قلق في إسرائيل من شكل العلاقة المستقبلية مع مصر

واشنطن تبعث برئيس أركانها لطمأنة عمان وتل أبيب

TT

لا يعرف الإسرائيليون، مثل غيرهم، كيف ستصبح عليه مصر بعد أيام أو شهور. غير أنهم، أكثر من غيرهم، قلقون حول المستقبل، فمصر ليست مثل غيرها من الدول العربية.

لقد حاربت إسرائيل وهزمتها، ومن ثم أبرمت اتفاقية سلام استراتيجية معها، تنظر إليها إسرائيل بأهمية كبيرة، باعتبارها فتحت لها خطوطا مع دول عربية أخرى، وساعدت في نمو اقتصادها وحافظت لها على أمن حدود طويل، وأراحت جيشها من جبهة بالغة الأهمية عتادها 80 مليون مصري. ويمكن تفسير الصمت الرسمي في إسرائيل، على أنه انعكاس لحالة من الحيرة والقلق معا. وقال مسؤولون إسرائيليون إن أي تغيير لا يعتقد أنه يطرأ على العلاقة مع مصر، ولكن قال آخرون إنه من غير المعروف كيف ستجري الأمور. وفي نفس الوقت لم يتردد محللون سياسيون من تحذير حكومتهم، من أنهم قد يصبحون أمام تركيا جديدة.

ومنذ بدأت الثورة المصرية ضد نظام الحكم، حافظت إسرائيل الرسمية على صمتها، واستمر هذا حتى بعد تنحي الرئيس حسني مبارك. وامتنع ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن التعقيب على تنحي مبارك وإحالة المسؤولية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وأصدر نتنياهو تعليماته إلى أعضاء الحكومة بالامتناع عن الإدلاء بأي تصريح يخص التطورات الحاصلة في مصر. واكتفى مكتبه بالإعراب عن الأمل في أن تقوم القيادة المصرية المقبلة بالحفاظ على معاهدة السلام القائمة بين البلدين. ودعا الأسرة الدولية إلى العمل نحو تحقيق هذه الغاية.

وبدا تباين في تقدير الموقف في إسرائيل، وأعربت مصادر سياسية كبيرة هناك عن اعتقادها بأنه لن يطرأ تغيير جوهري في العلاقات بين مصر وإسرائيل، إذ إنه من مصلحة البلدين الحفاظ على معاهدة السلام المبرمة بينهما. ولكن مصدرا رفيعا آخر قال إنه من السابق لأوانه التحدث عن التوقعات، إذ لا يعرف كيف ستجري الأمور في مصر؟ متمنيا لها «الانتقال إلى الدمقرطة بسلاسة».

وهذا التباين في المواقف، والارتباك انعكس أيضا على المحللين السياسيين والعسكريين، وأصحاب التجربة في إسرائيل. وبينما ذهب المحلل العسكري الإسرائيلي المعروف رون بن يشاي، إلى القول: «إن على إسرائيل أن تستعد لوجود تركيا جديدة على الحدود الجنوبية»، وتوجه بالنصح إلى قادة إسرائيل، قائلا: «لا تظنوا أن مصر القديمة في عهد مبارك سوف تعود ثانية، وعليكم أن تستعدوا لمصر جديدة على الطراز التركي، وغير محبة لإسرائيل».

وكتب الكاتب تسفي برئيل، في «هآرتس»، يقول إن مصر لن تتحول إلى دولة ديمقراطية، بل إن نظام الحكم فيها سيظل متعلقا بالمؤسسة العسكرية. وأضاف مطمئنا «طالما ظل الجيش يدير الأمور في الدولة، فمن غير المتوقع أن يحصل أي تغيير في مواقف مصر تجاه إسرائيل، وأنه في غياب المؤسسات التي تضع السياسة الخارجية، فإن المسار الذي سيتحرك به الجيش سيكون مسار النظام السابق».

أما السفير الصهيوني السابق لدى مصر تسيبي مازل، فيرى أن إسرائيل «بعد انهيار نظام مبارك، باتت في أزمة استراتيجية واسعة النطاق، إذ بقيت وحيدة». وعقب مازل قائلا: «لن نجد أحدا آخر يقود مصر بصورة طبيعية براغماتية مرة أخرى بعد مبارك.. أعتقد أن وقتا طويلا سيمر قبل أن تنتخب حكومة ديمقراطية في مصر، الحكومة المعروفة لمدة 30 عاما انتهت، والآن سينهار البرلمان، لأن الشعب لن يقبل ببرلمان مؤسس على الخداع والتزوير، أرى أن الجيش سيبقى ممسكا بزمام الأمور لفترة طويلة». ووفق مازل «فالأوضاع الاستراتيجية قد تتغير»، موضحا «الآن نحن نمر بمشكلات عصيبة ومأزق كبير بعد مبارك».

وبينما يحار السياسيون الإسرائيليون في الكيفية التي سيكون عليها المستقبل، قدرت الأجهزة الأمنية هناك أن «فترة من عدم الاستقرار سوف تسود المنطقة»، وهو ما «يتطلب متابعة جذرية للتغيرات التي تحصل».

وعلى الرغم من أن المصادر الأمنية حسب ما نشرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» لا تتوقع أي هزات تمس إسرائيل على المدى القريب، فإنها حذرت من «رياح سلبية» يمكن أن تهب من دول الجوار.

وقالت المصادر الأمنية إن «الرسالة المركزية التي نتلقاها الآن هي عدم الاستقرار، وعدم الوضوح، والأمر يتطلب الرد المناسب».

وأمام هذا الارتباك والقلق الإسرائيلي، اضطرت واشنطن لطمأنة إسرائيل على مستقبلها في المنطقة، ومن المفترض أن يصل الأدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية إلى الأردن وإسرائيل، هذا الأسبوع، ومن المقرر أن يلتقي كبار المسؤولين في البلدين، لبحث نتائج التطورات التي شهدتها مصر، وقد تضطر الولايات المتحدة نفسها إلى تغيير سياساتها في الشرق الأوسط.

وسيصل مولن إلى الأردن اليوم لإجراء محادثات مع العاهل الأردني عبد الله الثاني، ومن ثم ينتقل مباشرة إلى إسرائيل لبحث كل الاحتمالات المتعلقة بالعلاقة المصرية - الإسرائيلية، ومستقبل معاهدة السلام بينهما. وسيجتمع مولن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريس ورئيس أركان الجيش المنتهية خدمته غابي أشكنازي.