انقلاب في التناول الإعلامي للصحف القومية بمصر

«الأهرام» تصدر ملحقا خاصا وزع في «ميدان التحرير» وتصف حركة الشباب بـ«الثورة»

«الأهرام» أصدرت ملحقا خاصا وزع في «ميدان التحرير» ازدان بصور المتظاهرين، منها صورة وائل غنيم مفجر ثورة الشباب، ووصفت حركة الشباب بـ«الثورة» («الشرق الأوسط»)
TT

انقلاب في لغة الصحف القومية شبه الرسمية والإعلام الرسمي تبدى أمس على نحو صارخ في «مانشتات» الصحف الرئيسية الثلاث «الأهرام» و«الأخبار» و«الجمهورية»، حيث تبدلت على نحو مفاجئ من صوت النظام الرسمي، الحاملة لتصريحاته ووجهة نظره، إلى صوت مناصر لـ«ثورة» شباب ميدان التحرير. وفاجأت أمس صحيفة «الأهرام»، لسان حال النظام، جمهورها بقولها في مانشتها الرئيسي: «محاولات لتشكيل ائتلاف ثورة 25 يناير»، في حين خرجت صحيفة «الأخبار» بمانشت: «مصر تعود أكثر قوة».

ولم يكن قد مضى إلا يوم واحد على ما بات يعرف بـ«الأربعاء الدامي» في ميدان التحرير حيث تم إطلاق آلاف من «البلطجية» لترويع الشباب المعتصم بالميدان منذ يوم 28 يناير (كانون الثاني) الماضي، حتى خرجت صحيفة «الأهرام» القومية (شبه الرسمية) بمانشت في صدر صفحتها الأولى يقول: «الملايين يخرجون تأييدا لمبارك» باللون الأحمر وبالبنط العريض، مع عناوين فرعية منها «يوم الوفاء لمبارك في كل المحافظات»، و«حوار مؤسف بين المتظاهرين بالطوب الحجارة» (في إشارة للمواجهات التي سقط خلالها عشرات من القتلى والجرحى بين صفوف المناوئين للرئيس المصري وأدانها النظام نفسه).

وحملت الأيام التالية تطورات سياسية عميقة في البلاد مع الدعوة لإطلاق الحوار الوطني بين نائب الرئيس المصري وقوى المعارضة الرسمية منها وغير الرسمية، وأبرزها جماعة الإخوان المسلمين المحظورة منذ خمسينات القرن الماضي. هذه التغييرات وجدت صداها على صدر صفحات الصحف القومية الرئيسية شبه الرسمية، وعلى غرار «الأهرام»، جعلت صحيفة «الجمهورية» عنوانها الرئيسي: «الإفراج عن وائل غنيم.. وشباب التحرير يحتفلون بخروجه». أما صحيفة «الأخبار» فحملت عنوانين هما: «مصر تعود أكثر قوة»، و«شباب 25 يناير لـ(الأخبار): من لم يختنق بالغاز لا يتحدث باسمنا».

وكان لافتا إصدار صحيفة «الأهرام» ملحقا خاصا سمته «ملحق شباب التحرير» وزع في الميدان وحمل عنوان «عيشوا كراما تحت ظل العلم» المقتبس من قصيدة غنتها سيدة الغناء العربي أم كلثوم في رائعتها «مصر تتحدث عن نفسها»، وهو تحول لافت في تعامل الصحيفة مع المعتصمين بالميدان منذ أسبوعين.

هذا التحول في لغة الإعلام الرسمي من التعبير عن وجهة نظر النظام في مصر، إلى النقل المباشر عن لسان ما سمته الصحف القومية نفسها بشباب «الثورة» في أول اعتراف بهذا المفهوم في الصحف القومية، أثار جدلا واسعا، وقرأ فيه مراقبون ما اعتبروه «فرارا من سفينة غارقة»، في حين رأى آخرون أن ما يحدث يأتي «تصحيحا لنهج خاطئ ساهم في إشعال الموقف المتفجر منذ جمعة الغضب».

ويرى الخبير الإعلامي الدكتور محمود علم الدين وكيل كلية الإعلام بجامعة القاهرة أن «الصحف القومية ترغب في كسب جمهور كانت خسرته خلال ممارساتها السابقة، وهذه فرصتها لاسترداد جمهورها في ضوء واقع بدأ يلوح في الأفق ولم تتحدد ملامحه، مع عدم إغفال انتباه سبق الأحداث الأخيرة لبعض هذه الصحف في طريقة تناولها للواقع المصري». وتابع: «إننا نشهد ما يمكن أن نطلق عليه (إعلام محنة)، ولا مجال لتصفية الحسابات، والتقييم المهني الموضوعي يجعلنا نعترف أن لكل صحيفة سقف حرية يحدده الاقتصاد السياسي لوسائل الإعلام ويتحكم فيه هيكل الملكية والتمويل»، مشيرا إلى أن ما يحدث اليوم تصحيح لمسار إعلامي يستجيب لمصالح الشعب.

وفي ما بدا استجابة أخرى غير متوقعة للصحف القومية، غياب الصفة التي ظلت لصيقة بجماعة الإخوان المسلمين وهي صفة «المحظورة» عن صفحاتها للمرة الأولى. وكانت الصحف القومية تشير للجماعة مقتصرة على تسميتها بـ«المحظورة» فقط.

يأتي هذا التحول في التعامل مع الجماعة الأكثر تأثيرا في البلاد بعد أن استضافتها المائدة المستديرة التي جمعت قوى المعارضة بنائب الرئيس المصري قبل يومين وحضرها عضوين من مكتب إرشاد الجماعة.

وطالت هذه التحولات مواقف الصحافيين العاملين في الصحف القومية وعلى رأسها صحيفة «روزا اليوسف» التي خرج العاملون بها في مظاهرة أمس أمام مقرها في شارع قصر العيني ورفعوا شعارات مناهضة لرئيس تحريرها عبد الله كمال القيادي بالحزب الوطني الديمقراطي (الحاكم).

وعلى صعيد متصل، أعلن عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين يحيى قلاش أن عددا كبيرا من الصحافيين تقدموا أول من أمس ببلاغ للنائب العام المصري للمطالبة بفتح ملفات الفساد في المؤسسات الصحافية المصرية خاصة الصحف القومية.

وأضاف قلاش أن عددا من الصحافيين أعلنوا في بيان لهم نيتهم توجيه الدعوة لعقد جمعية عمومية لنقابة الصحافيين من أجل إسقاط مجلس النقابة الحالي، ونقيب الصحافيين مكرم محمد أحمد، الذي تعرض أمس لهجوم حاد من قبل الصحافيين الموجودين بمقر النقابة أثناء تشييع رمزي للصحافي المصري أحمد محمود الذي سقط قتيلا خلال الاحتجاجات الأخيرة.

إلى ذلك، انتشرت في مصر خلال الأيام الماضية شعارات ومفاهيم صكتها المعارضة والنظام المصري لتكثيف خطابها الإعلامي، وعلى سبيل المثال طال النقد التعبير الذي استخدمه نائب الرئيس المصري عمر سليمان لخطوات حل الأزمة حيث أطلق عليها «خريطة الطريق».

واستدعى هذا التعبير إلى الذهن خريطة الطريق التي أطلقها جورج بوش الابن للتعامل مع القضية الفلسطينية وباتت تحظى بسمعة سيئة في ضوء السياسات الأميركية التي حاولت تفريغ اتفاقيات أوسلو من مضمونها، والبدء من جديد، وكذلك ما أطلق عليه شباب الحركة الاحتجاجية «أسبوع الصمود» الذي بدا بالنسبة للبعض تعبيرا غير موفق يضعهم في خندق الدفاع عن أنفسهم.

وفي السياق نفسه، طالت مظاهر من الغضب والاستياء والتقدير أيضا عددا من نجوم الفضائيات المصرية الخاصة، حيث انقسم موقف الشارع بشأن مسلكهم تجاه الأحداث الجارية؛ ففي حين اتسم خطاب بعض هذه الفضائيات بالتعاطف مع الموقف الرسمي، وقفت فضائيات أخرى في صف المعتصمين بالميدان تحت السقف المسموح به إلى أن تحول موقفها لاحقا إلى التأييد الكامل.

وحظي إعلاميو قناتي «أون تي في» و«دريم» (ريم ماجد ومنى الشاذلي) بتعاطف الشارع المصري على عكس من الإعلاميين (سيد علي وهناء السمري وعمرو أديب) اللذين ساندوا وجهة نظر النظام حيال الأحداث خاصة في الأيام الأولى من الاحتجاجات.