المتظاهرون في ميدان التحرير يتحدون الأمطار بالغناء في أسبوع الصمود

مسلمون ومسيحيون أقاموا صلواتهم على أرواح الشهداء.. وتضامن في الإسكندرية وسيناء

أقباط ومسلمون يرفعون المصحف والصليب ويرددون شعارات ضد النظام (أ.ف.ب)
TT

بعد ثلاثة عشر يوما من بدايتها، تحولت متابعة أخبار ومستجدات المظاهرات بميدان التحرير في وسط القاهرة، وفي المدن الرئيسية، إلى خبز يومي في حياة المصريين، سواء من قبل المؤيدين لاستمرار الرئيس المصري حسني مبارك أو المناوئين له، أو حتى من الفصيل الثالث الذي بدأ يظهر على المشهد، من فئة المحايدين، الذين توجهوا إلى أعمالهم صباح أمس بينما تتابع آذانهم الأخبار التي تردهم من الإذاعات المختلفة حول الموقف، الأمر الذي جعل أحد المراقبين يقرر أن المصريين سيأخذون وقتا كي يتعودوا على مشهد خلو ميدان التحرير من المظاهرات.

وكانت أبرز ملامح المظاهرات أمس، هطول أمطار كثيفة، وهو ما مثل تحديا جديدا أمام المتظاهرين في أسبوع الصمود، كما شهد ميدان التحرير قيام المتظاهرون بأداء صلاة الغائب على أرواح الضحايا الذين سقطوا في خضم الأحداث، بالتبادل مع إقامة المسيحيين الأرثوذكس لقداس الأحد، الذي أطلق عليه «أحد الشهداء»، إضافة إلى فرض الملمح الفني لنفسه على سطح الأحداث، حيث تحولت ساحة الميدان وما يحيطه من شوارع جانبية إلى مسارح مفتوحة، وسامر مستديم، لغناء الأغنيات والأناشيد الوطنية والحماسية.

وتبادل المسلمون والمسيحيون أماكن الصلاة في الميدان، الذي أصبح العنوان الأبرز على الساحة المصرية، وتولى كل فريق حماية ظهر الآخر خلال صلاته. وعقب الصلاة والقداس هتف المسلمون والمسيحيون «يحيا الهلال مع الصليب» و«كلنا إيد واحدة»، في مشهد حضاري يؤكد الوحدة الوطنية بين عنصري الأمة في مصر. وقالت مصادر كنسية رفيعة المستوى في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط»: «المسيحيون ورجال الدين الذين شاركوا في مظاهرات التحرير لا يعبرون عن الرأي الرسمي للكنيسة الأرثوذكسية بمصر»، مضيفة أن البابا شنودة اتصل هاتفيا بالرئيس مبارك، عقب خطابه الذي أعلن فيه أنه لن يترشح لفترة جديدة، وعبر له عن تأثره بالخطاب وثقته أن الرئيس سيتجاوز بمصر الأزمة الحالية.

وقال البابا شنودة الثالث في تصريحات تلفزيونية له الليلة قبل الماضية إن «هناك نقاطا مضيئة وراء احتجاجات الشباب المصري في ميدان التحرير، أهمها فكرة الحوار مع الأحزاب والقوى السياسية الأخرى، والحوار مع لجنة الحكماء التي تشكلت».

ولم تؤثر الأمطار التي هطلت على القاهرة أمس في أعداد المتظاهرين في ميدان التحرير، الذين لجأوا إلى طرق مبتكرة لحماية رؤوسهم من مياه الأمطار منها صنع واقيات للرأس من الكرتون والأواني المعدنية والسلال البلاستيكية وأوراق الصحف، في حين اعتبر البعض الأمطار «بُشْرِة خير» على قرب انفراج الأزمة الحالية. وظل عشرات الآلاف في مواقعهم بالميدان أمس رغم الأمطار، إذ استمر توافد المتظاهرين المعارضين لنظام الرئيس المصري عبر مداخل الميدان المختلفة. وظلت الإذاعة الداخلية بالميدان تعلن عن وجود زحام على أحد المنافذ وتوجه الراغبين في الدخول إلى مداخل أخرى، أو تطلب من الشباب تغيير ورديات الحراسة على المداخل وتبادل الأدوار مع زملائهم الواقفين منذ الصباح لمنحهم قسطا من الراحة.

من جهة أخرى، خلا ميدان عبد المنعم رياض من المتظاهرين المؤيدين للرئيس مبارك، وإن ظلت 8 سيارات إسعاف متوقفة بالميدان تحسبا لنقل أي حالة مرضية إلى المستشفيات. إلى ذلك، شهدت أركان الميدان ومختلف جنباته ساحات فنية شعبية، حيث تذيع مكبرات الصوت أغنيات وطنية وحماسية مسجلة لأم كلثوم والشيخ إمام عيسي.. أو حفلات حية في أماكن أخرى لفرق موسيقية شابة، بعضها شرقي بآلات مثل العود والرق والطبلة والناي، أو غربي الآلات بالأورغ والغيتار وآلات النفخ النحاسية، يشدو فيها شباب المطربين من الهواة أو المحترفين بأغنياتهم الخاصة أو الأغاني التراثية لسيد درويش وأحمد منيب وفيروز وقصائد محمود درويش وأمل دنقل وأحمد فؤاد نجم وغيرهم.. بينما كان النشيد الوطني المصري «بلادي بلادي» هو القاسم المشترك الذي ما إن ينطلق في أحد الأركان حتى يزأر به جميع المتظاهرون.

وفي الإسكندرية، خرج نحو نصف مليون متظاهر في مسيرات حاشدة انطلقت من أمام مسجد القائد إبراهيم بمنطقة محطة الرمل وسط المدينة لتجوب للمرة الأولى المناطق الشعبية. وأشار المتظاهرون إلى أن تعديل خط سيرهم جاء ردا على القنوات الإعلامية المحلية والفضائية المصرية التي تحاول تصوير أن المظاهرات قد انتهت، وحتى يثبتوا للجميع أن مطالب المظاهرات ما زالت معلقة ولم يتم تنفيذها بعد.. وشارك في المسيرات أعداد كبيرة من أعضاء النقابات المهنية بالإسكندرية كالأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين وغيرهم.

وقال هادي محمود، أحد الشباب المشاركين، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نطالب بتطبيق المادة 139 من الدستور، والتي تتيح للرئيس تفويض صلاحياته لنائبه»، مشيرا إلى أن عودة المتظاهرين لمنازلهم الآن سوف تتسبب في التفاف النظام الحاكم حول هذه المطالب، على حد قوله، والعودة مرة أخرى إلى نقطة الصفر.

وأشار محمود إلى أنه على الرغم من استبعاد وزير الداخلية السابق حبيب العادلي، فإن جميع القيادات الأمنية التي مارست القمع والقهر والتعذيب ما زالت باقية في مناصبها وهي أمور تفاقم من أزمة الثقة التي تشكل حاجزا بين الطرفين ولن يحلها سوى تنحي الرئيس وتسليم السلطة لنائبه، على أن تقوم حكومة انتقالية بتنفيذ مطالب الشعب كافة.

من جانبه، قال الدكتور محمد البنا، رئيس لجنة النقابات المهنية بالإسكندرية التي تضم 500 ألف عضو، لـ«الشرق الأوسط»: «عقدنا جمعية عمومية طارئة لممثلي كل التيارات في النقابات المهنية كافة، وتوصلنا إلى تحديد مطالب بعينها، وعلى رأسها قيام الرئيس مبارك بتفويض صلاحياته كافة لنائبه اللواء عمر سليمان، وتعيين حكومة إنقاذ وطني من التيارات السياسية كافة، على أن يراعى في تشكيلها أن تضم شبابا ممن قاموا بهذه المظاهرة. إلى جانب إلغاء القوانين الاستثنائية كافة المقيدة للحريات وأهمها قانون الطوارئ، وإطلاق حرية تشكيل الأحزاب».

وقال القيادي الإخواني الدكتور حمدي حسن: «سوف نستمر في المشاركة في المظاهرات والمسيرات الحاشدة بالتوازي مع جلسات التفاوض التي قررنا المشاركة فيها مع المسؤولين»، مشيرا إلى أن جلسة اليوم بين أعضاء بالجماعة ومسؤولين بالنظام المصري لم تكن جلسة للتفاوض بقدر ما كانت جلسة مبدئية لعرض المطالب، ولافتا إلى أنه لم يتم حتى الآن التفاوض حول هذه المطالب بعد.

وشدد حسن على أن جماعة «الإخوان» تضع على رأس أولويات طلباتها حل الحزب الوطني الحاكم، وإحالة 42 رجل أعمال من قياداته للمحاكمة.

وفي سياق مواز، انتشرت التجمعات الأمنية الشرطية في عدة أماكن بالإسكندرية، وبعضها صادفها المتظاهرون في طريق مسيراتهم التي جابت المدينة، إلا أنه لم تحدث أية احتكاكات بين الطرفين. وفي سيناء الشمالية، نظمت القوى السياسية وأحزاب المعارضة مظاهرة أمام مسجد الرفاعي بالعريش عقب صلاة الظهر، تضامنا مع المحتجين في ميدان التحرير بالقاهرة وبعض المحافظات الأخرى للمطالبة بإسقاط النظام.

ورفع المحتجون، الذين بلغ عددهم نحو ألف متظاهر، اللافتات المطالبة بضرورة التغيير الشامل وتعديل الدستور وإلغاء قانون الطوارئ والإفراج عن المعتقلين وإلغاء الأحكام الغيابية إلى جانب التنديد بارتفاع الأسعار والبطالة، مؤكدين أن وقفتهم سلمية لحين الاستجابة لمطالبهم وتغيير النظام.

وعلى صعيد ذي صلة، قدم أعضاء لجنة حزب التجمع بشمال سيناء استقالات جماعية وأعلنوا انسحابهم من تشكيلات الحزب كافة، وذلك ردا على اشتراك رموز لحزب التجمع في مبادرة الحوار مع نائب الرئيس اللواء عمر سليمان.