إيران: اندلاع اشتباكات بين المعارضة وقوات الأمن.. واعتقال عشرات الإصلاحيين

السلطات أغلقت الطرق الرئيسية في طهران وقطعت الاتصالات عن موسوي

متظاهرون إيرانيون يرشقون قوات الأمن بالحجارة في أحد أزقة العاصمة طهران، أمس (أ.ب)
TT

لم تنفع التحذيرات التي وجهتها السلطات الإيرانية لمنع اندلاع مظاهرات كانت المعارضة الإصلاحية في البلاد قد دعت إلى تنظيمها أمس تضامنا مع الشعبين التونسي والمصري اللذين تمكنا في مدة قياسية من إنهاء حكمي الرئيسين زين العابدين بن علي وحسني مبارك، على التوالي.

ورغم الإجراءات الحازمة التي اتخذتها قوات الأمن الإيرانية التي تمثلت بنشر عناصرها في الساحات والشوارع الرئيسية في طهران وقطع بعض الطرق الرئيسية للحيلولة دون وصول المتظاهرين فإن الآلاف منهم تمكنوا من التجمع في ساحة أزادي (الحرية) وسط العاصمة، وبدلا من ترديد شعارات مؤيدة لمصر وتونس فإن المتظاهرين هتفوا بشعارات مناهضة للنظام.

وسار مئات من المحتجين في شارع أزادي وهو طريق عريض، متجهين للميدان الذي يحمل نفس الاسم، وهو نقطة التجمع المعتادة للمتظاهرين، وقال شاهد عيان لوكالة «رويترز»: «يسير المئات صوب شارعي أزادي وانقلاب. يوجد مئات من شرطة مكافحة الشغب ولكن لم تقع مصادمات».

لكن المصادمات وقعت بالفعل بعد مدة وجيزة، إذ تطورت تلك المظاهرات إلى مواجهات بين عناصر الأمن والمتظاهرين الذين زادت أعدادهم من المئات إلى الآلاف، وأطلقت شرطة مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع وكرات الطلاء على المشاركين في الاحتجاجات.

واندلعت الاشتباكات في ساحة أزادي عندما بدأ حشد من أنصار المعارضة بالهتاف «الموت للديكتاتور» وهو الشعار الذي أطلقه متظاهرون ضد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد عقب إعادة انتخابه في 2009 وكذلك المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي.

وقال شاهد عيان إن مجموعة من المتظاهرين سارت بصمت من ساحة الإمام حسين إلى ساحة انقلاب، مضيفا «ساروا بصمت وحاولوا المحافظة على الهدوء»، وصرح شاهد عيان آخر أن «بعض رجال الشرطة يطاردون المحتجين من أجل تفريقهم»، مضيفا أن نحو ألف من رجال شرطة مكافحة الشغب نشروا في ساحة الإمام حسين والمنطقة المحيطة بها.

وانتشرت أعداد متزايدة من الشرطة وميليشيا الباسيج في مواقع في ساحة حتف التير التي شهدت احتجاجات شديدة مناهضة للحكومة في عام 2009.

وسرعان ما امتدت المظاهرات إلى مدن إيرانية أخرى، وقال شاهد عيان إن قوات الأمن الإيرانية اشتبكت مع المحتجين في مدينة أصفهان بوسط البلاد وألقت القبض على عشرات منهم.

كما لجأ أنصار المعارضة إلى أسلوب اتبعوه خلال احتجاجات عام 2009 حيث اعتلوا أسطح المباني والشرفات في وقت مبكر من صباح أمس وهم يرددون «الله أكبر» في تحد لحظر السلطات للمظاهرات. وتعتبر المسيرة اختبارا لقوة المعارضة الإصلاحية التي نزلت للشوارع في ديسمبر (كانون الأول) 2009 مما أسفر عن مقتل ثمانية.

واستغل زعيما المعارضة مير حسين موسوي ومهدي كروبي التأييد الإيراني الرسمي للاحتجاجات الشعبية الضخمة في دول عربية للدعوة لمظاهرات مساندة لها ولكن السلطات رفضت الطلب قائلة إن أي دعم لمصر وتونس كان يمكن التعبير عنه من خلال المشاركة في المسيرات الرسمية للاحتفال بالذكرى الـ32 للثورة الإسلامية الجمعة الماضية.

وتتهم الحكومة المعارضة بمحاولة تحقيق مكاسب من وراء التطورات في مصر، وذلك كذريعة للاستمرار في المظاهرات ضد المؤسسة في طهران.

لكن المعارضة تحدت الحظر وجددت الدعوة لتنظيم المظاهرة، رغم مطالبة السلطات الإيرانية المعارضة بتفادي «أزمة أمنية» بتجديد الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي ثارت عقب الانتخابات وهي أكبر اضطرابات في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.

وكانت وزارة الداخلية الإيرانية قد حظرت السبت المظاهرة ووصفتها بأنها «غير مشروعة»، كما حذر مدعي عام طهران عباس جعفري دولت آبادي أيضا من مغبة تنظيم أي مظاهرة للمعارضة، وكرر المدير السياسي في وزارة الداخلية محمود عباس زادة مشكيني أمس أنه لم يمنح أي ترخيص للمعارضة بالتظاهر.

وذكر موقع «كلمة» الخاص بموسوي على الإنترنت، أمس، أن قوات الأمن وضعت حواجز على الطريق ومنعت الوصول لمنزل زعيم المعارضة في جنوب طهران. وأضاف أن «عدة سيارات للشرطة متوقفة في الطريق ومن المستحيل الدخول إليه أو الخروج منه».

كما أفاد بأن الاتصالات مع منزل موسوي قطعت سواء عن طريق الهاتف الثابت أو الجوال، وتابع «يبدو أن القيود التي فرضت حديثا تهدف لمنع موسوي وزوجته (زهرة رهنورد) من المشاركة في المظاهرة»، بينما قال موقع «سهم نيوز» الخاص بكروبي إن رجال شرطة في ملابس مدنية منعوا رهنورد من الخروج من المنزل. وكان كروبي، رئيس البرلمان الأسبق ومرشح الرئاسة الإيرانية، قد وضع هو نفسه تحت الإقامة الجبرية منذ مساء الخميس الماضي لمنعه من القيام بأي نشاط قبل الموعد المقرر للمظاهرات التي دعا إليها كما منع من إجراء أي اتصال بأقاربه وحتى أبنائه. وفي ظل تعتيم إعلامي شامل تمارسه السلطات في إيران وكذلك القيود المفروضة على وسائل الإعلام الأجنبية في تغطية الأحداث كان من الصعب تقدير حجم المظاهرات والاشتباكات التي وقعت أمس، غير أن مصادر أفادت بمقتل متظاهر واحد على الأقل بعد أن فتحت قوات «الباسيج» أو «التعبئة الشعبية» النيران على المتظاهرين لتفرقتهم. وكانت السلطات قد أبلغت وسائل الإعلام بأنها لا تملك حق التوجه إلى المكان لمتابعة الوضع كما حدث في كل مظاهرة أو محاولة للتظاهر قامت بها المعارضة منذ 18 شهرا.

وفي وقت لاحق أمس، أدانت منظمة العفو الدولية قيام السلطات الإيرانية بقمع المظاهرات السلمية، وقالت المنظمة في بيان حصلت «الشرق الأوسط» على نسخة منه إن للإيرانيين الحق في التظاهر والتجمع السلمي للتعبير عن دعم الشعبين المصري والتونسي. وأضافت أن من مسؤولية السلطات الحفاظ على النظام إلا أنه لا عذر لها في حظر أو تفريق تلك المظاهرات.