الحريري يكشف: المبادرة «السعودية - السورية» كانت قائمة على عقد مصالحة في الرياض

قال: إن الطرف الآخر اعتقد أننا سنتنازل عن كل شيء لأجل السلطة.. ونحن نرى أن السلطة هي آخر ما يستحق التنازل عن شيء من أجله

رئيس حكومة تصريف الأعمال، سعد الحريري،يخاطب خلال القائه كلمة في ذكرى وفاة والده (تصوير: دالاتي ونهرا)
TT

كشف رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري فحوى المبادرة السعودية - السورية (سين سين) التي كانت تهدف لحل الأزمة اللبنانية موضحا أنها «كانت قائمة على فكرة واحدة؛ ألا وهي الموافقة على المشاركة في مؤتمر مصالحة وطنية يتصالح ويتسامح فيه كل اللبنانيين، يعقد في الرياض برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وبحضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس السوري بشار الأسد، وعدد من الرؤساء العرب وقادتهم وبحضور الجامعة العربية يؤدي إلى مسامحة شاملة لكل الماضي، ومصالحة الجميع دون استثناء لكي تصبح بعدها تداعيات القرار الاتهامي مسؤولية وطنية جامعة».

وفي الذكرى السادسة لاغتيال والده رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري في احتفال في البيال، أكد الحريري أن «لا عودة إلى الـ(سين سين)، لأننا فاوضنا بصدق وأمانة من أجل مصلحة لبنان، وإذ بنا نقابل بطلب الاستسلام لا المصالحة من قبل من لا يريدون حوارا لأنهم يرون أنفسهم أكبر من لبنان، فقلنا لهم إننا من مدرسة (ما حدى أكبر من بلدو)، وأنهوا الـ(س س) لأنهم لا يريدون المصالحة الشاملة».

ونفى الحريري كل ما أشيع عن أنه قبل بالتخلي عن المحكمة الدولية وقال: «لدي قلمان: قلم الصحافيين الراحلين جبران التويني وسمير قصير. أمامي عقدان: عقد الوزير الراحل بيار الجميل وعقد النائب السابق وليد عيدو، فبأي من القلمين أوقع؟ وأيا من العقدين أمزق؟ اعتقدوا أننا سنتنازل عن كل شيء لأجل السلطة ونحن نرى أن السلطة هي آخر ما يستحق التنازل عن شيء من أجله».

وجدد الحريري تمسكه بالمحكمة الدولية، رافضا الاتهامات التي وجهت لها بأنها محكمة أميركية، ومشددا على أنها «ليست فرنسية ولا إسرائيلية وهي لا تستهدف فريقا أو طائفة، إنما تمثل أعلى درجات العدالة الإنسانية وستنزل القصاص فقط بالقتلة الإرهابيين الذين استهدفوا قافلة من أبطالنا على رأسها رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري». وأشار إلى أن «هذه المحكمة وفق نظامها الأساسي ستوجه التهمة إلى أفراد ولن تلقيها جذافا وعليها الاستناد للأدلة والبراهين، وعندها إذا أراد أحد أن يضع نفسه في خانة المتهمين، فهذا خياره وطريق يختاره بنفسه».

ورفض الحريري ما يقال بأن «المحكمة موجهة ضد الطائفة الشيعية في لبنان»، داعيا في هذا السياق، إلى «عدم الاستماع إلى ما يقال بأن هذه المحكمة موجهة ضد طائفتكم، بل تبصروا إلى أين يقودنا هذا القول»، مشيرا إلى أنه «لم نكن ولن نكون في معرض مواجهة مع هذه الطائفة أو أي طائفة من طوائف لبنان، وهذه هي مدرسة رفيق الحريري الوطنية والعربية والإسلامية، مدرسة تعلو فوق الطوائف والطائفية»، موضحا أن «الطائفة الشيعية هي مدماك أساسي في البناء اللبناني، وجميع اللبنانيين شركاؤها في بناء الدولة ومواجهة العدو الإسرائيلي، ففي هوية كل لبناني حقيقي تجتمع كل الطوائف، وأي اتهام لطائفة هو اتهام لكل اللبنانيين».

وتابع الحريري قائلا: «دخلت المعترك السياسي فجأة ومن دون سابق إنذار، وفي بعض الأحيان أصبت وفي أحيان أخرى أخطأت، وأصبت عندما ناديت بالوحدة الوطنية، لأن هذا البلد لا يحكمه أحد بمفرده، لا شخص ولا حزب ولا طائفة بمفردها، وإذا افترض أي شخص أو حزب أنه أصبح بمقدوره أن يحكم بمفرده فليحاول، لكنه يعيش وهما كبيرا»، مضيفا: «نحن مددنا اليد في ذروة انتصارنا بعد انتخابات 2009 حتى بعد الجريمة بحق بيروت في أيار (مايو) 2008، مددنا اليد، وقد يكون خطؤنا أننا في كل مرة مددناها بصدق».

وإذ أشار الحريري إلى أن «هذا البلد تعبير عن شراكة يسهل بناؤها على الصدق»، أسف لأن «صدق نيتنا قوبل دوما بالخديعة واعتبر نقطة ضعف وعلامة خوف». وقال: «تحملنا التعطيل والإعاقة، وقد يقول بعضكم إننا أخطأنا، لكننا لم نستخدم يوما السلاح ولم نتحمل مسؤولية نقطة دم واحدة ولم ننسحب من حكومة ولم نعطل حوارا ولم نزور إرادة شعبية».

وشدد الحريري على أن «مشروعنا كان ولا يزال وسيبقى هو الدولة والدستور والمؤسسات والحفاظ على لبنان العروبة والسيادة والاستقلال، ولبنان الحريات الشخصية والسياسية والإعلامية والدينية والاقتصادية، حتى عندما وافقنا في البيان الوزاري على معادلة (الجيش والشعب والمقاومة) فلأننا نعتبر أن الدولة حاضنة للجميع، والجيش مكون من أبناء الشعب، وأن المقاومة في خدمة لبنان، وليس لبنان خاضعا بجيشه وشعبه ودستوره لخدمة السلاح بحجة المقاومة».

وفي ما يتعلق بموضوع السلاح، رفض الحريري «قبول السلاح أو الخضوع إليه عندما يصبح وسيلة لاستفزاز اللبنانيين في استقرارهم وأمنهم ليختاروا الباطل على الحق وعندما يوجه لصدورهم وليمارس الضغط على النواب»، مشيرا إلى أن «السلاح الموجه لصدور اللبنانيين هو سلاح الفتنة، والفتنة لا تخدم سوى إسرائيل»، قائلا: «لا عدو لنا غيرها، ونحن في مقدمة من يقاتلها في سبيل الدفاع عن أراضينا المحتلة في الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا».

وأردف: «إنه لا يستطيع أحد دفن الرأس في الرمال بزعم أن السلاح قضية غير موجودة، إنما الحقيقة غير ذلك تماما، وهذه المسألة خلافية من الدرجة الأولى بين اللبنانيين، ووضعت على طاولة الحوار الوطني باعتبارها خلافا مبدئيا يتصل بالاستخدام المتمادي لهذا السلاح في وضعه على طاولة الشراكة الوطنية أمام كل صغيرة وكبيرة».

من جهة ثانية، نوه الحريري بتبني قوى «14 آذار» لبيان دار الإفتاء، خصوصا في ذكره الأطماع والتجاوزات والغلبة بالسلاح لإخضاع الآخرين، مؤكد أن «هذه المسألة ستبقى في سلم أولويات استقرارنا الوطني ولن نسلم لإبقاء السلاح مسلطا على الحياة السياسية في لبنان، وهذا أول الكلام ولن يكون آخره».

وأعرب الحريري عن إيمانه «بالدولة وبتداول السلطة رغم تزوير إرادة اللبنانيين عبر دفع نواب من موقف إلى عكسه بعدما وقفوا أمام ناخبيهم متعهدين في كل مرة بالدفاع عن المحكمة الدولية، وبرفض أي وصاية غير وصاية الشعب وحصلوا على أصواتهم على هذا الأساس»، مشيرا إلى «أننا لا نتمسك سوى بدستورنا ونظامنا الديمقراطي.. فمبروك عليهم الأكثرية المسروقة بترهيب السلاح». ورأى الحريري أن «لا وسطية بين السيادة والوصاية ولا وسطية بين عروبة لبنان وزجه في محور إقليمي لا علاقة له لا بالعروبة ولا بلبنان»، مؤكدا أن «لا وسطية بين الصدق والخديعة والعهد المقطوع والخيانة»، متوجها «لمن يعتقدون أنهم تمكنوا مني بغدرهم، أشكرهم لأنهم حرروني وسمحوا لي بالعودة إلى جذوري، إليكم ومعكم».

وفي ما يتعلق بالمبادئ التي ستستند إليها المعارضة، أكد الحريري أننا «سنلتزم بالدستور، ونلتزم بالمحكمة الخاصة بلبنان، ونلتزم بحماية الحياة العامة والخاصة في لبنان من غلبة السلاح، وإننا عائدون إلى طريق الثوابت الأساسية التي رسمها الشعب اللبناني من كل الطوائف والفئات في (14 آذار)2005 والتي لم يخرج عنها لحظة واحدة حتى عندما شعر أن حسن نوايانا يدفعنا لتسويات لمصلحة لبنان»، معتبرا أن «هذا هو الطريق الذي سار فيه الشعب المصري ليستعيد الأمل وكلمته وإرادته وقراره، فكان قراره الحرية والديمقراطية فانتصر وانتصرت مصر عربية عربية عربية»، وتابع: «نحن أول من بدأ هذا الطريق، طريق الحرية، إلى هذا الطريق، طريق (14 آذار) 2005 سنعود وسنسير فيه معكم، أنتم الذين أبقيتم رؤوسنا عالية والذين ستبقون أعلامكم مرفوعة في ساحة الحرية حتى ساحة الحرية في (14 آذار) 2011 حيث سنجتمع مرة جديدة لنقول (لا)، مرة جديدة، لتسليم القرار الوطني وللوصاية الداخلية المسلحة، لا لتغيير نظام حياتنا، لا حلمنا لا يموت، لا للفساد والسرقة ولا للخوف ولا وألف لا ومليون لا للقهر والظلم والجريمة».