الثورة المصرية تشعل الحركة الاحتجاجية في دولة العراق الديمقراطية.. لكن ببداية مشؤومة

مظاهرات لم يحضرها سوى عدد محدود.. وإحداها تغيب عنها منظمها بسبب خوفه من العنف

متظاهرون في الرمادي يرددون شعارات مطالبة بتحسين الأمن والخدمات في مدينتهم أمس (أ.ف.ب)
TT

كان الذين تجمعوا في ساحة التحرير في العراق، وليس الموجودين في القاهرة، من الشباب وكبار السن والعاملين والعاطلين عن العمل وسنة وشيعة، لكنهم هتفوا بصوت واحد وشعارات واحدة، منها «لا للفساد» و«الحكومة من السارقين» و«بغداد، يا بغداد أشعلي الثورة». إذا كان العراق سيشهد ثورة محتملة تشبه تلك التي أسقطت الرئيس حسني مبارك في مصر، فإنها قد بدأت بداية مشؤومة، حيث تراوح عدد المحتجين بين 200 و300 وكلهم من الرجال، يراقبهم جنود عراقيون تمددوا يستمتعون بدفء الشمس أمام سياراتهم.

لكن لم يكن هناك أدنى شك في أن الاضطراب الذي شهدته مصر يثير شعورا عميقا بالسخط، ليس فقط بين العرب الذين يعيشون تحت حكم مستبد، لكن في العراق أيضا الذي يعد البلد الوحيد في المنطقة الذي يمكن الزعم بأن له تجربة ديمقراطية أعقبت نظاما ديكتاتوريا. شهدت البلاد مظاهرات محدودة خلال الأسبوعين الماضيين، أكثرها كان احتجاجا على مستوى الخدمات المتدني، خاصة الكهرباء التي دفعت العراقيين للتظاهر في الشوارع مرات كثيرة في الماضي.

لكن يبدو أن هناك حركة جديدة تبزغ بين الطلاب والمتخصصين من الشباب استلهمت مما حدث في مصر، وكذلك من إحباطهم الناتج عن التجربة الديمقراطية للعراق. وبدأت تظهر مجموعات كثيرة على موقع الـ«فيس بوك» تدعو إلى احتجاجات مطالبة بإصلاح، ومنها «لا للصمت» و«بغداد لن تكون قندهار» و«الثورة الزرقاء» و«انضم إلى الولايات المتحدة قريبا في أكبر اعتصام شبابي» التي نظمت تظاهرة صغيرة يوم الجمعة الماضي في ميدان التحرير.

ومن المقرر تنظيم تظاهرة أخرى يوم الاثنين، لكن ما أثار الجلبة مجموعة «ثورة الغضب العراقية» التي أعلن عنها على عدة مواقع إلكترونية، ومن المقرر إقامتها يوم 25 فبراير (شباط) في الميدان نفسه الذي يعد أشهر الأماكن العامة، الذي يقع على الجهة المقابلة لنهر دجلة من جهة المنطقة الخضراء.

تقول تلك المجموعات التي أنشئت على الـ«فيس بوك» إن هدفها ليس الإطاحة بالحكومة التي لم تتشكل بالكامل بعد في أعقاب الانتخابات التي أجريت منذ نحو عام مضى، وهو ما يعد من ضمن أسباب الإحباط، لكن للمطالبة بتغيير على عدة أصعدة، مثل توفير الكهرباء وفرص العمل والحكم الرشيد والمساءلة.

يقول عادل سلمان، رجل أعمال يبلغ من العمر 33 عاما وكان من الذين شاركوا في احتجاج يوم الجمعة: «إن الغضب يشتعل في نفوس الناس. إذا استمر هذا الوضع، يمكن أن تتطور الأمور».

تقول إحدى النكات التي تبعث على الأسى إنه إذا أضرم أحد العراقيين في نفسه تعبيرا عن الاحتجاج، مثلما فعل الشاب التونسي الذي أشعل موته شرارة الثورة الشهر الماضي، فإن العراقيين الذين يتجمدون من البرد نتيجة انقطاع الكهرباء سوف يتجمعون حوله ليتدفأوا.

تختلف ظروف كل من مصر وتونس كثيرا عن ظروف العراق، فقد تم الإطاحة بالحاكم المستبد صدام حسين على أيدي جيش أجنبي لا ثورة شعبية، وما زال الانقسام الطائفي العميق الذي أعقب ذلك يؤدي إلى إراقة الدماء، مما حال دون ظهور فكرة العراق الموحد.

ويبدأ نوري المالكي، رئيس الوزراء العراقي، فترة حكم جديدة مدتها أربع سنوات عقب انتخابات رأت الأمم المتحدة أنها نزيهة إلى حد بعيد، حيث شارك فيها عدة أحزاب وكانت نسبة المشاركة بها كبيرة.

لكن كل ما دفع المصريين والتونسيين إلى التظاهر يوجد في العراق أيضا، ويوضح أنه من الممكن أن تجتمع الديمقراطية مع انتهاكات حقوق الإنسان، وأن ينتشر فساد مزمن في ظل حكومة منتخبة، ويتم إرهاب وترويع للمواطنين على الرغم من ضمانات دستورية للحرية.

وقال هادي جلو، من لجنة مراقبة الحريات الصحافية: «إن الانتخابات آلية ووسيلة لا غاية». لدينا نوع من الديمقراطية في العراق، لكن هذه الديمقراطية توجه بطريقة سيئة للغاية». فلا يزال هناك تعذيب في السجون العراقية، وآلاف من العراقيين يعتقلون لفترات طويلة دون محاكمة بحسب تقرير منظمة العفو الدولية الأسبوع الماضي.

وبحسب منظمة الشفافية الدولية، يحتل العراق المركز الرابع على قائمة أكثر الدول فسادا، بينما تحتل مصر المركز رقم 80. وبحسب تقدير الحكومة العراقية، تبلغ نسبة البطالة 15 في المائة، بينما تبلغ نسبة البطالة في مصر بحسب الإحصاءات الرسمية المصرية 10 في المائة. ويقول مسؤولون أميركيون إن التظاهرات الأخيرة تمثل دليلا على ازدهار الديمقراطية. يقول لوتينينت جنرال روبرت كون، نائب القائد السابق للقوات الأميركية في العراق الأسبوع الماضي: «هذه مؤشرات صحية على الحرية التي يتمتع بها العراقيون، وكذلك حرية التعبير». لكن يتساءل الكثير من العراقيين عن مدى الحرية التي يتمتعون بها، فقد أثارت مجموعة كبيرة من القواعد التي تنظم الإعلام وإغلاق الوسائل الإعلامية التي تنتقد الحكومة، وآخرها قناة «البغدادية» التلفزيونية و«الجزيرة»، مخاوف من حرية الصحافة. ويقول نشطاء إن الإجراءات البيروقراطية تجعل من المستحيل الحصول على تصريح لتنظيم تظاهرات.

وقال علي أنبوري، مستشار صحة وناشط في مجال الحقوق المدنية: «هناك الكثير من الأمور تحدث في العراق تشير إلى ما تواجهه الحرية والحقوق من تهديدات. إنها تتآكل تدريجيا». ورغم أن العراقيين يتمتعون بقدر أكبر من حرية التعبير حاليا مقارنة بفترة حكم صدام حسين، «هناك شبح يخيم فوق كل عراقي، فلا يمكنك قول كل شيء طوال الوقت. عليك أن تكون دبلوماسيا وحذرا لأنك لا تعرف ما يمكن أن يحدث لك. إن لم يقتلوك، فقد يؤذونك بطريقة أخرى أو يقفون في طريق حصولك على عمل» على حد قوله.

إن المخاوف تضرب بجذورها في فترة طويلة من العنف، ولا تزال الصراعات السياسية والطائفية العنيفة تؤكد مدى هشاشة النظام السياسي العراقي. فالفصائل التي انضمت إلى الحكومة هي نفسها التي كانت تدعم المتمردين والجماعات المسلحة منذ بضع سنوات، وما زال لديهم مؤيدون مسلحون، ويستطيع أي فرد منهم الانتقام ممن ينتقدونهم، على حد قول العراقيين.

ويثير هذا تساؤلا بشأن احتمال اندلاع أي حركات احتجاجية موحدة وقوية في العراق.

كان أحد نشطاء الـ«فيس بوك» الجدد من مجموعة «أكبر اعتصام شبابي» متوترا بسبب مقابلة صحافي، قام بتغيير مكانه ثلاث مرات، واصطحب قريبا له قوي البنية لحمايته. وقال عمر فابيانو، طالب يبلغ من العمر 21 عاما، رفض الكشف عن هويته الحقيقية واكتفى بهويته على الـ«فيس بوك» بسبب مخاوفه: «أخشى من العنف، لكنني لا أقول إنه من قبل الحكومة بشكل محدد، بل من ناس غير راضين عما نفعله». عندما حان موعد الاحتجاج الذي دعا إليه، لم يحضر وقال قريبه إنه نائم.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»