتور محمد مرسي، عضو مكتب الإرشاد، الذي شارك في اجتماع أمس مع نائب الرئيس المصري، إن «الإخوان» يعتبرون ما تم «جلسة أولى لبداية حوار جاد»، مؤكدين حرصهم على الحوار مع الالتزام بمطالب الشباب بميدان التحرير والاستمرار في التظاهر والاعتصام. وأعرب مرسي عن اعتقاده بأن الذي صدر عن الاجتماع لن يقنع المعتصمين بميدان التحرير، لافتا لقناعة «الإخوان» بأن البيان خطوة أولى غير كافية ضمن خطوات ضرورية أخرى مطروحة لحوار مستمر.

وقال مرسي لـ«الشرق الأوسط» إن نائب الرئيس كان حريصا على الاستماع لكل وجهات النظر، وكان معظمها متوافقا في الرأي، متوقعا أن يشهد الشهر المقبل خطوات جدية فيما يتعلق بالتعديلات الدستورية ووضع مجلسي الشعب والشورى.

وأكدت جماعة «الإخوان» في بيان لها أمس أن قبولها الدخول في جولة الحوار جاء رغبة منها في توصيل هذه المطالب مباشرة للمسؤولين الجدد حتى يختبروا جديتهم في الاستجابة لها، وحتى يجنبوا البلاد مزيدا من الخسائر نتيجة ما وصفوه بـ«تصلب النظام وعناده».

وقال البيان «لقد طلبنا أن يتم تغيير المناخ الذي يتم فيه الحوار عن المناخ الحالي لبعث قدر من الثقة المفقودة بين الشعب والنظام، ولذلك طلبنا تنفيذا فوريا لكثير من الإصلاحات التي لا تحتاج لإجراءات دستورية وقانونية لطمأنة الشعب ولإثبات الجدية وحسن النية في الاستجابة لباقي المطالب».

وتابع: «ليست لنا أجندة خاصة، ولا نريد ركوب الموجة كما يدعي المبطلون، ولقد كررنا كثيرا أننا لسنا طلاب سلطة ولسنا متطلعين إلى منصب ولا جاه، وكذلك فلن نرشح أحدا منا لرئاسة الدولة».

من جانبه، قال الدكتور منير فخري عبد النور، سكرتير عام حزب الوفد المشارك في الحوار، إن النظام المصري قدم الحد الأدنى من المطالب المرفوعة، لافتا إلى أن حزبه تعامل مع البيان بإيجابية حرصا على الشرعية الدستورية.

وأضاف عبد النور أن «الوفد» قبل ما قدمه نائب الرئيس وسيواصل تحركه السياسي لنيل المزيد من المطالب المشروعة، مرجحا ألا يقنع البيان في صورته الأخيرة «حركة 25 يناير»، مؤكدا أنه ليس هناك اتفاق حتى الآن على لقاءات أخرى، بحسب علمه.

من جهته، قال سامح عاشور، رئيس الحزب الناصري، إن حزبه قرر تعليق الحوار الوطني مع نائب الرئيس حتى يتم الاستجابة للمطلب الرئيسي للحركة الشعبية وهو ضرورة تنحي الرئيس المصري، فيما بدأت محاولات لإيجاد حلول وسط لتجاوز هذه العقبة تمثلت في اقتراح بمغادرة الرئيس مبارك البلاد وغيابه عن المشهد السياسي مع بقائه في منصبه.

وشارك في اللقاء الذي عقد أمس كل من: رؤساء أحزاب «الوفد» السيد البدوي، و«التجمع» رفعت السعيد، و«الجيل» ناجي الشهابي، و«الاتحاد» أسامة شلتوت، والدكتور حسام بدراوي الأمين العام للحزب الوطني.

كما شارك فيه ممثلون عن «الإخوان»، منهم الدكتور سعد الكتاتني، والدكتور محمد مرسي، وشخصيات عامة وحزبية، منها منير فخري عبد النور، ومحمود أباظة، ويحيى الجمل، ونجيب ساويرس، ومصطفى بكري، ومحمد رجب، ومكرم محمد أحمد، ومنصور حسن وزير الإعلام الأسبق.