معارك أسانج الشخصية تغطي على إنجازات موقعه «ويكيليكس»

مؤسس الموقع يمثل أمام القضاء البريطاني لبحث تسليمه إلى السويد بتهم جنسية

TT

احتشدت مجموعة من الصحافيين خلال أحد الأيام القليلة الماضية أمام نادي صحافة بلندن، ينتظرون بفارغ الصبر وصول جوليان أسانج. وبعد تسببه في حرج بالغ للحكومة الأميركية بنشره كما هائلا من المراسلات السرية، كان على وشك الوقوف إلى جوار أحد كاشفي الأسرار السويسريين الذي يمكن للبيانات التي يملكها أن تفضح الأعمال الداخلية للملاذات الضريبة والمتهربين من الضرائب الذين يحبونها.

بيد أنه قبل أن يصل أسانج، ناشد مدير الجلسة وسائل الإعلام بعدم توجيه أسئلة إلى أسانج حول الاتهامات التي تلاحقه في السويد. وأبرز الحدث الذي شهدته قاعة «فرونت لاين كلب» بلندن، ناضل الأسترالي البالغ من العمر 39 عاما خلال الأسابيع القليلة الأخيرة للتركيز على «ويكيليكس» والوثائق التي كشف عنها والتي هزت العالم، على الرغم من المعارك الشخصية التي خاضها ضد المزاعم بارتكابه اعتداءات جنسية في السويد، حيث يمثل أسانج أمام محكمة لندن اليوم الاثنين في جلسة استماع ستبلور حالة الانقسام التي تشهدها «ويكيليكس». فمن ناحية، هناك «ويكيليكس»، الموقع الإلكتروني الذي اضطلع بمهمة موسعة شملت كل شيء، بدءا من الخوف الذي دب في نفوس المتهربين من الضرائب إلى المساهمة في إذكاء لهيب المظاهرات في العالم العربي، والشق الآخر هو أسانج نفسه، مؤسس الموقع الذي تهدد شخصيته بالتعتيم على عمل المنظمة. وعلى الرغم من أنه لا يزال موقوفا بصورة جزئية خلال فترة معركته القانونية، يبدو أسانج أكثر تحفزا عن ذي قبل، وتحولت علاقته بالإعلام إلى علاقة عاصفة على نحو متزايد، فقد توترت علاقته بصحيفتي «نيويورك تايمز» الأميركية و«الغارديان» البريطانية اللتين تحالف معهما من قبل. وقد نشر صحافيان في «الغارديان» هذا الأسبوع كتابا يصور أسانج بالشخص القاسي والمتشبث برأيه، كما سينشر دانييل دومسشيت بيرغ الرجل الثاني سابقا في مؤسسته هذا الأسبوع أيضا كتابا يروي فيه تفاصيل كل شيء. ثم هناك المزاعم التي تلاحقه. وعلى الرغم من تركيز جلسة الاستماع التي ستمتد على مدار يومين على شكليات تسليم المطلوبين، فإن أشخاصا مطلعين على القضية توقعوا أن تشهد المحاكمة روايات تفصيلية بشأن الادعاءات المقدمة من امرأتين سويديتين. وبموجب تلك الادعاءات التي برزت في أغسطس (آب) الماضي بعدما زار أسانج السويد، فإن الرجل مطلوب للاستجواب فقط ولم توجه له أي تهم بعد. وخلال رحلته تلك، كانت لأسانج، حسبما أقر جميع الأطراف، علاقة حميمية مع المرأتين بموافقتهما، لكن المرأتين تراجعتا لاحقا وقالتا إن الأمر حدث دون رغبتهما.

ويؤكد دفاع أسانج أن بعض هذه المزاعم (استمرار مواصلته ممارسة الجنس على الرغم من انفلات الواقي الذكري وعلى الرغم من اعتراض شريكته في العلاقة وأنه مارس الجنس مع امرأة وهي نائمة)، لا ينظر إليها كجرائم كبرى في بريطانيا، ومن ثم فلن ينطبق عليها شروط الترحيل.

وتقول جنيفر روبنسون، وهي واحدة من فريق الدفاع عن أسانج إن موكلها «يأخذ الاتهامات على محمل الجد». وتضيف روبنسون: «إنه يصر على براءته وأن تلك العلاقة كانت بين بالغين متوافقين، وإن العلاقة بهذا الشكل لا تعتبر اغتصابا في بريطانيا، لكن قانون الاغتصاب في السويد يختلف عن القانون البريطاني».

وأشار محامو أسانج أيضا إلى أن المزاعم تحركها دوافع سياسية وجزء من مؤامرة دبرت بإحكام وحاكتها ستوكهولم وواشنطن حتى تتمكن في النهاية من تسليمه إلى الولايات المتحدة.

لكن على الرغم من أن المسؤولين في الولايات المتحدة يبحثون توجيه اتهامات له، فإن ذلك لم يحدث بعد. وإضافة إلى ذلك، فإن خبراء القانون الأميركيين يقولون إن أي طلب لتسليم أسانج سيكون سهل التنفيذ في حال بقي الرجل في بريطانيا التي وقعت علاقات تسليم مطلوبين مع الولايات المتحدة على عكس السويد. ومن المقرر أن تنتهي جلسة الاستماع يوم غد الثلاثاء، إلا أن خبراء يقولون إن القضية ربما تستغرق شهورا. وقال جوشوا رودريغيز المحلل القضائي البريطاني: «ربما تتواصل المحاكم حتى الصيف، ومن المتوقع أن ينتظر القاضي أسبوعين أو ثلاثة لإصدار حكمه مكتوبا لأنه يعلم أن المحاكمة محط أنظار الجميع. ثم يأتي بعد ذلك دور المحكمة العليا». وفي الوقت ذاته، لا يزال أسانج في بؤرة الضوء. ويروي صحافيا «الغارديان»، ديفيد ليغ ولوك هاردينغ، في كتابهما «ويكيليكس: وسط حروب جوليان أسانج ضد السرية»، محادثة مع أسانج في يوليو (تموز) تمت في مقهى مغربي بلندن. وعندما طلب منه الصحافيان تنقيح أسماء المخبرين المذكورين في وثائق الحرب الأفغانية والتي كانت على وشك الإفراج عنها، رفض أسانج في بداية الأمر، وقال، وفق رواية الصحافيين: «حسنا إنهم مخبرون. ومن ثم إذا قتلوا فقد جلبوا ذلك لأنفسهم. إنه يستحقونه». وعلى الرغم من موافقة أسانج في نهاية الأمر، فإن الأمر أثار حفيظة الصحافيين. وقال ليغ في مقابلة معه: «خيم الصمت على المكان. اندهشنا من إمكانية أن يوصف أسانج بالشخص القاسي، لكنه كان ساذجا أيضا. فعدم حجب أسماء المخبرين لم يكن ليؤثر على تعقيدات الحياة في أفغانستان، ويبدو أنه لم يدرك ذلك».

لا يزال أسانج، الذي وقع عقدا لنشر كتاب يروي فيه تفاصيل حياته، صامدا. وقال في مقابلة مع القناة الرابعة لهيئة الإذاعة البريطانية: «أنت في موقف قوي للغاية إذا كنت ستستشهد دون أن تموت».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»