أضخم مظاهرات القاهرة والإسكندرية.. و«القرارات» لم تهدئ المحتجين

زويل وأساتذة جامعات ينضمون.. و20 ألفا يتظاهرون أمام مجلس الشعب

المحتجون يحيطون بمدرعة مصرية خلال مظاهراتهم «المليونية» بميدان التحرير أمس (أ.ب)
TT

شهدت مصر احتجاجا مليونيا جديدا في اليوم الخامس عشر للاحتجاجات، فيما وصف بأضخم مظاهرات منذ بدء المظاهرات المطالبة برحيل الرئيس المصري حسني مبارك. ولم تنجح القرارت التي أعلنها أمس عمر سليمان نائب الرئيس المصري كخريطة طريق للخروج من الازمة، والاستجابة للمطالب في تهدئة المحتجين الذين أصرا على مطلبهم برحيل الرئيس. وشارك مئات الآلاف مساء أمس في مظاهرة في ميدان التحرير، كما كان مئات الآلاف يشاركون في مظاهرة في ميدان سيدي جابر (شرق الاسكندرية) هي الأضخم منذ بدء حركة الاحتجاج. واكتسب محتجو ميدان التحرير، زخما جديدا مع ظهور وائل غنيم بصحبة والدة خالد سعيد، وهو شاب مصري ضربته الشرطة في الاسكندرية حتى الموت في الطريق العام، ما أثار موجة عارمة من الغضب دفعت غنيم الى تأسيس صفحة «كلنا خالد سعيد» على موقع الفيسبوك التي تضم اكثر من 650 الف عضو.

وفي تطور نوعي ترافق مع تلويح المتظاهرين المعتصمين في ميدان التحرير منذ «جمعة الغضب» قبل نحو أسبوعين بالتحرك إلى مرافق حيوية وعدم الاكتفاء بالاعتصام في الميدان، تظاهر نحو 20 ألف مصري أمام مجلس الوزراء بوسط العاصمة، مطالبين برحيل الرئيس مبارك، انضم إليهم أساتذة جامعات كان من بينهم وزير سابق في الحكومة المصرية.

وواصل المتظاهرون المعارضون لمبارك اعتصامهم لليوم الخامس عشر في ميدان التحرير وسط القاهرة، مطالبين برحيل مبارك، وأعلنوا رفضهم لحزمة من الإجراءات التي أُعلن أمس أن الرئيس مبارك اتخذها، ومنها تشكيل لجنة دستورية من خبراء قانونيين وشخصيات مستقلة لتعديل الدستور، ولجنة تقص للحقائق بشأن أحداث يوم الأربعاء الماضي، الذي أطلق عليه المتظاهرون «الأربعاء الدامي».

ووصل العالم المصري الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة « نوبل» إلى ميدان التحرير أمس، واستقبله مئات الآلاف بحفاوة، رافعين اللافتات ومرددين الهتافات التي تعبر عن فرحتهم بوصوله الميدان.

وتحدث زويل إلى المعتصمين في كلمة قصيرة عبر فيها عن سعادته بما وصل إليه الشباب المتظاهرون من رقي ووعي، وقدرة على الصمود والجرأة بالإعلان عن مطالبهم.

واتجه آلاف المحتجين باتجاه شارع قصر العيني، حيث يقع مقرا البرلمان ورئاسة الوزراء، وتظاهروا مطالبين بحل مجلسي الشعب والشورى، وطالبوا بمحاسبة رموز نظام مبارك على ثرواتهم. ولم يحل عقد اجتماع لمجلس الوزراء دون وصول المتظاهرين إلى شارع مجلس الأمة، الذي يقع على جانبه الأيمن مبنى رئاسة الوزراء، وعلى جانبه الأيسر مقر البرلمان، فيما سدت مدرعات الجيش الشارع، الذي يقع في نهايته مقر وزارة الداخلية، الذي حاول متظاهرون في وقت سابق اقتحامه، إلا أنهم قوبلوا بإطلاق الرصاص الحي عليهم، وحاول المتظاهرون أمس التوجه إلى وزارة الداخلية إلا أن قوات الجيش منعتهم.

ومنعت القوات المسلحة المصرية التي تم استدعاؤها لحفظ الأمن في البلاد بعد انسحاب الشرطة، نشطاء «حركة شباب 6 أبريل» من الوصول إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون على كورنيش النيل وسط القاهرة، لتنظيم مظاهرة في إطار التصعيد الميداني الذي أعلنت عنه الحركة، وأيضا للتنديد بما وصفه قيادات الحركة بـ«الأكاذيب التي يروجها التلفزيون الحكومي ضد المعتصمين في ميدان التحرير».

وتظاهر نحو 1000 من أساتذة الجامعات المصرية استجابة لدعوة أطلقتها «حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات»، منطلقين من أمام مقر نادي أعضاء هيئة تدريس أساتذة جامعة القاهرة بمنطقة المنيل، مرورا بشارع قصر العيني، إلى ميدان التحرير، ليعلنوا انضمامهم إلى المعتصمين في الميدان.

وقامت قوات الجيش بتكثيف وجود أفرادها وآلياتها في شارع قصر العيني الحيوي، وطوقت مبنى الإذاعة والتلفزيون، وقام ضباط من القوات المسلحة بإبلاغ نشطاء «حركة 6 أبريل» بأنه غير مسموح لهم بالوصول إلى مبنى الإذاعة والتلفزيون أو التظاهر على مقربة منه، واستجاب نشطاء الحركة لتعليمات القوات المسلحة، وتوجهوا إلى مقر البرلمان بشارع قصر العيني، مرددين الشعار الرئيسي لحركة الاحتجاجات «الشعب يريد إسقاط النظام»، كما رددوا شعارات تطالب بحل البرلمان كأحد المطالب التي يتبناها المحتجون.

والتقت مسيرة أساتذة الجامعات مع مظاهرات 6 أبريل وسط انضمام مئات المواطنين إلى المظاهرتين، وتوقفت مسيرة أساتذة الجامعات أمام مبنى وزارة التعليم العالي، حيث نزل الوزير هاني هلال وجلس على الأرض للاستماع إلى مطالب الأساتذة، الذين أبلغوه أن مطالبهم لم تعد فئوية تتعلق باستقلال الجامعات والحريات الأكاديمية، إنما يتظاهرون دعما للمطالب العامة، التي يتبناها المعتصمون في ميدان التحرير.

وكان من أبرز المشاركين في مسيرة أساتذة الجامعات الدكتور محمد أبو الغار مؤسس «حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات»، وعصام شرف وزير النقل الأسبق، والدكتور حسن نافعة الأستاذ في جامعة القاهرة والمنسق السابق للجمعية الوطنية للتغيير.

ووسط تزايد أعداد المحتجين أمام مقر البرلمان الذين وصلوا إلى نحو 20 ألف متظاهر، فرض الأمن الخاص في المجلس بالتنسيق مع عدد من أفراد القوات المسلحة سياجا أمنيا حول المقر، وقاموا بصرف العاملين والموظفين مبكرا، وإغلاق البوابات، وربض عدد كبير من سيارات الإسعاف في الشوارع المحيطة تحسبا لوقوع اشتباكات. ومنع المتظاهرون الوزراء من الخروج من مقر الحكومة لبعض الوقت، إلا أنهم خرجوا من أبواب جانبية بعد فترة، وهدد المتظاهرون بأنهم سيحولون شارع مجلس الأمة، إلى ميدان تحرير آخر يعتصمون فيه حتى يسقط نظام مبارك.

وشكل المتظاهرون أمس ائتلافا للتحدث باسمهم والتفاوض مع عمر سليمان نائب الرئيس المصري، يضم ممثلين عن كل التيارات السياسية المشاركة في المظاهرات، بالإضافة إلى ممثلين عن الشباب غير المنتمين لأي تيار أو حزب سياسي.

ولم تفلح حزمة من الإجراءات التي أعلنت الحكومة عنها أمس وأول من أمس، في امتصاص غضب المتظاهرين، ومن أبرز تلك الإجراءات تشكيل لجنة دستورية تضم قانونيين وشخصيات مستقلة لتعديل الدستور على أن تنتهي من عملها قبل نهاية شهر فبراير (شباط) الحالي، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداث «الأربعاء الدامي»، والإعلان عن صرف 15% علاوة في الرواتب لجميع موظفي الدولة، اعتبارا من شهر أبريل (نيسان) المقبل وبدون حد أقصى. وكانت تلك العلاوة تُصرف كل عام في عيد العمال الذي يوافق أول مايو (أيار).

ولليوم الخامس عشر على التوالي، لا يزال المعتصمون المناهضون لمبارك، والمطالبون برحيله في ميدان التحرير الذي تدفق إليه بعد الظهر عشرات الآلاف لإعلان تضامنهم مع مطالب الشباب، الذين يؤكدون رفضهم للحوار الذي تم بين نائب الرئيس عمر سليمان وممثلين للمعارضة المصرية وخصوصا الإخوان المسلمين.

في غضون ذلك دعا الدكتور عمرو خالد الداعية الإسلامي إلى الاستجابة إلى مطالب الشعب المصري، وحذر من أن عدم الاستجابة إلى هذه المطالب قد يؤدي إلى عواقب وخيمة قد تستمر إلى وقت طويل.

وحذر خالد في بيان صدر عن مكتبه الإعلامي، من أن عدم استجابة المسؤولين قد تؤدي إلى انسحاب الشباب من العمل العام وإصابته بالسلبية الشديدة. وأضاف أن البلاد الآن في مفرق طرق، قائلا: «إما أن يتحول المصريون إلى المواطنة الكاملة أو أن يصابوا بالسلبية بما ينطوي على ذلك من إشكالية كبيرة بسبب عدم احترام إرادة الشارع المصري».

وعبر خالد عن خشيته الشديدة من «الالتفاف على مطالب الشباب، ومن أن يؤدي ذلك إلى تدخل مخربين وأصحاب أجندات خاصة»، مشيرا إلى أن رجل الشارع البسيط قد لا يفهم المعادلات المعقدة والشؤون القانونية الكثيرة، لكنه له مطلب واحد وهو رحيل الرئيس، لافتا إلى أن هذا المطلب «واجب النفاذ».

وفي الإسكندرية انطلقت مظاهرة مليونية عقب صلاة العصر من كافة أنحاء المدينة لتلتقي عند ميدان سيدي جابر حيث انضم مئات الآلاف من المتظاهرين إلى آلاف من الشباب المعتصمين في الساحة المقابلة لمحطة القطارات الرئيسية بالإسكندرية، مطالبين برحيل النظام الحاكم في مصر. وكان لافتا ظهور شعارات رفعتها الجماعة السلفية ذات الحضور الكثيف في المدينة، وحملت اللافتات للمرة الأولى مطالب منها وتحذيرات منها «لا تنسوا هوية مصر الإسلامية»، وكذلك «المادة الثانية من الدستور ضمانة للمصريين من الغزو الغربي للدولة»، وهو ما بين خشية الإسلاميين من قرار تعديل الدستور الذي أعلنه الرئيس المصري أمس.

وقال أحد الشباب المشاركين في المظاهرة، وهو ملتح يرتدي جلبابا «تابعنا قيام هذه الثورة الشبابية المباركة، ولا نريد أن تتجه اتجاهات تأخذ الدولة الى المزيد من ممارسات الحكم العلماني، فلابد من المحافظة على هويتنا الإسلامية».

وأضاف أن «أكبر ضمانة لاستمرار الهوية الإسلامية للدولة، هي بقاء المادة الثانية من الدستور المصري الحالي، والتي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، هذه المادة هي حاجز الصد ضد الغزو الفكري العلماني الغربي».