تونس: تواصل الاحتجاجات المطالبة بحل مجلس النواب

اتهام «التجمع» بالوقوف وراء الاضطرابات الأخيرة

محمد الغنوشي رئيس الحكومة الانتقالية في تونس لدى استقباله ويليام هيغ وزير خارجية بريطانيا أمس (أ.ب)
TT

واصل المئات من التونسيين أمس الاحتجاج على مواصلة مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان) نشاطه، مطالبين بحله باعتباره من تركة النظام السابق. وتساءل خبراء قانونيون عن مشروعية مواصلة المجلس أنشطته بعد رحيل بن علي، والحال أن التجمع الدستوري الديمقراطي، الذي أعلن عن تجميده قبل جلسة مجلس النواب بيوم هو الحزب المسيطر على مجلس النواب بـ161 عضوا مقابل 53 عضوا ينتمون إلى ستة أحزاب معارضة.

وتوقف المراقبون كثيرا أمام هذه الوضعية السريالية؛ فمن جهة يتم الإعلان عن تجميد أنشطة الحزب، وفي الوقت نفسه يتم الاستنجاد بأغلبية أعضائه في المجلس الذين ينتمون إلى حزب التجمع لتسهيل عملية الانتقال إلى الديمقراطية.

وما زال قرار تجميد أنشطة التجمع الدستوري الديمقراطي، وغلق جميع مقراته تمهيدا لحله، يثير الكثير من التعليقات السياسية حول الأسباب الخفية لهذا الإعلان في هذا الوقت بالذات، والحال أن نظام بن علي أطيح به منذ يوم 14 من الشهر الماضي.

وتواصل الجدل حول ذلك بحدة بعد مصادقة مجلس النواب أول من أمس على مشروع القانون الذي يفوض فؤاد المبزع، الرئيس المؤقت، إصدار مراسيم تتعلق بمجموعة من القوانين التي تسهل الانتقال إلى الديمقراطية، كما قال محمد الغنوشي، رئيس الحكومة الانتقالية، في الجلسة الافتتاحية للمجلس.

وينتظر أن يواجه مجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان)، قدرا من الاحتجاجات أثناء الجلسة التي يعقدها اليوم (الأربعاء) للنظر في مشروع قانون يتعلق بتفويض «رئيس الجمهورية» المؤقت إصدار مراسيم طبقا للفصل 28 من الدستور.

ويتكون مجلس المستشارين من 112 عضوا ضمنهم 42 عضوا تم تعيينهم مباشرة من قبل الرئيس المخلوع.

وفي سياق ذلك، قال عياض بن عاشور، رئيس اللجنة العليا للإصلاح السياسي، بشأن تفويض البرلمان «رئيس الجمهورية» المؤقت باتخاذ مراسيم وفقا لمقتضيات الفصل 28 من الدستور التونسي في صيغته الحالية، إنه من الممكن العمل بمقتضيات هذا الفصل باعتبار أن الوضع الحالي استثنائي وبالنظر إلى الظروف القاهرة التي تعيشها تونس في أعقاب الثورة الشعبية.

واعتبر أن ما تم بثه يوم الاثنين عبر إحدى القنوات التلفزيونية الخاصة يمثل مغالطة صريحة للرأي العام، ويجب تصحيحه حتى لا يذهب البعض إلى اعتقاد أن التفويض للرئيس المؤقت تفويض مطلق لأن المراسيم ستتخذ خلال فترة معينة ولأغراض معينة تتصل بمسائل «العفو التشريعي العام» و«القانون الانتخابي» و«قانون الأحزاب» و«تمويل الأحزاب» و«الجمعيات والحريات العامة».

وأوضح بن عاشور أن هذا التفويض ينتهي بنهاية الفترة الانتقالية ومهمة الرئيس المؤقت، مشيرا إلى أن الهدف من وراء هذا الإجراء هو تحرير البلاد من القيود التي كانت تكبل النشاط السياسي والحياة العامة.

ودعا بن عاشور إلى العمل على تسهيل مأمورية الحكومة الانتقالية بما يمكن من استتباب الأمن والاستقرار، ووضع قوانين جديدة، وربما دستور جديد، وإجراء انتخابات نزيهة وشفافة.

وكان قيس سعيد، أستاذ القانون الدستوري التونسي قد أكد في تصريح لوكالة الأنباء التونسية، أن الاستناد إلى مقتضيات الفصل 28 من الدستور التونسي، يعتبر مخرجا قانونيا قابلا للنقاش من حيث المبدأ، ولكنه مشكوك في صحته من الناحية القانونية، موضحا أنه من المفروض أن يكون التفويض لرئيس الجمهورية وليس لرئيس جمهورية مؤقت.

وقال إنه كان يتوجب انتخاب مجلس تأسيسي، ووضع تنظيم مؤقت للسلطة العمومية مثلما حدث سنة 1957.

وينص الفصل 28 من الدستور التونسي على إمكانية تفويض البرلمان إلى مدة محددة ولغرض معين لرئيس الجمهورية باتخاذ مراسيم يعرضها على مصادقة المجلس عند انقضاء المدة المذكورة.

ويخول، من هذا المنطلق، رئيس الجمهورية تهيئة الشروط الضرورية لمراجعة قوانين أساسية متصلة بالحياة العامة والسياسية مثل قانون الأحزاب وقانون الجمعيات وقانون الصحافة وقانون الإرهاب.

إلى ذلك، جدد بن عاشور، التأكيد على الصبغة الاستشارية للجنة، موضحا أنها لا تمتلك أية سلطة قرار. وأضاف أن اللجنة لا تضطلع بمهمة مجلس تأسيسي، وإنما تتولى تقديم اقتراحات لإصلاح وتطوير النصوص القانونية بدءا من الدستور وصولا إلى أدنى درجات الهرم القانوني لإرساء منظومة قانونية جديدة.

وقال بن عاشور إن عمل اللجنة ينحصر في إطار دائرتين؛ الأولى ضيقة على مستوى الخبراء المختصين في القانون العام، والثانية موسعة تجمع ممثلين عن الجمعيات غير الحكومية والأحزاب السياسية المعترف بها وغير المعترف بها.

على صعيد آخر، وجهت أصابع الاتهام في تونس إلى حزب التجمع، وإلى عناصر أمنية، بالوقوف وراء الاضطرابات الحاصلة في مناطق عدة في البلاد، مما ينذر، حسب كثير من المراقبين، بانتقال تونس تدريجيا نحو «حرب أهلية»، وذلك من خلال رجوع مجموعات الحماية الذاتية إلى شوارع مدن الداخل على غرار قفصة والكاف وتطاوين.

في سياق ذلك، علمت «الشرق الأوسط» من مصدر مطلع أن محمد الغرياني، الأمين العام للحزب، أبرق إلى منخرطي التجمع في الجهات، بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، حاثا إياهم على الصمود ومواصلة النضال. واعتبر في مراسلته أن محمد البوعزيزي، شهيد الثورة التونسية، ينتمي إلى حزب التجمع، وأن هذا الأخير هو الذي أشعل الثورة. وأشار المصدر ذاته إلى أن الغرياني اعتبر أن معظم شهداء مدينتي تالة والقصرين هم أعضاء في حزب التجمع، وبالتالي، فإن «الحزب هو الأمين على الثورة».

من جهة أخرى، تواصل أمس لليوم الثاني على التوالي اعتصام موظفي وزارة الخارجية مطالبين برحيل أحمد ونيس، وزير الخارجية.

وقالت مصادر مقربة من المعتصمين إن مطلبهم الأساسي هو «إقالة الوزير لأنهم لا يرون فيه رجل المرحلة». وقال المعتصمون إنه منذ تولي ونيس وزارة الخارجية «كان بعيدا كل البعد عن التوجه الجديد للدبلوماسية التونسية باعتبارها امتدادا للثورة التونسية».

وتعود المطالبة بتنحي وزير الخارجية إلى مواقف عبر عنها لدى زيارته مؤخرا بروكسل وباريس، إضافة إلى إدلائه بتصريحات تلفزيونية لم يتحدث فيها بإيجابية عن الانتقال إلى أجواء الديمقراطية، وتفادى تصنيف ما حدث في تونس بأنه «ثورة».

وفي أول استطلاع للرأي أجرته إحدى مؤسسات الاستطلاع الخاصة في تونس بداية الشهر الحالي حول الثورة والسياسة في تونس، ومن هي الشخصيات السياسية المؤهلة لقيادة البلاد بعد بن علي، قال المشاركون فيه إن محمد الغنوشي، رئيس الحكومة الانتقالية، حصل على نسبة 20.9 في المائة من الأصوات، في حين اختار 13.6 في المائة الجنرال رشيد عمار، رئيس أركان الجيش، واحتل أحمد نجيب الشابي، وزير التنمية الجهوية والمحلية، المرتبة الثالثة بنسبة 13.5 في المائة من الأصوات، بينما حل فرحات الراجحي، وزير الداخلية، في المرتبة الرابعة بنسبة 11.8 في المائة من الأصوات. وجاء راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة الإسلامية، في المرتبة الخامسة بنسبة 4 في المائة من الأصوات.

إلى ذلك، وصل ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني، إلى تونس أمس في مستهل جولة ستشمل خمس دول في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وذلك على خلفية الاحتجاجات الشعبية المطالبة بتغييرات سياسية.

وقالت مصادر دبلوماسية إن بريطانيا عرضت على الحكومة التونسية المؤقتة مشاريع من أجل تطوير القضاء وحرية التعبير، وزيادة الانفتاح السياسي على مختلف مكونات المجتمع، بالإضافة إلى تشجيع التنمية الاقتصادية.