مصر: الجيش لن يتخلى عن مبارك.. والشباب لن يقبل إلا الرحيل

الرئيس المصري يجتمع بأركان نظامه.. ديرشبيغل: الرئيس المصري قد يأتي لألمانيا لعلاج طويل

أحمد شفيق رئيس الحكومة المصرية الجديد (وسط) خلال اجتماع لمجلس الوزراء أمس (إ.ب.أ)
TT

الإسكندرية: داليا عاصم وأحمد صبري

* ساد الحذر والهدوء الساحة السياسية المصرية، على الرغم من استمرار الشحن المتبادل بين النظام المصري وشباب حركة «25 يناير» المحتجين بوسط القاهرة؛ حيث استمر الشباب على رفضهم للحوار قبل رحيل الرئيس المصري، في حين استمر الرفض هو الرد الوحيد الذي يصل إلى الشباب؛ حيث أكد رئيس الوزراء المصري مجددا في حديث تلفزيوني مع قناة «روسيا اليوم» أن تنحي مبارك أمر مرفوض.

كما نقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية تصريحات أخرى لشفيق لإحدى الشبكات الإخبارية الأميركية قال فيها: «أعتقد أننا بحاجة ماسة إلى وجود الرئيس معنا؛ لأن ذلك سيسهل علينا تنفيذ المهمة التي نتطلع إلى إنجازها».

إلى ذلك، أكد موقع «شبيغل أون لاين» على الإنترنت، مساء أمس، أن الرئيس المصري حسني مبارك قد يغادر مصر لإجراء «فحوص طبية طويلة» في ألمانيا، متحدثا عن مناقشة هذا الخيار عمليا.

وأفاد موقع أسبوعية «دير شبيغل» بأن «الأفكار حول زيارة طبية يقوم بها مبارك لألمانيا باتت ملموسة أكثر مما كنا نعتقد حتى الآن»، متحدثا عن «فحوص طبية طويلة» على الأراضي الألمانية.

وأكد الموقع إجراء «مشاورات تمهيدية مع المستشفيات الملائمة، لا سيما عيادة ماكس غرونديغ في بول في منطقة بادي فورتنبرغ (جنوب غربي ألمانيا)»، وذلك نقلا عن مصادر في هذه العيادة.

وتعذر على وكالة الصحافة الفرنسية، التي نقلت النبأ، الحصول على تأكيد لهذه المشاورات من العيادة المذكورة.

وسرت شائعة توجه مبارك إلى مؤسسة طبية ألمانية قبل أيام في وسائل الإعلام.

وردا على سؤال حول صحة هذه المعلومات، قال المتحدث باسم الحكومة الألمانية ستيفن سيبرت إنه لم يتم التقدم «بأي طلب رسمي أو غير رسمي بخصوص زيارة مماثلة».

وخضع مبارك في مارس (آذار) 2010 لعملية استئصال المرارة وإزالة لحمية من الاثني عشر في عيادة هايدلبرغ (جنوب غربي)، وأوكل صلاحياته آنذاك إلى رئيس الوزراء أحمد نظيف.

كان أندرياس شكونهوف، أحد الأعضاء البارزين في حزب أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية، قد قال عقب صدور تقارير سابقة بهذا الصدد إن بلاده تريد المساهمة إيجابيا في عملية الانتقال السلمي للسلطة في مصر، مرحبا بقدوم الرئيس مبارك إذا أراد ذلك، على حد قوله. وفي الاتجاه نفسه تحدث ألك هوف المتحدث حول السياسات الأمنية في الحزب الديمقراطي الألماني.

إلى ذلك، عقد الرئيس حسني مبارك اجتماعا موسعا بعد ظهر أمس بمقر رئاسة الجمهورية بمصر الجديدة، ضم أبرز أركان النظام المصري، فقد حضره السيد عمر سليمان، نائب رئيس الجمهورية، والدكتور أحمد شفيق، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور فتحي سرور، رئيس مجلس الشعب، والسيد صفوت الشريف، رئيس مجلس الشورى، والمشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع والإنتاج الحربي. كما حضر الاجتماع السيد أحمد أبو الغيط، وزير الخارجية، واللواء محمود وجدي، وزير الداخلية، واللواء مراد موافي، مدير المخابرات العامة، والدكتور زكريا عزمي، رئيس ديوان رئيس الجمهورية.

قبل ذلك عقد الرئيس اجتماعا بحضور نائبه مع كل من رئيس مجلس الشعب ورئيس محكمة النقض، وأفادت تقارير صحافية بأن مناقشات في هذا الاجتماع قد دارت حول بعض الإصلاحات السياسية التي يجري الإعداد لها.

على صعيد آخر، قام صحافيون بحمل نعش رمزي للصحافي المصري أحمد محمد محمود الذي لقي مصرعه قبل أيام بعيار ناري تم إطلاقه من قبل أحد حراس وزارة الداخلية عندما كان يقوم بالتصوير الفوتوغرافي لوقائع التظاهرات من شرفة منزله القريب من مبنى الوزارة في وسط القاهرة؛ حيث اخترقت الرصاصة عينه وخرجت من رأسه لقي إثرها مصرعه؛ حيث أكد شهود عيان أن ضابطا برتبة نقيب هو الذي أطلق عليه الرصاص وأدلوا بمواصفاته.

وقد ردد صحافيون، عقب انتهاء الصلاة، هتافات ضد رؤساء تحرير الصحف القومية (الحكومية) المصرية ونقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد ووزير الإعلام أنس الفقي، وطالبوا بمحاكمتهم. وأكدت إنجي حمدي، المتحدثة الإعلامية باسم حركة «6 أبريل»، أن شباب الحركة سيقومون اليوم بالتظاهر أمام مبنى التلفزيون المصري على بُعد أمتار قليلة من ميدان التحرير للتعبير عن رفضهم لتجاوزات الإعلام الحكومي ضدهم.

إلى ذلك، اتهم المتظاهرون القائمين على الإعلام الحكومي بتضليل الشعب المصري وتزييف وعيه، ونقل صورة غير حقيقية عن المتظاهرين بالميدان والإساءة إليهم واتهامهم في شرفهم عبر الادعاء بحصولهم على وجبات ساخنة من قبل جماعات ومنظمات بعينها وتقاضيهم أموالا من أجل البقاء في ساحة الميدان.

على الصعيد الميداني، بدا المشهد أمس هادئا، ومارس المحتجون بميدان التحرير طقوسهم اليومية في جمع القمامة في أماكن محددة وتنظيف أماكن نومهم، بينما تزايد بشدة وجود بائعي الأطعمة والمأكولات والمشروبات بين المتظاهرين، وانتشر الفنانون الذين يحترفون الرسم على الوجوه والأجسام، وكان لافتا ما رسمه أحد المتظاهرين على ظهره وبطنه العاريين؛ حيث كتب عليهما «أنا بردان.. ارحل بقى».

وفي خطوة جديدة، دعا المتظاهرون لمظاهرة مليونية اليوم (الثلاثاء) تتخللها حملة لتجميل وإعادة تنظيم ميدان التحرير بمشاركة عدد من الفنانين التشكيليين والحرفيين الموجودين الذين شكلوا فيمن بينهم «رابطة فناني الثورة»، بجانب يوم للعزاء في شهداء الثورة الذين وصلوا حسب تقديرات الشباب في ميدان التحرير فقط إلى 18 شخصا، بجانب التحرك يوم الجمعة المقبل في مسيرات من مختلف المناطق إلى قصر العروبة بضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة.

وقال أحمد ماهر، المتحدث باسم تحالف شباب الثورة لـ«الشرق الأوسط»: «لن نقف مكتوفي الأيدي وسيكون لنا كل يوم فاعلية جديدة ولن نرحل ولن نفاوض إلا بعد رحيل مبارك من موقعه».. وحول من تفاوضوا باسمهم في الحوار الوطني، أكد ماهر أن أيا من المشاركين في الحوار لا يمثلهم ولا يعبر عن مطالبهم، واصفا الشباب الذين سعوا ولبوا الحوار بأنهم مجهولون.

وعلى الجانب القانوني، بدأت تحركات متنوعة لتفسير الشق الدستوري في الأزمة المصرية؛ حيث أعلن ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة، مبادرة قانونية للخروج بالبلاد إلى الانتقال الدستوري للسلطة في الفترة من 10 إلى 25 فبراير (شباط) الحالي، وذلك بموجب أحكام نص المادة 139 من الدستور وأن يصدر رئيس الجمهورية قرارا بتعيين عدد 4 نواب له، يشكلون مجلسا رئاسيا لإدارة البلاد لفترة انتقالية، وأن يصدر الرئيس بموجب أحكام المادة 189 من الدستور قرارا بإجراء تعديلات دستورية بشأن المادتين المتعلقتين بانتخاب رئيس الجمهورية ومدد الرئاسة (المادتين 76 و77)، وكذلك ضمانات الإشراف على هذه الانتخابات (المادة 88) وكذلك المواد المتعلقة بالانتخابات البرلمانية (مجلسي الشعب والشورى)، وانتخاب رئيسي المجلسين، والمواد المتعلقة بضمان نزاهة وشفافية هذه الانتخابات، وكذلك تعديل نص المادة 179 بشأن مكافحة الإرهاب.

وأضاف أمين إمكانية استخدام الرئيس المادة 136 من الدستور وإصدار قرار بحل مجلسي الشعب والشورى بعد إجراء التعديلات الدستورية، وتحديد موعد لإجراء الانتخابات البرلمانية الجديدة على أن يتولى المجلس الرئاسي 4 نواب لرئيس الجمهورية، إنشاء حكومة تسيير أعمال لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على ضوء التعديلات الدستورية، مع عدم جواز الترشح لرئاسة الجمهورية لأعضاء المجلس الرئاسي، حسب مقترحات أمين.

واستشرافا لمستقبل الإخوان المسلمين في المرحلة المقبلة، أكد الدكتور محمد مرسي، المتحدث الإعلامي باسم الجماعة: «رأينا ومبادئنا كما هي، وما وضعناه في برنامج الحزب المعلن عام 2007 لن يتغير»، مضيفا أن الإخوان يريدون أن تحكم مصر بالإسلام ولا أن يحكم الإخوان بالإسلام، مشيرا إلى أنهم لم يقرروا بعدُ ما إن كانوا سيتحولون لحزب سياسي أم يبقون كجماعة مستقبلا، لافتا إلى أنهم سيظلون يمثلون هيئة إسلامية تعمل على أساس مرجعية إسلامية لإقامة دولة مدنية تحافظ على حقوق الإنسان وحق الجميع في التعبير عن رأيه بحرية وفق القانون والدستور الذي يقره الشعب ويتوافق عليه.

وفي مدينة الإسكندرية، ولليوم الثالث على التوالي من أسبوع الصمود، شهدت المدينة مسيرات حاشدة قوامها عشرات الآلاف من المتظاهرين المطالبين بتغيير النظام في مصر؛ حيث جابت المسيرات الشوارع، وتعمد المتظاهرون التوقف لدقائق أمام قصر رأس التين الجمهوري - أحد مقرات رئاسة الجمهورية بالإسكندرية - ثم واصلوا السير مرورا من أمامه.

وقال صابر أبو الفتوح، القيادي الإخواني وعضو مجلس الشعب السابق وأحد المشاركين بالتظاهرات: «جميع الخيارات ما زالت مفتوحة أمام الشعب المصري ما دام النظام لم يقدم حتى الآن ضمانات حقيقية لجدية تنفيذه للإصلاحات التي طالبت بها القوى السياسية، خاصة شباب المتظاهرين». إلى ذلك، واصل الآلاف من الشباب الاعتصام، على مدار اليوم، بالساحة المقابلة لمحطة قطار «سيدي جابر» تضامنا مع زملائهم في القاهرة. وأعلن المتظاهرون بالإسكندرية أن اليوم سوف تنطلق مظاهرات مليونية من جميع المناطق بالمدينة عقب صلاة الظهر لتلتقي عند ميدان سيدي جابر (شرق الإسكندرية) لتكون بذلك المظاهرة المليونية الثالثة التي تتم الدعوة لها بالإسكندرية منذ بدء الاحتجاجات، كما أنهم سوف يختتمون «أسبوع الصمود»، يوم الجمعة بعمل كبير من شأنه أن يكون فارقا في مسيرة الاحتجاجات التي بدأت في مصر قبل 14 يوما.

إلى ذلك، وعلى موقع «فيس بوك» نفسه الذي انطلقت منه شرارة المظاهرات في مصر، انطلقت حملات لإعادة بناء ما خربته موجة المصادمات بين المحتجين والشرطة في الأيام الأولى للمظاهرات بمدينة الإسكندرية ومدن أخرى ودعوات لتخطي الأزمة المالية التي عاناها المصريون جرَّاء توقف الحياة في الأيام الماضية.

فقد شهد الموقع إعلانا أطلقته «الحملة الشعبية لإنقاذ الشعب المصري» التي أسسها شباب من مدينة الإسكندرية، توجه الحملة دعوات عبر «فيس بوك» لتكوين شبكة للتنسيق لتجميع الأغذية والأدوية والتبرعات المالية، وإرسالها لمن يحتاجها حتى لا يتم «تجويع الشعب المصري أو الضغط عليه في ظل الظروف الراهنة»، بحسب هؤلاء الشباب. وأعلن القائمون على الحملة «ترحيبهم بالمتطوعين الذين يودون الاشتراك بعملية توزيع الإعانات العينية».

وتقول رانيا البنا، من المنسقين للحملة، لـ«الشرق الأوسط»: نحن مجموعة من الشباب المصريين نهدف إلى إنقاذ ومساندة إخواننا المصريين، خاصة من يعملون باليومية؛ فقد توقف عملهم منذ أيام وليس لهم مصدر دخل آخر، فنحن نطالب كل من لديه طعام ومواد تموينية زائدة على حاجته مثل الأرز، والمعكرونة، والزيت، والسكر، والدقيق، والمعلبات، فضلا عن الأدوية التي أصبح بعض أنواعها شحيحة في الصيدليات، بالتبرع»، مشيرة إلى أن «الحملة الشعبية لإنقاذ الشعب المصري» لا تتبع أيا من الأحزاب أو الحركات السياسية في البلاد. وتضيف: «اخترنا مركزا لتجميع الأغذية والأدوية وإرسالها لمن يحتاجها حتى لا يتم تجويع الشعب المصري أو الضغط عليه في ظل ظروف التظاهرات»، لافتة إلى الحاجة لنحو 40 شابا لحراسة المكان المخصص لتجميع التبرعات وتوزيعها وجهود الأطباء والممرضات ومن لديهم خبرة بالإسعافات الأولية في المظاهرات.