البيت الأبيض «يناضل» لملاحقة تطورات الاحتجاجات المصرية

اجتماعات يومية لمتابعة الأزمة.. و«كتيبة بلاك بيري» تزود كلينتون بأحدث التطورات

متظاهرون ومحتجون مصريون ضد النظام يجلسون على الأرض بجانب مدرعة للجيش (أ.ب)
TT

على مدار الأسبوع، تطورت الأحداث في مصر بسرعة بالغة جعلت من العسير مواكبتها، حتى بالنسبة لوزيرة الخارجية الأميركية التي تتنقل دوما برفقة كتيبة من المساعدين الذين يحملون دوما أجهزة «بلاك بيري». عندما غادرت هيلاري رودهام كلينتون واشنطن الجمعة الماضي لحضور مؤتمر في ألمانيا، كان السلام يسود العاصمة المصرية وبدا أن الحكومة تتحرك قدما في مفاوضاتها مع المتظاهرين، لكن بحلول وقت هبوط طائرتها في المطار، السبت، كان هذا التقدم الواهن قد توقف تماما.

وأثارت السرعة الهائلة للتغيرات التي تشهدها مصر اعترافا من كلينتون بشأن حدود قدرة الولايات المتحدة على التأثير على صورة الحكومة التي ستخلف الرئيس حسني مبارك.

وفي خطابها أمام مؤتمر الأمن الأوروبي، السبت، قالت كلينتون التي بدا عليها الإجهاد: «إن الذين يحاولون منا تقديم العون والمقترحات المفيدة للمضي قدما يبقون في النهاية في الخارج بعيدا عن الأحداث».

ولخص هذا التعليق المعضلة التي تواجهها إدارة أوباما مع استعداد حركة المظاهرات غير المسبوقة في مصر لدخول أسبوعها الثالث. بعد أيام من محاولات دفع مبارك للتخلي عن السلطة، اضطر البيت الأبيض لتغيير توجهه، الأسبوع الماضي، بعدما أوضح الرئيس المصري ومساعده عزم الأول على الاستمرار.

أعقب عناد مبارك موجة من العنف داخل القاهرة، ثم فترة من الهدوء أثارت الآمال في النفوس في وقت بدا أن التحرك نحو عقد مفاوضات بدأ يكتسب زخما، ثم تجددت الشكوك مع انهيار هذه الجهود في الوقت الذي سافرت فيه كلينتون. ومع موافقة جماعة الإخوان المسلمين، الأحد، على الدخول في محادثات مع النائب الذي عينه مبارك حديثا، عمر سليمان، تنامت مشاعر التفاؤل من جديد.

وفي الوقت الذي يعترفون فيه بإمكانية تجدد أعمال العنف، يثني مسؤولون أميركيون وخبراء بشؤون الشرق الأوسط على الإدارة لنجاحها في رسم حدود واضحة - بصورة أساسية أنه يجب على الحكومة تجنب العنف وضرورة دخول سليمان والمعارضة في محادثات، وبسرعة - الأمر الذي أسهم في منع انزلاق البلاد إلى الفوضى، على الأقل في الوقت الراهن.

في هذا الصدد، قال جون كيري، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، خلال مقابلة أجراها معه برنامج «ميت ذي برس» على قناة «إن بي سي»، الأحد: «ينبغي أن نشعر بالسعادة؛ لأنهم مكتفون بالجلوس، ولأن الجيش مارس ضبط النفس، وأن هناك بعض النظام قد عاد للشوارع على الرغم من استمرار المظاهرات».

بمجرد إدراكهم أنهم وصلوا إلى طريق مسدود مع مبارك، أعاد مسؤولو الإدارة توجيه جهودهم نحو تشجيع مسؤولي الحكومة المصرية وجماعات المعارضة على الشروع في وضع خريطة طريق لمرحلة انتقالية نحو حكومة جديدة. وهنا أيضا، تصادمت الخطط الأميركية مع أجندات جماعات المعارضة المصرية الممزقة، التي رفض بعضها المشاركة في أي مفاوضات مع استمرار مبارك في السلطة.

خلال اللقاءات التي أُجريت معهم، شنَّ مسؤولو الإدارة حملة دبلوماسية خاطفة استهدفت العشرات من المسؤولين الحكوميين والعسكريين المصريين لحثهم على وقف الهجمات العنيفة من قبل المتظاهرين أنصار مبارك ضد المتظاهرين المناوئين له. كما مارس مسؤولون أميركيون، بدعم من حلفاء بالمنطقة، ضغوطا لتشجيع المعارضة على الموافقة على خوض مفاوضات حول التشارك في السلطة، على الرغم من استمرار مبارك في التشبث بالرئاسة.

عمدت إدارة أوباما إلى تصعيد الضغوط باستمرار على حكومة مبارك منذ اندلاع المظاهرات الكبرى المناهضة للحكومة منذ أسبوعين. في 30 يناير (كانون الثاني)، عقد أوباما اجتماعا لفريق الأمن القومي المعاون له لصياغة استراتيجية لتوفير دعم أميركي للإصلاح الديمقراطي يكون متوازنا مع الحاجة للحفاظ على استقرار دولة شكلت حليفا جوهريا للولايات المتحدة لعقود. ووضعت الإدارة قائمة بالأهداف المرجوة على المديين القصير والطويل، وتركزت حول تحويل مظاهرات الشوارع المتنامية في البلاد إلى عملية سياسية تلقى قبولا عبر مختلف أطياف المشهد السياسي المصري وتؤدي لانتخاب قادة جدد للبلاد.

في اليوم التالي، ظهرت كلينتون في خمسة برامج حوارية تخص يوم الأحد، مكررة عبارة أن الولايات المتحدة ستسعى لحدوث «فترة انتقالية منظمة» في مصر تثمر إصلاحات ديمقراطية من دون زعزعة استقرار البلاد. وقالت كلينتون والكثير من مسؤولي الإدارة مرارا: إن المصريين وحدهم هم الذين سيقررون ما إذا كان ينبغي على مبارك التنحي ومتى يتم ذلك. لكن ظلت الإجابة المفضلة لدى البيت الأبيض بخصوص هذا الأمر مفهومة ضمنيا.

وقال مسؤول أميركي شارك بالمناقشات الدائرة داخل الإدارة في هذا الشأن: «من الواضح أنه سيكون من الأيسر أن يختار مبارك الرحيل».

إلا أن القلق الأميركي حيال منحى الأحداث في مصر تصاعد في أعقاب الخطاب المتلفز الذي ألقاه مبارك، الثلاثاء، وتعهد خلاله بالبقاء في السلطة حتى الانتخابات المقرر إجراؤها في سبتمبر (أيلول). وبينما استبعد مبارك ترشحه للرئاسة ثانية، فإن رفضه الرحيل على الفور أثار غضب المتظاهرين المناهضين للحكومة وبدا أنه مهد لأعمال العنف التي استمرت يومين فيما بعد.

بداية من صباح الأربعاء، تدفق الآلاف من أنصار مبارك على وسط القاهرة ومدن مصرية أخرى وحاصروا المتظاهرين ورشقوهم بالحجارة وضربوهم بالعصي والأيدي. في تلك الأثناء، شنت قوات الأمن حملة مضايقات ضد الصحافيين ونشطاء حقوق الإنسان واحتجزت العشرات منهم. واحتشد عاملون بوزارة الخارجية حول أجهزة التلفزيون، الأربعاء، لمشاهدة سلسلة من المشاهد لأنصار مبارك المسلحين بالكرابيج وهم يهاجمون حشود المتظاهرين المناهضين للحكومة على ظهور الجياد والجمال.

في صباح ذلك اليوم، أجرت كلينتون اتصالا هاتفيا بسليمان وصفه مساعدوها بأنها كانت محادثة صريحة لمدة 15 دقيقة.

وأشار مسؤول أميركي بخصوص هذه المحادثة إلى أنها «أعربت عن قناعة قوية للغاية بضرورة توقف أعمال العنف الجارية وتحمل قوات الأمن مسؤوليتها عن حماية المتظاهرين».

وأضاف أن سليمان «رد على نحو إيجابي»، ومع ذلك حملت الساعات الـ24 التالية مزيدا من العنف.

من جانبه، استقر البيت الأبيض بالفعل على فكرة عقد اجتماعات يومية لتناول تطورات الأزمة المتلاحقة الأحداث. وكل يوم في الثامنة والنصف صباحا، يعقد نائب مستشار الأمن القومي دينيس مكدونو اجتماعا مع نائبيه داخل غرفة الطوارئ بالبيت الأبيض لتحديد «خطة اليوم»، التي تعني خطة للاستجابة لأحداث اليوم الآخذة في التكشف. بعد ذلك، يتلقى أوباما التقرير الاستخباراتي الموجز المعتاد الذي أصبحت أنباء المظاهرات في مصر والتقديرات المرتبطة بها تهيمن عليه على نحو متزايد، وبعدها يتناقش الرئيس مع كبار معاونيه من واضعي الاستراتيجيات حول الخطوات التي يتعين اتخاذها في ذلك اليوم للحيلولة دون خروج الاضطرابات عن دائرة السيطرة.

وبالفعل، يجري أوباما وكلينتون ونائب الرئيس جون بايدن ووزير الدفاع روبرت غيتس محادثات هاتفية يومية منذ فترة مع قيادات مصرية لتناول الأحداث الجارية، إلا أنه مع تفاقم أعمال العنف، الأربعاء، تصاعدت وتيرة الجهود الدبلوماسية بصورة بالغة.

وأشار مسؤول بالإدارة إلى أنه «نقلنا رسالة إلى جميع مستويات الحكومة مفادها أن حملة الإجراءات الصارمة لا تفضي لعملية سياسية».

في تلك الأثناء، فتح مسؤولون آخرون بوزارة الخارجية - بينهم ويليام جيه. بيرنز، وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية، وجيفري دي. فيلتمان، مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، ومارغريت سكوبي، السفيرة الأميركية لدى مصر - قنوات اتصال بمجموعة متنوعة من الشخصيات السياسية المصرية الأخرى وقادة المعارضة، في الوقت الذي حرصوا فيه على التواصل مع الحلفاء المتوترين بالمنطقة. من بين من تلقوا مكالمات عدة: رئيس جامعة الدول العربية عمرو موسى، والمدير السابق لوكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، الذي يمثل حاليا الكثير من جماعات المعارضة المشاركة في المظاهرات اليومية بميدان التحرير.

من جهته، قال جويل روبين، المسؤول السابق عن ملف مصر داخل وزارة الخارجية ومسؤول العمليات حاليا بـ«شبكة الأمن القومي»، وهي منظمة فكرية مقرها واشنطن: «تميزت الإدارة بالفعالية في الإبقاء على رسالة علنية، لكنها زادت من حدة كلماتها الآن وزادت حدتها. إنها لحظة مهمة. وهم يمارسون الضغوط الممكنة كلها».

في الوقت الذي لم يعترف فيه المسؤولون المصريون بأي تورط في الهجمات على المتظاهرين المطالبين بالديمقراطية، توقفت الهجمات فجأة في وقت متأخر من الخميس. بحلول صباح الجمعة، تحركت قوات الجيش للفصل بين الفريقين المتناحرين من المتظاهرين، وتوقف اعتقال الصحافيين والنشطاء الحقوقيين.

وأوعز مسؤولو الإدارة جزءا من السبب وراء ممارسة الجيش المصري ضبط النفس إلى مكالمات غيتس - وهي 4 في مجملها - لوزير الدفاع محمد حسين طنطاوي. لكن في الوقت الذي انحسرت فيه أعمال العنف، رفض مسؤولو الجيش التخلي عن دعمهم لمبارك، الذي دفع استمراره في السلطة عناصر محورية في المعارضة لرفض المفاوضات حتى يرحل.

وبدأت الاستراتيجية المحورية للإدارة تجاه مصر في التحول للتركيز بدرجة أقل على رحيل مبارك، مع التركيز بدرجة أكبر على السماح للمصريين بالخروج من هذه الأزمة عبر طريق آخر، حسبما شرح أحد مسؤولي الإدارة. وأشار إلى أن العملية ستتضمن جميع الأحزاب السياسية المحورية وربما تشمل مناقشات حول الدستور والعناصر التي ينبغي تعديلها لضمان انتخابات ديمقراطية.

وأوضح المسؤول أن «هذا الأمر صعب؛ لأن الكثير من شخصيات المعارضة جعلت من رحيل مبارك شرطا مسبقا للمشاركة بالمحادثات. ويتمثل التحدي في كيفية الخروج من هذا الموقف الخطير، من مظاهرات يومية واعتراضات يومية للدخول في العملية». والرسالة الضمنية التي حملتها المناقشات الداخلية في الإدارة، حسبما ذكر المسؤول، أن الإدارة بإمكانها إقرار حدود عامة وإسداء النصح، لكنها في النهاية لا تتمتع سوى بنفوذ ضئيل على التطورات الجارية على الأرض.

* «واشنطن بوست»

* ماري بيث شيريدان، التي سافرت مع كلينتون، وكارين ديونغ، من واشنطن، أسهمتا في التقرير.