طفرة التعليم العالي في السعودية تحول الجامعات من أسوار مغلقة إلى أبواب مشرعة

زيادة الأكاديميات التعليمية دليل على اهتمام الدولة بصناعة المواطن

TT

خلال عقد مضى، كان التعليم العالي في السعودية يمثل أمنية لدى كثير من خريجي الثانوية العامة، بل وأصبح الالتحاق بجامعة سعودية هاجسا يؤرق الخريجين وأولياء الأمور.

فالجامعات السعودية كانت النظرة لها فيما مضى مؤسسات حكومية، مهمتها تزويد سوق العمل بخريجين يغلب عليهم طابع الملقنين للتعليم لا المتفاعلين معه، فضلا عن أن تلك الجامعات ظلت لفترة طويلة حبيسة أسوارها التي يطلق عليها «الحرم الجامعي»، ولم تكن تتفاعل مع المجتمعات التي تعمل بها إلا ما ندر.

أما الواقع الآن في السعودية، وخلال فترة زمنية بسيطة، فقد انقلب على بعضه، وأصبح ينظر للتعليم العالي في السعودية كـ«بركان» ظل خامدا لسنوات، وانفجر فجأة، ولم يعد أحد يستوعب النقلة الكبيرة والطفرة الهائلة في التعليم العالي في البلاد.

فمن 7 جامعات حكومية، إلى 57 جامعة وكلية أهلية وحكومية، وخلال أقل من 10 أعوام، خلاف برنامج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز للابتعاث، الذي بات هو الآخر يعتبر جامعة أخرى، يمكن أن تضاف لمؤسسات التعليم العالي، بالإضافة إلى أن الجامعات السعودية التي كانت متذيلة التصنيف العالمي للجامعات، تقدمت وبوقت قياسي إلى الأمام وتخطت جامعات عربية وغير عربية من تلك التي تعتبر عريقة.

هذا الحراك الذي شهده سلك التعليم في السعودية، لا بد أن يغوص القارئ في أعماقه قليلا، لاستكشاف ومعرفة ماذا بعد هذه الثورة المعرفية في قطاع مهم كالتعليم العالي، وماذا لدى كل هذه المؤسسات التعليمية من شيء لتقدمه، أو ماذا ينتظر منها من إسهام في وطنها.

أسئلة كثيرة طُرحت على أبرز الجامعات السعودية، وما بين ارتياح للحاضر وتفاؤل في المستقبل، فإن معظم مديري الجامعات الذين أجابوا عن استفسارات «الشرق الأوسط» يؤكدون أن التعليم العالي في السعودية ليس أمامه خلال الأعوام القليلة المقبلة إلا الإبداع فقط، الإبداع لا غيره.

الدكتور سليمان بن عبد الله أبا الخيل، مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، يرى أن التعليم العالي في السعودية يعيش حقبة ذهبية بجميع مؤسساته وقطاعاته الحكومية والأهلية، معيدا ذلك إلى توفيق الله أولا، ثم لجهود الحكومة التي دأبت على خلق إنسان سعودي يستطيع مقارعة غيره من أبناء الدول التي سبقت بلاده في التعليم.

أبا الخيل يعتبر أن لغة الأرقام والإحصاءات تعطي دليلا على أن الميزانيات المرصودة للتعليم العالي هي الأضخم في تاريخها، في حين يرى أحقية الشعور بالفخر في نفس كل مواطن، وفي كل مناسبة، بل إن هذه الوفرة والطفرة أعطت الجامعات فرصا كبيرة، حتى تعيد النظر في واقعها وبيئة التعليم فيها، وتستكمل فيها البنى التحتية بما يواكب التطور العالمي الذي يعيشه العالم في كل شأن، ومن ذلك شأن التعليم العالي.

وأضاف أن ما يزين هذه القفزة التطويرية أنها اعتمدت الشراكات العالمية مع الجامعات المرموقة في العالم، وجعلت منطلقها من حيث انتهى الآخرون، والعالم بحكم التطور التقني والتواصل المذهل أصبح كالقرية الواحدة.

في المقابل يرى الدكتور عبد الله العثمان، مدير جامعة الملك سعود، أن ما يحدث اليوم في التعليم العالي يعتمد على رؤية وطن لمرحلة زمنية، كون ثروات الدول تأتي من مصدرين أساسيين في القرن الـ21، الأول من جيل متعلم، والثاني من الأفكار الإبداعية، واعتبر هذا اليوم بمثابة الثروة؛ لأن الفرق بين الثروة والفقر هو إنتاج المعرفة، والمعرفة لا تنتج إلا من مصدرين رئيسين هما: جيل متعلم، وأفكار إبداعية.

ويرى الدكتور العثمان أن وزارة التعليم العالي قدمت مشروعها للملك عبد الله بن عبد العزيز قبل نحو 6 سنوات لتطوير التعليم العالي، فما يحدث اليوم هو نتاج في التوسع في الجامعات والابتعاث والتعليم العالي الأهلي، وأن التعليم العالي ومؤسساته تضاعفت أكثر من 4 مرات خلال فترة زمنية بسيطة.

وبيَّن أن حصيلة البرنامجين الأول والثاني محفظة استثمارية وقفية تتجاوز قيمتها 3700 مليون ريال (986 مليون دولار)، سوف تدر على الجامعة عائدا استثماريا سنويا لا يقل عن 350 مليون ريال (93 مليون دولار)، ومن أبرز مخرجات الشراك التطويري خلال الـ3 سنوات ماضية هو أنه سيدر للجامعة موارد مالية.

وكأبرز نقطة تعليمية على خارطة التعليم في السعودية، تبرز في شمال المملكة جامعة حائل، التي تعتبر إحدى الجامعات السعودية التي شقت طريقها نحو التميز والإبداع، فتأكد على لسان مديرها الدكتور أحمد السيف، أن هناك نموا كبيرا في التعليم العالي وميزانية الدولة لهذا القطاع في ازدياد، الأمر الذي ساعد في نمو التعليم العالي بشكل كبير ونمو الجامعات.

من جهته، يرى الدكتور سعد الحريقي، مدير جامعة الباحة، أن هذه الفترة تعتبر ذهبية من حيث التركيز والاهتمام لتنمية الموارد البشرية لأبناء الشعب السعودي، وبذلك زيادة الجانب النوعي لمخرجات التعليم العالي. وأضاف الحريقي أنه من الملاحظ أن الحكومة حريصة على التطور وعلى التنمية، والتنمية من دون أن تكون هناك أيد سعودية ذات خبرة مؤهلة للمشاركة في التنمية لن تتحقق.

كما أسهم استقطاب الجامعات لخبرات عالمية لتطوير برامجها وتنوعها، فضلا عن وجود أكثر من 100 ألف طالب وطالبة مبتعثين للخارج وهي جهود مشكورة للدولة من حيث إعطاء الفرصة للشباب السعودي للاستفادة من التعليم العالي في الخارج، وأن هؤلاء الطلاب سوف يكون لهم فرصة كبيرة في المشاركة في التنمية سواء في فرص وظيفية سواء في وزارات الدولة أو في القطاع الخاص أو حتى أعمالهم الخاصة، وكل ذلك عائد إلى الطفرة التي يعيشها قطاع التعليم العالي حاليا.

ويتفق الدكتور خالد بن سعد المقرن، مدير جامعة المجمعة، على أهمية مواكبة الطفرة التي يعيشها التعليم العالي في السعودية، والاستفادة من ذلك بتطوير هذا القطاع بما يتوافق والخطط التي من أجلها تم تطوير هذا القطاع.

ويقول المقرن: إن الجامعة بحكم أنها حديثة النشأة فإنها تعمل على الاستفادة من خريجي الابتعاث وسوف تستقطب المميزين من خريجي برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث، وإن ذلك نابع من حرصها على أبناء الوطن والاستفادة من المتميزين.

* حقائق عن التعليم العالي في السعودية

* 57 جامعة وكلية حكومية وأهلية تعمل في المملكة.

* يتوقع أن يصل حجم المبتعثين في الخارج إلى نحو 140 ألفا خلال سنوات.

* يسهم قطاع التعليم العالي في بلورة استراتيجية المملكة في التحول إلى الاقتصاد المعرفي.

* حولت الجامعات السعودية استراتيجية من توفير الكوادر البشرية في سوق العمل إلى صناعة سوق عمل.

* جامعتا الملك سعود والملك فهد للبترول والمعادن حققتا مركزين متقدمين في تصنيف شنغهاي العالمي.

* التعليم يستحوذ على 26% من الميزانية السعودية برصد 150 مليار ريال (40 مليار دولار) خلال عام 2001.