من الصين إلى أميركا.. مصر أم الحدث وصحف تشبه لحظات تنحي مبارك بسقوط حائط برلين

صحف غربية تشدد على تاريخية الحدث وتعتمد لغة التفاؤل الحذر.. والصحف الصينية تتجنب ذكر «ديمقراطية» وتتحدث عن «أزمة»

لقطات من الصفحات الأولى للمطبوعات اليومية في أوروبا وأميركا
TT

من الصين إلى الولايات المتحدة، مرورا بأوروبا، انشغلت الصحف العالمية والمحلية بالتعليق والتحليل حول التطورات في مصر بعد تنحي الرئيس حسني مبارك عن السلطة أول من أمس، لينهي 30 عاما قضاها رئيسا للبلاد. وفي حين طغت لغة التفاؤل في نقل أحداث مصر، حذرت صحف من أن تنحي مبارك ليس إلا بداية الطريق لتحقيق الديمقراطية. وتكررت تعبيرات تشير إلى تاريخية الحدث، لدرجة أن بعض الصحف البريطانية والأميركية شبهت لحظات أول من أمس بلحظات سقوط حائط برلين. وامتلأت صفحات الجرائد أيضا بالمديح لشجاعة الشعب المصري الذي «سطر التاريخ».

عبرت الصحف الأميركية أمس عن تفاؤل حذر حيال الأحداث في مصر التي تنحى رئيسها حسني مبارك بعد حكم دام ثلاثين عاما وسلم السلطة إلى الجيش. وكتبت صحيفة «وول ستريت جورنال» في الافتتاحية، أن «مسيرة مصر في اتجاه الحرية السياسية بدأت، ويمكننا أن نتوقع مزيدا من الخلافات مع استمرارها». إلا أن الصحيفة نفسها رأت أن «مصر الجديدة هذه هي أفضل فرصة منذ اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 لتغيير العالم العربي المتصلب، ويجب أن ينتهزها المصريون وأصدقاؤهم».

وأشارت إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا لا يمكنهما أن تمليا على مصر شيئا لكنهما يمكن أن تؤثرا على عمليتها الانتقالية. وتحدثت عن العلاقات الوثيقة بين القاهرة وواشنطن، وأضافت أن «أمرا مغريا آخر يمكن أن يعرض على قادة مصر المقبلين هو اتفاق للتجارة الحرة وفتح أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أمام منتجاتها بقدر ما يتقدم إحلال الديمقراطية فيها».

أما صحيفة «لوس أنجليس تايمز» فرأت أن الأحداث في ساحة التحرير «مدهشة». وقالت إن «توقيت الاحتجاج قد يكون تأثر بالانتفاضة في تونس لكنه يعكس شعورا بالإحباط من النظام السياسي العقيم والفاسد في مصر ووحشية قوى الأمن وغياب الفرص للشبان المتعلمين». وأضافت أنه «لم يسجل أي تعبير عن التوق إلى الحرية بهذا الشكل منذ سقوط جدار برلين».

من جهتها، دعت صحيفة «واشنطن بوست» الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى إلى الضغط على الإدارة العسكرية الجديدة للتحرك في اتجاه الديمقراطية. وقالت إن «العملية يجب أن تكون أكيدة لكن من دون تسرع». وأضافت أن «أهداف الولايات المتحدة يجب أن تشمل مساعدة الحركات الوسطية التي قمعها مبارك لتتمكن من تنظيم نفسها، والمساعدة في إقامة سلطات مستقلة للإشراف على الانتخابات ومراقبتها وتشجيع انفتاح وسائل الإعلام الحكومية على كل الأطراف».

وفي لندن، شبهت الصحف البريطانية أمس استقالة مبارك بسقوط جدار برلين، لكنها عبرت في الوقت نفسه عن قلق على مستقبل الشرق الأوسط بأكمله. ورأت صحيفة «تايمز» أن سقوط مبارك يجلب «الفرح والأمل والحرية إلى مصر.. لكنه يجلب أيضا الشك والتغيير إلى منطقة متقلبة». وأضافت: «إنها لحظة سقوط جدار برلين لهذا الجيل. فمصر والشرق الأوسط والسياسة في العالم العربي تغيرت إلى الأبد». وتوقعت الصحيفة «أن لا تسقط كل الأحجار»، لكنها قالت إن «الكثير من الحكومات ستهرع الآن لتجنب ظروف مماثلة لتلك التي أدت إلى الثورة».

وتحت عنوان «ثورة النيل» كتبت صحيفة «فايننشيال تايمز» أنه «في مصر والعالم العربي لم يعد هناك سبب الآن» للامتناع عن تطبيق المبادئ الغربية. أما صحيفة «الغارديان»، فقالت إنها «لحظة تاريخية (...) تعيد مصر إلى قيادة العالم العربي»، معتبرة أن «المصريين لم يستعيدوا استقلالهم من مبارك بل برهنوا أيضا على استقلالهم عن الولايات المتحدة وحلفائها».

ولكن صحيفة الـ«ديلي تلغراف» كانت أكثر تحفظا، وكتبت: «لا شك أن ما يتم الترحيب به كانتصار للشعب هو استيلاء عسكري على السلطة». ورأت أن استقالة مبارك «يمكن أن تكون بداية الأزمة في البلاد وليس نهايتها». أما صحيفة الـ«إندبندنت»، فقد أشارت إلى أن الجيش أصبح يمسك بزمام الأمور في مصر. وقالت إن «كل شيء مرتبط الآن بالطريقة التي سيستخدم فيها الجيش السلطة»، مشيرة إلى أن حوادث سابقة تدل «مع الأسف» على أن الأنظمة العسكرية يمكن أن تمتنع عن التخلي عن السلطة مثل الرؤساء المستبدين.

وفي بكين، شددت الصحف الصينية على ضرورة «إعادة إحلال الاستقرار» في مصر غداة تنحي الرئيس حسني مبارك في اليوم الثامن عشر من مظاهرات شعبية غير مسبوقة، في حين بقيت منتديات الحوار على الإنترنت خاضعة لرقابة مشددة في الصين. وفي افتتاحيتها، تجنبت ذكر الأسباب خلف الحركة الاحتجاجية في مصر ولم تورد مرة كلمة «ديمقراطية»، وتحدثت صحيفة «تشاينا ديلي» الرسمية عن «أزمة» في مصر. وكتبت أن «المظاهرات عبر مدن هذه الدولة العربية قلبت كل شيء رأسا على عقب وبلبلت حياة السكان اليومية». وتابعت: «نأمل أن يسعى الجيش المصري وحكومة (مصر) وشعبها للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي وإعادة إحلال النظام العام».

وأوردت الصحف والمواقع الإلكترونية الإخبارية الصينية الأخرى خبر استقالة مبارك، ولكن نقلا عن وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية التي تشدد على ضرورة إعادة إحلال النظام العام من دون أن تأتي على ذكر الدعوات الشعبية إلى الديمقراطية. وذكرت «تشاينا ديلي» أن المظاهرات قام بها «مئات آلاف الشباب المصريين» محذرة من مخاطر «تدهور» الوضع. وأكدت الصحيفة أن «أي تغيير سياسي سيذهب سدى إذا ما غرق البلد في نهاية المطاف في الفوضى».

ورأت أنه «إذا استمر الوضع الحالي في التدهور، فهو لن يكون بمثابة كابوس لثمانين مليون مصري فحسب، بل سيعرض للخطر السلام والاستقرار الإقليميين». وأكدت أخيرا أن «ما يجري في مصر شأن داخلي.. ينبغي حله من دون تدخل أجنبي». وتنظر الحكومة الصينية بكثير من الحذر إلى مطالب إحلال الديمقراطية في مصر وتفرض منذ أسبوعين الرقابة على منتديات الحوار على الإنترنت التي تتطرق إلى حركة الاحتجاجات الشعبية الحاشدة في مصر. ويخشى الحزب الشيوعي الحاكم في بكين احتمال انتقال العدوى من القاهرة بعد الثورة التونسية التي طردت الرئيس زين العابدين بن علي من السلطة.

وفي إيطاليا، وصفت صحيفة «كوريرا ديلاسيرا» ما حدث في مصر بأنه «انتصار لشباب مصري بلا حزب». وكتبت الصحيفة في عددها الصادر اليوم قائلة: «تماما مثل لويس الخامس عشر (ملك فرنسا) كان يقول مبارك إن رحيله يعني إشاعة الفوضى. لذا، يتعين على الجيش الآن أن يريه أنه كان مخطئا». وقالت الصحيفة إن النصر الذي تحقق في مصر كان على يد شباب ليس لهم حزب ومع ذلك تحدوا العالم العربي». وأضافت الصحيفة: «الرئيس الأميركي باراك أوباما كان على حق عندما قال إن المصريين يسطرون التاريخ».

واستطردت الصحيفة في تعليقها: «18 يوما من الاحتجاجات نجحت في إرغام مبارك على التنحي بعد حكم مستبد دام لما يقرب من 30 عاما.. العناد والاستعداد للتضحية من قبل شباب (مسلح) بالإنترنت وحده نجح في إسقاط قصر كان يبدو صلبا».

كذلك أبدت الصحف في بولندا ترحيبا حذرا بالتطورات في مصر، علما بأن بولندا تخلصت من أغلال الشيوعية قبل أكثر من نحو 20 عاما. وقالت صحيفة «رزيسبوسبوليتا» المحافظة، بحسب وكالة الأنباء الألمانية: «مصر الآن لديها فرصة ضخمة، حيث يمكنها أن تصبح أول ديمقراطية عربية في الشرق الأوسط. والبلاد لديها إمكانية اقتصادية هائلة وتشكلت الآن أسس مجتمع مدني. وستكون مصر مستقرة وديمقراطية ووطنا جيدا لمواطنيها وحسنة الجوار لدول أخرى في المنطقة». غير أن الصحيفة أبدت تحفظا قائلة: «هناك احتمال لسيناريو سلبي أيضا. فالسلطة يمكن أن يتولاها الإخوان المسلمون. عندئذ يمكن أن تتغير مصر بدلا من أن تصبح دولة ديمقراطية إلى إيران ثانية. وسيكون ذلك تطورا مفجعا لإسرائيل وللمصريين أنفسهم».