مشهد مختلف بين تولي مبارك بعد اغتيال السادات وتنحيه

شاهد على حادث المنصة وثورة 25 يناير

TT

هذه المرة تقافز الناس من الفرح، وتعانق الجيران، وهتفوا بصوت واحد مرددين «الحرية» و«الله أكبر»، ولوحوا بعلم مصر، وقرعوا طبولهم، وتدفقوا إلى وسط المدينة للمشاركة في حفل الجيل.

ويقول جوناثان رايت، الذي كان شاهدا على الأمر، في تقرير كتبه لـ«رويترز»: «كان مشهدا مختلفا تمام الاختلاف عما رأيته قبل 30 عاما عندما فقدت مصر رئيسها الأسبق أنور السادات باغتياله الذي جاء بمبارك إلى السلطة. وقد اكتظت الشوارع بحشود المبتهجين الذين يحتفلون بنجاح الانتفاضة الشعبية أمام قصر الرئاسة شمال شرقي القاهرة يوم الجمعة، الذي انحنى فيه الرئيس المصري حسني مبارك أمام الضغط الشعبي وتخلى عن منصبه. وتلألأت السماء بالألعاب النارية، وتعالت أصوات أبواق السيارات. والتقطت مجموعات من الشباب صورا بالهواتف المحمولة أمام حاملات الجنود المدرعة».

ويقول رايت «سرت في الشوارع ذاتها بضاحية مصر الجديدة بالقاهرة في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1981، وهو اليوم الذي شاهدت فيه إخراج جثمان السادات من خلف المنصة عندما اغتاله إسلاميون متشددون في عرض عسكري. في ذالك اليوم خيم التوتر على شوارع مصر التي أصيبت بالصدمة. وكانت المعلومات تمضي بتثاقل في غياب القنوات التلفزيونية الفضائية والهواتف المحمولة والإنترنت، ولم يعرف غالبية المصريين الكثير عما حدث في ساحة العرض». وأضاف «كنت أجلس على بعد 50 مترا تقريبا إلى اليسار من السادات ومبارك الذي كان نائبا للرئيس آنذاك، وكلاهما كان يرتدي بزة عسكرية كالتي يرتديها الجيش في بروسيا، والتي كان السادات يفضلها. وعندما وصل السادات لاحظت أنه كان ينتعل حذاء عالي الكعبين كالذي يستخدمه رعاة البقر، وهو أمر لم يكن مألوفا، لكنها كانت علامة أخرى على نزوع الرجل إلى التأنق والبهرجة. واندفعت مركبات الجيش احتفالا بأداء القوات المسلحة المصرية في حرب عام 1973 التي يعتبرها المصريون نصرا. فجأة توقفت شاحنة.. وقفز من صندوقها الخلفي مجموعة من الرجال، وركضوا ناحية المنصة حيث كان السادات جالسا».

ويتابع رايت قائلا «كنت أنظر لحظتها في جهة أخرى، ربما كنت أتابع طائرات الميراج التي كانت تحلق فوق المنصة وتطلق دخانا ملونا. ثم انفجرت قنبلة. ولم يكن هذا جزءا من المشهد العادي الذي يمكن التنبؤ به، وتبع ذلك وابل من نيران البنادق الآلية. عندئذ كان الناس ورائي وفوقي في المنصة يتخذون ساترا على الأرض، وكومت الكراسي المعدنية فوقي. ووضعت ذراعي فوق رأسي وزحفت بعيدا. وعندما وصلت إلى الطرف الأيسر من المنصة نظرت ورائي حيث كان السادات جالسا، فوجدت حالة من الهرج والمرج. ولم أعرف في ذلك الوقت أن السادات و11 شخصا معه قتلوا، وأصيب كثيرون في إطلاق النار». ويواصل «كنت قلقا من حالة الفوضى، ومن وجود عدد كبير من الناس المسلحين، وسرت بخفة نحو الاستاد، وهرولت ناحية مجموعة من الناس في بزات يحملون جثمانا ملفوفا في غطاء. أحدهم كان يلوح بمسدس ويطلب من الناس أن يبتعدوا لأن الرئيس أصيب. وتمكنت من رؤية السادات بصلعته المميزة وحذاء رعاة البقر ذاته يبرزان من الأغطية. ورفعت يدي وتنحيت جانبا حيث وضعوا الجثمان في طائرة هليكوبتر منتظرة فيما كانت محركاتها تعمل. وأخذته الطائرة وتوجهت به جنوبا. أخيرا وجدت هاتفا عند بوابة شركة وسمح لي الحارس باستخدامه. وأبلغت زملائي بما رأيته، وقلت لهم إن السادات أصيب وغادر في طائرة هليكوبتر. كانت جميع الشوارع مغلقة بسبب العرض العسكري، ولم تظهر في الأفق سيارة أجرة، فمشيت.. وأخيرا وجدت سيارة نقلتني إلى ضاحية مصر الجديدة القريبة. ومع انتشار نبأ إطلاق النار خيمت على أرجاء المدينة أجواء من الوجوم والقلق. وكان الأسبوع الأخير من عمر السادات قد شهد حالة من الصدمة بالفعل، حيث وقعت اعتقالات جماعية، وألقيت كلمات طويلة وجه السادات خلالها كلمات لوم قاسية للمعارضة.

وكان لحسني مبارك - الذي ظهر على شاشات التلفزيون في ذلك اليوم وعلى يده ضمادة حيث أصيب بجرح صغير - حضور مطمئن لكثير من المصريين في تلك الأوقات العصيبة. وكما هو مألوف في تلك الحالات توقع كثيرون ألا يستمر طويلا. ولم تكن له خبرة سياسية كبيرة كقائد سابق للقوات الجوية، ولم يظهر أي علامة على أن لديه طموحات كبيرة. لكن حكم مصر أصبح مسألة اعتيادية لديه، ولم يظهر أبدا أي علامة على أن لديه أي رؤية لكيفية توجيه البلاد بعيدا عن النظام الذي ورثه. وقال إنه يخدم بلده وحسب، لكنه ظن في نفسه أنه شخص أساسي، وهون من شأن مؤهلات أي شخص حاول أن يتحداه.

وبينما تقدم العمر بمبارك انتشرت الأفكار الجديدة بين جيل جديد من المصريين الشبان المرتبطين بالإنترنت، وأصبح من الصعب أن يستمر أسلوب مبارك الأبوي والمتسلط. وعندما أطاح التونسيون بالرئيس زين العابدين بن علي في يناير (كانون الثاني) الماضي أدرك المصريون فجأة أن ذلك بات أمرا ممكنا. وبدأت الانتفاضة الشعبية ضد مبارك في 25 يناير، واكتسبت قوة وزخما مع سقوط حاجز الخوف. وكان مبارك يعرض على المصريين حتى آخر يوم له في السلطة ما عرضه عليهم في عام 1981 وخلال حكمه، ألا وهو الاستقرار بأي ثمن. وفي النهاية قال المصريون إن الثمن باهظ، وبدلا من ذلك هتفوا (للحرية) ثم عاشوا غمرة الفرح».