الحركة الشعبية تبحث فك الارتباط التنظيمي مع قطاعها في الشمال

الحكومة والمعارضة ترحبان بالإطاحة بمبارك.. والبشير يهاتف طنطاوي.. والخارجية تحذر من عواقب التظاهر

TT

تدرس الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان، والشريكة في الخرطوم، مستقبلها التنظيمي والسياسي في الشمال، وكيفية فك الارتباط بين تنظيمي الحركة في الشمال والجنوب بعد الانفصال، في وقت قدم فيه وسطاء أفارقة مقترحا بمد الفترة الانتقالية بين جوبا والخرطوم لمدة عامين بدلا من 6 أشهر لتوفيق القضايا الخلافية، فيما توعد رئيس الجنوب بعزل كل من يثبت تورطه في الفساد من حكومته وتطبيق أقسى العقوبات من أجل حكم شفاف ورشيد.

وبدأ في العاصمة الجنوبية جوبا، أول من أمس، اجتماع للمكتب السياسي للحركة الشعبية بعد إجراء استفتاء تقرير المصير وإعلان انفصال الجنوب، وعلمت «الشرق الأوسط» أن الاجتماع الذي يستمر لثلاثة أيام سوف يبحث نتيجة الاستفتاء وإعلان قبولها من جانب الحركة، وترتيبات ما بعد الاستفتاء التي تشمل ملفات الجنسية والمواطنة وأوضاع الجنوبيين بالشمال والشماليين بالجنوب، وعائدات النفط وقسمتها مع الشمال، بالإضافة إلى الموارد الطبيعة الأخرى، بما في ذلك المياه ومسألة الديون الخارجية والعملة والمعاهدات الدولية، كما يبحث الاجتماع مسائل أبيي وترسيم الحدود، إلا أن القضية المهمة في نظر المراقبين هي مستقبل الحركة الشعبية، التي تضم شماليين مع الجنوبيين، وهم الأغلبية، لكن بعد التاسع من يوليو (تموز) المقبل يصبح عمل الحركة كتنظيم واحد مواجها بكثير من المصاعب في وقت يرفض فيه المؤتمر الوطني الحاكم في الخرطوم السماح للحركة بالاستمرار كحزب سياسي بالشمال، لكن نائب رئيس الحركة ورئيس حكومة الجنوب رياك مشار قال في تصريحات صحافية «لا مشكلة تواجه الحركة بالشمال لأنها مسجلة بالخرطوم، وهناك الأصل، لكن الحركة مطالبة بترتيب أوضاعها في الجنوب بالتسجيل مع الأحزاب الأخرى، أو توفيق أوضاعها بما تقرره، ويتوقع أن يخرج المكتب السياسي بمقترحات تقدم بعقد مؤتمر عام في الفترة المقبلة». إلى ذلك لوح رئيس حكومة الجنوب سلفا كير ميارديت بملاحقة كل من يثبت تورطه في الفساد وعزله من منصبه، في سياق حملة من أجل الحكم الرشيد والشفافية، وكان سلفا كير قد قام بجولة على عدد من الطرق التي أنشأتها حكومته استعدادا لإعلان الدولة الجديدة.

في غضون ذلك، اتفقت الحكومة السودانية مع المعارضة والشعب لأول مرة حول موضوع واحد، وهو الإطاحة بالرئيس المصري حسني مبارك، وذكر مصدر مقرب من الرئيس البشير أنه أجرى اتصالا هاتفيا ظهر أمس بالمشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية، متمنيا له التوفيق في إدارة شؤون مصر خلال هذه المرحلة التاريخية المهمة التي تمر بها.

وعبر رئيس الجمهورية في اتصاله الهاتفي عن ثقته في قدرة القوات المسلحة بالعبور بمصر إلى مرحلة الاستقرار والتقدم وتلبية تطلعات الشعب المصري الشقيق، مؤكدا حرص القيادة السودانية على أزلية العلاقات بين البلدين واستعداد الحكومة السودانية لتقديم كل عون في سبيل ما يخدم مصالح الشعبين الشقيقين.

من جهة أخرى، حذر وزير الخارجية السوداني، علي كرتي، حكومته من عدم الاستفادة من الحركة الجديدة التي شهدتها كل من تونس ومصر، والتي أدت إلى تغيير النظام فيهما، وقال «إذا تم تجاهلها قد تكون مثار قلق». وأضاف أن ما حدث في تونس والقاهرة جزء من سياستهما الداخلية، ولكن له نتائجه على السياسة الخارجية، داعيا إلى تواصل إيجابي مع مصر وتونس، وقال «نحن من أكثر المستفيدين من انتباه مصر لقضاياها الإقليمية، ونؤكد على وعينا التام بما يمكن أن تؤول إليه الأمور فيها»، مشيرا إلى أن سياسة الحكومة مع مصر لن تنساق وراء لافتة معينة وسيتم التعامل مع الحكومة التي ستفرزها الانتخابات التي ستجرى، واصفا علاقة بلاده مع ليبيا بالعادية، لكنه قال «إنها كان يمكن أن تنحدر إلى ما دون ذلك بسبب ما جرى في القمة الأفرو - أوروبية الأخيرة التي رفضت فيها طرابلس دعوة البشير بسبب الضغوط الأوروبية بعدم حضوره على خلفية قرار المحكمة الجنائية الدولية التي تطالب بالقبض عليه لاتهامه بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية.وقال كرتي في لقاء تفاكري مع قادة الأجهزة الإعلامية، أمس، بالنادي الدبلوماسي حول استراتيجية الحكومة في السياسة الدولية في المرحلة المقبلة، إن بلاده أمام مفترق طرق يستدعي وضع سياسات ترتكز على التنسيق والتواؤم مع الظروف الجديدة في السودان.

، في إشارة إلى انفصال الجنوب عن الشمال وتشكيل دولته الجديدة. وأضاف «لقد تجاوزنا مرحلة الحروب الداخلية ونريد أن نضع سياسة جديدة للسودان بعد إجراء الاستفتاء في الجنوب ترتكز على الإرث الثقافي والفكري»، مشيرا إلى أن السياسة الجديدة في بلاده ستقود إلى تغيير صورة السودان في الخارج، معتبرا أن بعض الأطراف الدولية مشكلتها مع السودان حول استقلالية قراراته، وقال إن بلاده ستتواصل مع الدول العربية والأفريقية مع عدم التدخل في شؤون الآخرين والنأي عن الصراع الداخلي في الجنوب، لافتا إلى أن انفصال الجنوب سيفتح الباب أمام الصراع الجنوبي - الجنوبي، وقال «لدينا التزام بألا تنصاع دولة الشمال للخلافات». وأضاف أن الجنوبيين يعملون على إطفاء الحرائق الداخلية بالبحث عن عدو خارجي، وتابع «لن نضار بأي من تلك الخلافات الجنوبية، ولن نتدخل في شأنهم، لأن الدولة الجديدة تقع في كنف ورعاية دوليين يقدمون لها المساعدات، في أي صرخة بكاء ستجد استجابة سريعة منهم». وقال «نحن نتحاشى دعم أي طرف خلافي في الجنوب يمكن أن يشكل شكوكا دولية علينا»، مشددا على ضرورة التواصل مع الجنوب، منوها بأنه إذا لم يتم الوصول إلى وضع إيجابي في التعامل معه سيتحول إلى مصدر قلق.

وانتقد الوزير السوداني تجاهل وزير التعاون الإقليمي في حكومة الجنوب دينق الور لطلب وزارته حول التباحث في شأن مصير أبناء الجنوب العاملين بالخارجية السودانية، مهاجما الحركة الشعبية، وقال إنها لا يمكن التعويل عليها إلا في حال ما إذا قامت بتغيير سلوكها، ملقيا باللوم عليها في تشويه صورة السودان الخارجية بصورة سالبة مما أوقعه في العقوبات الدولية، وقال إن منصب الخارجية في الفترة الماضية كان للحركة الشعبية ولم تفعل فيه شيئا، وقال إنه جرى تصنيف السودان في الفترة الماضية بعيدا عن الموقف الدولي، مجددا أن السودان لا يتخذ مواقفه نتيجة الإملاءات، وتابع «لكن لا بد من التوازن في المواقف وهناك محددات إقليمية تحكم هذا التوازن حتى لا ينعزل عن المجتمع الدولي».

وقال كرتي إن استراتيجية سياساته الخارجية تبنى على الحرص على استغلال نصيب السودان الكامل من مياه النيل حتى بعد الانفصال، وأن سياسة الحكومة الخارجية تقوم على مبدأ التكامل الإقليمي في إطار السياسات العامة وعدم التدخل نهائيا في شؤون الآخرين وتعزيز مبدأ التعاون السلمي، داعيا إلى تشكيل تجمع إقليمي قائم على تبادل المصالح، يضم الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإرتريا، ولمح إلى إمكانية تجاوز دولة الجنوب إذا ما استعصى على الشمال التعامل مع الدول الأفريقية من خلاله، وأعرب عن أمله في أن لا يحدث ذلك.