طهران تنظر بعينين مختلفتين إلى مظاهرات ميدان التحرير

السلطات اعتبرتها بوادر ثورة إسلامية مستلهمة من إيران.. والمعارضة تراها حافزا للإصلاح

TT

في الوقت الذي وصف فيه قادة إيران ما يجري في مصر في الوقت الراهن بالمسوغ لثورتهم الإسلامية التي قامت قبل 32 عاما، رأت المعارضة الإيرانية فيما يحدث تذكيرا لهم بمطلبهم بالإصلاح السياسي الذي لم يتحقق.

هذه الروايات المتناقضة تعبر بجلاء عن حالة الانشقاق العميقة التي تفصل الرئيس محمود أحمدي نجاد ومعاونيه عن حركة المعارضة المناضلة، التي تشكل الطبقة الوسطى من أبناء المدن والسياسيين الذين غادر السلطة السواد الأعظم منهم، والذين عبر غالبيتهم عن شكوكهم إزاء ما ستسفر عنه الأحداث في مصر من السماح للمعارضة السياسية برؤيتها من منظورهم هم.

وفي تأييد للحركات الشعبية في مصر وتونس، وصف القادة الإيرانيون ما جرى في هاتين الدولتين بأنه إشارة إلى أن المنطقة تنهض في وجه الولايات المتحدة. فشبه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، هذه الأحداث بالزلزال الذي يجتث «موظفي» الولايات المتحدة من القادة العرب، ويعكس تراجع النفوذ الأميركي. بيد أن مشهد الحكومة الإيرانية، التي وقفت تحيي المتظاهرين المصريين، كان بالنسبة للإيرانيين الساخطين مثيرا للسخرية إلى حد بعيد. فعندما اندلعت المظاهرات العارمة في شوارع طهران عام 2009، وصف القادة الإيرانيون القائمين عليها بمثيري الشغب المدعومين من الغرب. ودفعوا بقوات شبه عسكرية حاملين الهراوات والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.

لكن قادة المعارضة يأملون في استغلال الأحداث التي شهدتها مصر كحافز جديد، ويسعون إلى الحصول على تصريح من الحكومة للقيام بمظاهرة الاثنين المقبل في وسط طهران. فصرح المرشحان الرئاسيان السابقان، مير حسين موسوي ومهدي كروبي، بأنهما يرغبان في دعوة الإيرانيين إلى القيام بمسيرة حاشدة للتعبير عن تضامنهم مع الثوار الساعين إلى الحرية من الشعبين التونسي والمصري ضد الأنظمة الطاغية، بحسب الموقع الرسمي للمرشح، مهدي كروبي سهام نيوز، الأحد.

وكانت الحكومة الإيرانية قد رفضت الدعوات السابقة التي طالبت بالقيام بمسيرات تأييدا للأحداث التي شهدتها مصر وتونس. لكن الدعوة تثبت أن حركة المعارضة لا تزال قوية وترى نفسها، كما هو حال الحكومة، تقاسم المتظاهرين المصريين أهدافهم. من جانبها، تعد الحكومة الإيرانية لمسيرات تدعمها الدولة (الجمعة)، بالتوافق مع الاحتفال بالعيد الثاني والثلاثين للثورة الإيرانية، التي نزل فيها ملايين الإيرانيين للشوارع وأجبروا الشاه المدعوم من قبل الولايات المتحدة، محمد رضا بهلوي، على الرحيل عن إيران.

وقال خامنئي في خطبة يوم الجمعة: «لقد استغرقت الشعوب الإسلامية وقتا حتى تتمكن من محاكاة التجربة الإيرانية، لكن السياسات الإيرانية الثابتة المناوئة للولايات المتحدة أثارت إعجاب الكثير من الشعوب المقهورة في العالم، وقد أثبت الثوار في مصر وتونس أن الثورة الإسلامية صارت مثلا يحتذى في المنطقة». وعلى الرغم من تصوير خامنئي ما حدث في مصر بالصحوة الإسلامية المستلهمة من إيران، أكدت جماعات المعارضة المصرية، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة، على الطبيعة العلمانية لمظاهراتهم.

وعلى الرغم من تسبب الثورة الإيرانية في قطع علاقات إيران بالولايات المتحدة، فإنها أسهمت في خلافات عميقة بين إيران ومصر، بعدما سمحت الأخيرة بدفن الشاه المخلوع في القاهرة عام 1980، وهو ما ردت عليه إيران بإطلاق اسم خالد الإسلامبولي، الذي اغتال السادات عام 1981، على أحد شوارع طهران.

وكانت العلاقات بين الدولتين قد شهدت بعض الدفء خلال الأعوام القليلة الماضية، لكن الكثير من الخلافات ظلت قائمة، خاصة مع اضطلاع مصر بدور ريادي في عملية السلام الإسرائيلية - الفلسطينية. وقد صرح خامنئي هذا الأسبوع بأن معاداة الولايات المتحدة كانت القوة الدافعة للغضب المعادي للحكومة في مصر.

وقال خامنئي: «شعر الشعب المصري بالضآلة والمهانة نتيجة طاعة حسني مبارك العمياء لأميركا وإسرائيل، وهو ما شكل الدافع الرئيسي للثورة».

وكان الإعلام الإيراني المملوك للدولة قد أذاع صورا للاحتجاجات مصحوبة بتعليقات لمذيعين ومعلقين سياسيين أثنوا على المظاهرات المصرية المناوئة للحكومة ولأعمال عنف التي قام بها مؤيدو الرئيس حسني مبارك. وقال محمد رضا رحيمي، نائب الرئيس الإيراني، في مقابلة مع وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الرسمية، السبت: «لقد حان الوقت لأن يتنحى الملوك والقادة الطغاة».

جدير بالذكر أن القادة الإيرانيين واجهوا المتظاهرين الإيرانيين في مظاهرات عام 2009 بوصف المظاهرات بالمؤامرة المدعومة من الغرب، الهادفة إلى إسقاط القيادة الإسلامية.

وأصدرت الحكومة الإيرانية قرارا بإغلاق مواقع الإنترنت وقطع خدمات الهواتف الجوالة، في الوقت الذي تم التشويش فيه على أجهزة استقبال البث الفضائي. وقد ألقت السلطات الإيرانية القبض على الآلاف من المتظاهرين، وتم تقديم أكثر من مائة من الصحافيين والناشطين البارزين إلى محاكمات بثت على شاشات التلفزيون، حيث قدموا على أنهم العقول المدبرة للاضطرابات التي شهدتها إيران.

وأشار أحد المحللين السياسيين الموالين للنظام الإيراني إلى أنه لا علاقة لما يحدث في شوارع القاهرة بالمظاهرات التي شهدتها إيران في عام 2009. وقال أمير محبيان، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية: «يسعى الشعب المصري إلى الاستقلال عن الولايات المتحدة والقوى الأخرى، وهذا أمر جيد، لكن ما شهدته إيران في عام 2009 كان بهدف تقويض موقف إيران القوي ضد القوى الإمبريالية، مثل الولايات المتحدة، ومن ثم لا يوجد وجه شبه بين الحركتين». ومن جانبه، أكد عباس عبدي، المنتقد للحكومة، أن التأييد الإيراني للمتظاهرين في تونس ومصر يمكن أن يأتي بنتائج عكسية.

وقال عبدي، الذي كان بين المتظاهرين الذين أسقطوا الشاه في عام 1979: «إنهم لم يدركوا أنهم، بدعمهم للمظاهرات في شمال أفريقيا، يدعمون المظاهرات بشكل عام أيضا، وهو ما سيجعلهم يفرضون قيودا أكثر تشددا على المظاهرات التي سيقوم بها إيرانيون في المستقبل».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»